انطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن الحرية هي أعظم ما من الله به على البشر أجمعين وأن هذه الحرية تتحقق أولا في قدرة الشعوب على اختيار من يحكمهم وحقهم في محاسبته، ومن ثم حقهم الذي لا يقبل المواربة، في تغييره، فإننا نؤكد تأييدنا التام لثورة ليبيا المجيدة.
ونحن قد روعنا أن نرى السلوك الدموي المنحط لنظام القذافي في مواجهة ثورة تحمل مطالب مشروعة بالمعايير كافة: الأخلاقية والدينية والقانونية والسياسية نعبر بأقصى ما يمكن أن تعبر عنه اللغة عن اشمئزازنا من هذا العنف الجنوني الذي لا سابقة له في مواجهة مدنيين يريدون بالطرق المشروعة تغيير واقعهم إلى الأفضل بعد أكثر من أربعة عقود من حكم فاشل فاسد.
ولما كان التأييد والإدانة لا يكفيان للتعبير عما نعتبر أنه صفحة مجيدة من تاريخ شعب عظيم رغم التضحيات الجسام، فإننا نود أن نبدي الملاحظات التالية:
أولا: لم يزل الموقف العربي عامة (الرسمي وغير الرسمي) من الثورات المطالبة بالديموقراطية أقل بكثير مما نتوقع وأقل مما نستحق.
ثانيا: هناك مسئولية مضاعفة تقع على عاتق مثقفين عرب – وفي مقدمتهم مثقفون مصريون – دأبوا على "الحج" إلى طرابلس طوال حكم النظام البائد مانحين واحدا من أكثر الأنظمة استبداد في العالم مشروعية زائفة. وهم لقبوه بـ "أمين القومية العربية" فساهموا بذلك في صنع خرافة "الزعيم القومي"، وهم عندما سفك دماء شعبه صمتوا رغم أنهم في بلادهم يرتدون قناع المناضلين لأجل الديموقراطية، وكأن كلا منهم يريد الديموقراطية لشعبه أما الشعب الليبي فلا يستحق إلا القذافي!
ثالثا: دأب نظام القذافي لعقود على إنفاق جانب لا يستهان به من عوائد النفط في سوق "النخاسة السياسية" في عدة أقطار عربية، ما قد يشير – في ضوء الصمت المريب – إلى أن المال لم يشتر الضمائر والولاءات والحناجر والأقلام فحسب بل اشترى صمت البعض في هذا الموقف الذي لا يصمت فيه صاحب ضمير حي أيا كان دينه أو جنسه.
رابعا: أن الظاهرة في مصر كانت مما "عمت به البلوى" فكان الكل يعرف ويرفع شعار "من يجرؤ على الكلام؟" حسب تعبير الكاتب الأمريكي الشهير بول فندلي. وبعضهم على ساحة السياسة المصرية كانوا وما زالوا أصحاب أصوات عالية في المطالبة بمحاسبة المسئولين الرسميين عن الفساد، ولما كانت الشفافية مبدأ لا يقبل التطبيق الانتقائي، وإلا أصبحت أداة للانتقام السياسي، فإننا ندعوهم للخروج صمتهم ولمصارحة الجماهير بحقيقة علاقتهم الطويلة بالنظام البائد، وبخاصة لجهة الشفافية المالية، فالذمة المالية لرجل العمل العام معارضا كان أو مسئولا وجهان لعملة واحدة.
خامسا: أن الجريمة المروعة التي تشهدها ليبيا تدفع إلى إعادة النظر في مشروعية الدعوة إلى القومية العربية في صيغتها الراهنة، إذ التجارب المتلاحقة في مصر والعراق وسوريا وليبيا تؤكد أنها دعوة شمولية ودموية، وقد خسرت القومية العربية الجزء الأكبر من مصداقيتها على يد زعمائها، فقد شنقها صدام حسين وأحرق جثتها معمر القذافي.
ولقد سطر الليبيون صفحة مجيدة من التاريخ العربي بحق في مواجهة نظام تاجر حتى النفس الأخير بشعار الحفاظ على سيادة ليبيا، ثم انتهك هذه السيادة بنفسه، باستقدام مرتزقة أجانب للدفاع عن بقاء نظامه الإجرامي، مرتكبا بأيديهم جريمة إبادة جماعية لا سابقة لها.
حفظ الله لبييا الشقيقة وأتم لأبنائها النصر في معركة الحرية والكرامة.
مصر 24 فبراير 2011
حزب الطريق الـجديد –تـحت التأسيس
وكيل المؤسسين: ممدوح الشيخ
التعليقات (0)