قوى 14آذار عبارة عن تحالف وهمي لا يعوّل عليه في مواجهة مشروع الشر الفارسي إلا بمزيد ومزيد من السقطات المخزية. "تيار المستقبل" بشخص زعيمه هو السبب الرئيس لضعف قوى 14آذار لأن قراره ببساطة في السعودية لا في لبنان. "الاعتدال" شعار تضليلي يُستخدم لتجميل "الانحلال" والروح الاستزلامية والانهزامية. إسرائيل تهُبّ دائمًا لانقاذ حِلفها العلني-الخفي مع محور الشر كلما وقع في مأزق ما، واليوم سارعت الى نجدة "حزب الارهاب المنظم" في معركة البيان الوزاري.
أربعة جمل مصاغة بأسلوب جازم، غير أنها تبقى في إطار الفرَضيات الهشّة التي لا يمكن أن ترتقي الى مرتبة النظريات القوية ما لم توثق بالأدلة والوقائع والتواريخ. في المقالات السابقة أثبتنا صحة الأولى والثانية والثالثة، وفي الأسطر الآتية نثبت صحة الرابعة.
معركة البيان الوزاري بين راعيَي مصالح السعودية وإيران على حساب لبنان في لبنان، بدأت بأجواء وُصفت بالإيجابية، مع عدم إبداء الحزب في الأيام الثلاثة الأولى تشدُّدًا حول إدراج "الثالوث الأخبث" كما أنه لم يُبدِ تنازلاً عنه في الوقت نفسه. غير أنه مع بداية مقاربة اللجنة الوزارية موضوع "الثلاثية"، اتخذ موضوع البيان بعدًا جديدًا في ظل التداعيات التي أثارتها غارة اسرائيلية عجيبة غريبة تحدَّث عنها الإعلام في 24/2/2014 (غير مسبوقة منذ مسرحية تموز2006)، اختُلِف في حدوثها، واختُلِف في مكانها، واختُلِف في الأهداف التي قصفتها! غير أن "حزب ألإرهاب المنظم" الذي لم يسمح للصحافيين بمعاينة مكان الغارة، أكّد حصولها متوعدًا على الطريقة الأسدية الدعائية بردّ في المكان والزمان المناسبَين. ومما زاد الأجواء دراماتيكية لجوؤ إسرائيل الى استنفار قوّاتها على الحدود مع لبنان وتهديد الدولة بأكملها إذا أقدم الحزب على تنفيذ وعيده.
استُكمِلت المسرحية في الأول من آذار، مع إعلان جيش الإسرائيلي عن العثور على بقايا صاروخين سقطا على "جبل الشيخ" دون وقوع اصابات وأضرار، وقد سارع الحزب عبر "مصادر إعلامية" الى الاعلان عن أنه رد على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مركزاً له باستهداف موقع إسرائيلي في "جبل الشيخ" بضربات صاروخية؛ من جهتها أعلنت إسرائيل أن مصدر القذيفتين هو الجانب السوري وقد سقطتا عن طريق الخطأ. بذلك جرت محاولة مزدوجة لحفظ ماء وجه الحزب وإظهاره بصورة المقاومة المزيفة، وفي الوقت نفسه حُفِظت صورة إسرائيل العسكرية من الاهتزاز.
لم تقف الخدمات الإسرائيلية لمحور الشر عند هذا الحد، بل عملت الصحف الصهيونية على تأكيد فرضية الحزب التافهة بأن المعارضة السورية تخدم أهداف إسرائيل، وهو ما نعبِّر عنه بمصطلح التأييد الإنعكاسي، والذي يعني باختصار اختلاق ومغازلة "حليف" زائف سترًا ودعاية لـ"عدو" زائف، (وهو ما أفردنا له مقالا خاصًا يجدر بالقارئ الاطلاع عليه على الرابط أدناه).
ففي 25/2/2014، أعلنت القناة الإسرائيلية العاشرة أن "الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الحدود اللبنانية السورية أعطت دعماً للمعارضة السورية، ما سيؤدي الى مزيد من العمليات في الضاحية"، معلنةً أن "إسرائيل تساعد المعارضة السورية"!! ذلك علمًا أنه بات من نافلة القول أن سبب صمود الأسد هو إسرائيل التي تتخوّف من البديل المجهول والذي لن يكون بالتأكيد بمهارة النظام السوري ومحوره في تأمين الأمن القومي الاسرائيلي؛ أضف الى ذلك أن العدو الصهيوني لو كان فعلاً يريد التخلّص من الحزب الإيراني لكان انقضّ عليه في اللحظة الذهبية التي ينغمس فيها حتى أذنيه في الوحول السورية؛ والأمر نفسه ينسحب على الحزب الذي لو كان يريد فعلا "المقاومة والتحرير" لصب ترسانته العسكرية على القلب الصهيوني نفسه لا على "أطرافه" التي يزعم أنها تتمثّل بالمعارضة السورية المسلحة والتكفيريين!
وبالعودة الى البيان الوزاري، بذل الحزب قصارى جهده لاستثمار الغارة المنقِذة، فأعاد التذكير إعلاميًا بأنه على عداوة مع إسرائيل وأن عدوه ليس فقط الشعب السوري الثائر بِشِيبِه وشبّانه ونسائه وأطفاله؛ لكن هل لا تزال العقول العربية و الاسلامية تهضم تلك التُرَّهات؟!
بصفته ممثل الحزب في لجنة صياغة البيان تولى الوزير "محمد فنيش" العلمية الاستثمارية، فأكد في 26/2/2014 أن "الغارة الاسرائيلية التي استهدفت البقاع هي دليل إضافي على ضرورة ذكر المقاومة في البيان الوزاري". وأضاف في 27/2/2014: "ما جرى هو أسطع دليل، أو دليل اضافيّ تذكيريّ لمن يريد أن يتعامى عن حقيقة الخطر الصهيوني وعن الحاجة المُلحّة الى دور المقاومة وأهمّيتها وحقّها في مواجهته". وعلى هذه الخلفية عادت لغة التخوين إلى المناقشات، حيث اتّهم الوزير "فنيش" في 28/2/2014 زملاءَه في قوى 14آذار "بركوب المؤامرة الإسرائيلية والاستقواء بالطائرات المغيرة على مواقع المقاومة في البقاع، والرضوخ للضغوط الأميركية". وبدوره طالب الحزب الحكومة بأن يكون "نصّ بيانها الوزاري رادعًا لإسرائيل، ولا يشجّعها على العدوان مجدّداً على لبنان، نصّاً تخشاه إسرائيل ولا ترضاه". أما الرئيس "نبيه بري" فحاول الإيهام بأنه يملك قرارًا مستقلاً عن الحزب وليس خاضعًا له بالكلّية، فأعلن في 26/2/2014 أنّه "إذا تخلّى حزب الله عن المقاومة في البيان الوزاري فأنا لستُ في وارد التخلّي".
وبالانتقال الى تدعيم نظرية مسارعة إسرائيل الى نجدة محور الشر في مآزقه، وإعطائه الشبهات التي يحسن استثمارها في تبرير هجومه على القوى الاستقلالية ونيل غاياته وتقوية مشروعه المناهض للدولة...حسبنا أن نذكر مثالَين واضحَين هما:
أولاً، الجهود الإسرائيلية لوأد حرارة "ثورة الأرز" وتخفيف اندفاعتها الحارقة على "حزب ولاية الفقيه" من خلال "مسرحية حرب تموز2006"، وما تلاها من تصاريح أميركية-إسرائيلية هدفت الى إيجاد شبهة قوية لدى البسطاء بعمالة وتبعية 14آذار لهما، دعمًا لجهود الحزب في إسقاط حكومة الاستقلال الثاني وقلبه دفة الهجوم الى صالحه.
ثانيًا، عقب تعثّر مساعي تشكيل حكومة "الحريري" عام 2009 بسبب رفع المعارضة الإيرانية سقف مطالبها، ارتفعت أصوات استقلالية تطالب بحكومة أكثرية خالصة لا تشارك فيها المعارضة... فسارع رئيس الوزراء الاسرائيلي "نتنياهو" في 10/8/2009 الى التدخل لتنشيط آلية التشكيل والحؤول دون إقصاء الحزب عن الحكومة، فحذَّر من نتائج دخول الحزب الحكومة المقبلة قائلاً: "ليكن واضحاً ان الحكومة اللبنانية ستتحمل مسؤولية أي هجوم يأتي من أراضيها إذا صار حزب الله رسميًا جزءًا منها...". استثمر الحزب مجددًا دعم نتياهو "الانعكاسي" بشخص أمينه العام الذي أكد في 15/8/2009 بأن "الرد على ذلك يكون بأن نسارع ونتعاون جميعاً على تشكيل حكومة وحدة وطنية وأن يشارك حزب الله فيها بفعالية، وهكذا نسقط الهدف من هذه التهديدات". وقد حققت التصاريح الاسرائيلية هدفها المنشود، وسمعت الرد الذي تنتظره، مع قول الرئيس المكلف "سعد الحريري" في 25/8/2009: "أريد ان أؤكد للعدو الاسرائيلي (...) أن حزب الله سيكون في الحكومة، شاء العدو ام ابى، لان مصلحة الوطن تتطلب ان نكون جميعاً في هذه الحكومة ولا يُزايدنّ احد في هذا الموضوع".
لن نطيل أكثر في سرد الوقائع والتواريخ، وهي تربو على عشرة حوادث لا يمكن أن تكون وليدة الصدفة، أحيلُ من أراد الاطلاع عليها بالتفصيل الى مقالي "التأييد الانعكاسي" (17/10/2009) على الرابط التالي:
والسؤال المطروح اليوم: هل ستنجح إسرائيل مجددًا في إدارج بند في البيان الوزاري يشرِّع مرّة إضافية السلاح الإرهابي الذي يحتل لبنان ويصفّي قادته ويصادر قرار الدولة ويخضعها لمشروعه الطائفي الخارجي؟ وكأني بمُجيب يقول: مع "تيار المستقبل" وهذا التحالف الوهمي لـ 14آذار كل شيء كارثي وارد بل مرجّح!!
التعليقات (0)