مواضيع اليوم

بوصلة النص الشعري

أحمد الشرعبي

2011-04-19 05:10:10

0

بوصلة النص الشعري إبراهيم أبو عواد جريدة العرب اللندنية 18/4/2011م .

 

إن القوة الحقيقية في النسغ الشعري تتمثل في اكتشاف تفسيرات تاريخية للعلاقات الإنسانية في إطارها الروحي والمادي . وهذا الأفق التفسيري نابع من كَوْن النص الشعري تاريخاً جديداً للوجود بكل تراكيبه . فالنص الشعري _ بما يملكه من سِحر ونفوذ وسُلطة _ قادر على تأريخ المشاعر الإنسانية وعلاقاتها بالواقع تمهيداً لصناعة نهضة بشرية منطقية لا تسقط ضحية صراع الأضداد الفكرية والأنساق المتضاربة للثقافة التلقينية المدجَّنة ( ثقافة الببغاوات ) التي تقول ما يُقال دون تمحيص .
ومن خلال هذا المنظور التمحيصي الذي يعتمده النص الشعري ، تتحول العلاقات الروتينية الوظيفية في المجتمع الميت إلى قفزات حضارية إبداعية تعيد الحياة إلى المجتمع. وهذه الممارسة المنطقية تشير إلى الدور المركزي الوجودي للثقافة الإبداعية ، وهو تحويل التجمعات البشرية المتآكلة إلى خلية نحل دؤوب .
وبما أن النص الشعري يحمل صفاتٍ ثورية مركزية فهو يتشكل في قلب الحياة الإنسانية لا الهامش ، وهذا يدفع باتجاه فهم حقيقي لطبيعة اللغة القصائدية وتحركاتها الأفقية والعمودية في المجتمع ، وتحريك الساكن عبر إلقاء الحجارة في البحيرة الراكدة ، وكشف المسكوت عنه ، وإشاعة ثقافة السؤال والبحث والنقد والنقض . وكلما التصقت القصيدة بنخاع المجتمع البشري ، اتضحت مكانتها المحورية في تحريك الرأي العام وقيادة الجماهير فعلياً لا شعاراتياً . الأمر الذي يعيد للنص الإبداعي تألقه وأهميته في بناء العقل النقدي المنفتح عبر مواجهة العقل الميكانيكي المحصور .
وبالتركيز على الحقائق الثقافية للأبجدية المناوئة لأيديولوجية البنى الاجتماعية المنحرِفة ، نكتشف مزيداً من العوالم الذهنية التي تعمل جاهدةً على إعادة تشكيل العالَم وفق رؤية متحررة من سطوة تعاليم الخوف وسُلطةِ المعنى المحتضر .
ولا يتأتى للقصيدة أن تحرر المجتمعَ إلا إذا تحررت من جمودها وعزلتها ، لذلك عليها أن تُغيِّر جِلدها باستمرار ، أي أن تخترع آليات معرفية غير معهودة وتجدِّد في طبيعة الأفكار وأسلوب عرضها . وهذا التغيير لا يعني التخلي عن المبادئ والمتاجرة بالكلمة .
ولا يمكن الإحساس بجدوى فعل الكتابة الشعرية إلا إذا تكرس تاريخ القصيدة كتاريخ للحياة الإنسانية بكل تشابكاتها . وهذه الضرورة ليست فعلاً ترفيهياً أو ممارسةً روتينية زائدة عن الحاجة ، بل هي ضمانة حتمية لاستمرار الفلسفة الشعرية في تأدية دورها الحضاري وأنسنة القيم المتوحشة المتشظية في الذات البشرية .
فالقصيدةُ ينبغي أن تواصل الحركة لكي تحافظ على توازنها وتوازن العناصر الاجتماعية من حولها. فالأبجديةُ الشعرية مثل الدراجة ( إذا توقفت وقعت ).وهي أيضاً مثل النار ( إذا لم تجد ما تأكله ستأكل نفسَها). ومن خلال هذين المنظورين تتضح أهمية إمداد النص الشعري بالوقود اللازم للاستمرارية وحرق المراحل وصهرها وصولاً إلى آفاق جديدة للمجتمعات العاجزة عن تحديد وُجهتها ، والتي تسير في النفق بلا ضوء نحو الجدار . ولا يمكن فتح الطريق المسدود واكتشاف الأفق الجديد إلا إذا حصلنا على بوصلة النص الشعري السحرية .

http://ibrahimabuawwad.blogspot.com/




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات