مواضيع اليوم

بورتسودان .. مابين حرامي وجربان وعطشان

مصعب المشرّف

2013-06-02 17:31:06

0

بورتسودان ... ما بين حرامي وجربان وعطشان

 

هكذا يشرب الناس في ميناء السودان الرئيسي الذي تأسس عام 1905م وكان وقتها أفضل من الآن بمليارات المراحل

برنامج "عزيزي المشاهد – تحية وإحتراماً " في قناة أمدرمان ؛ إستضاف في إحدى حلقاته مؤخراً بعض من أهل بورتسودان الذين طرحوا صورة بائسة محزنة عن هذه المدينة وضواحيها ؛ لم تكن في الحسبان ولم يكن أحد يتخيلها في مدينة أقل ما توصف به أنها ميناء السودان الرئيسي .. ثم أنها حاضرة الشرق الذي يواجه هو الآخر الكثير من التململ والإستهداف وبذور حركات تمرد ، وربما مطالبة بالإنفصال عما قريب .. فمثل هكذا حال من الفساد وتردي الخدمات لايتصور عاقل أنه سيمر مرور الكرام.
الإستهتار بأهل الشرق لجهة تقديم الخدمات يتجلى في عدة محاور إستراتيجية ملتصقة بالمواطن وتشكل الأهمية القصوى بالنسبة له ؛ وهي الماء والكهرباء والعلاج والتعليم .

مقاهي بلا رواد بنيت على حساب ميزانية الولاية لأن المقاول من القطط السمان في الحـزب الحاكم

المضحك أن مدينة بورتسودان وفي عهد والي البحر الأحمر الحالي محمد طاهر إيلا أصبحت كالنعامة التي تدس رأسها في الرمال .. بل ونرى إدارة هذه الولاية الضاحك الأول على نفسها من بين كافة الولايات السودانية التي يضحك ولاتها ومحافظيها ومعتمديها وقادة الحزب الوطني الحاكم فيها على أنفسهم قبل غيرهم بقدر أو بآخر ... ثم يأتون في آخر المطاف يشتكون من أعمال العنف والتمرد المسلح الذي يجتاح بلداتهم وقراهم ومدنهم. وتصبح العودة إلى الوراء من رابع المستحيلات.
من أكبر الدلائل على أن إدارة ولاية البحر الأحمر تضحك على نفسها والناس ؛ هو ما نراه من إقبال هذه الولاية على تخصيص مواردها والصرف الباهظ على قناة فضائية يبدو أن الغرض الأول والأخير منها هو التبييض والتقشير والتجميل لستر السوءات وتغطية العورات . ورتق الكثير من الثقوب في هذه الولاية عامة ؛ ومدينة بورتسودان خاصة التي كانت تسمى يوما "عروس البحر الأحمر" . فأحالها الولاة المعينون "عبر إنتخابات صورية" إلى ما يمكن تسميته بـ "شمطاء البحر الأحمر" .. و "جربانة البحر الأحمر" و "عطشانة البحر الأحمر" .... و مدينة أشباح حقيقية لاماء فيها ولا كهرباء ولا تعليم ولا علاج. أو خدمة مدنية جادة مسئولة نزيهة . وهو ما جعل منها مدينة طاردة ويخشى المغتربون النزول إليها وعبورها بسبب معاناتهم في الجمارك المتعسفة وبطء التحميل والتنزيل والتخليص . وعدم شفافيته طالما لم تدفع "الإكرامية" و "البقشيش" ، وتبذل العطايا والهدايا من الغالي والرخيص.

حمير وكارو وشعار الهلال الأحمر داخل مستشفى حكومي ومرضى بلا أطباء ولا دواء

من يصدق أنه وفي القرن الحادي وعشرين تنعدم ماء الشرب في المواسير . ويشرب الناس من ماء البراميل والتوانكي التي يتم نشلها من آبار كان قد حفرتها الخديوية المصرية خارج المدينة . وبعضها الآخر يتم جلبها من الخيران والأحواض ومناطق تجمعات الماء الراكدة ؛ من على بعد مسافات يمتد بعضها بعيداً عن المدينة وضواحيها مسافة 30 كيلومتر . يجلبون منها الماء في أجواف التوانكي ويعلوها الطحالب ومخلفات الحيوانات والطيور المختلطة بالجيف والضفادع ....
ولك أن تتصور حال مياه الآبار الموجودة حالياً داخل المدينة وضواحيها . فبعضها مختلط بماء الصرف الصحي .. الذي كما وصفه أحد أبناء المدينة بأنه الذي يخرج من السبيلين لا مؤاخذة ... وقيل أنهم يشربون منه ويغتسلون من الوسخ والجنابة ويتوضأون في عهد الشريعة وحماية الدين ، الذي يحرص الولاة والمحافظون والمعتمدون والساسة دائما على إعلائه "بأصبع السبابة" أمام كاميرات التلفزيون ...... ونرجو الله أن يتقبل من أهل بورتسودان صلاتهم وقيامهم وغسلهم وإغتسالهم فهو أعلم بظروفهم وأحوالهم .. ولا حول ولا قوة إلا بالله,.

مساجد بلا ماء .. ويقف المصلون خارجه في حيرة من أمرهم ينتظرون من الإمام الفتوى بالتيمم

من يصدق أن مدينة الجمال والشاعر حسين با زرعة يصل بها الإهمال والإنحدار إلى هذا الحال المزري؟
يبدو أن الولاية في بورتسودان قد عرفت الطريق إلى الفهلوة وإكسير الضحك على دقون عامة الشعب السوداني والرئاسة في الخرطوم.
عمدت إدارة الولاية إلى ما يعرف بإعلام ألـ Show الإنطباعي الذي يتقنه أهل لبنان في مجال الإعلام والعلاقات العامة .... والذي يقابله في الإتجاه المعاكس المثل القائل :- "من بَـرّة هَـلاّ هَـلاّ ومن جُـوّة يعلم الله".
وفي هذا الإطار الإنطباعي تحرص الولاية على إستضافة صحفيين ورقيين ومقدمي برامج تلفزيونية من العاصمة الخرطوم . يأتون بالطائرات إلى مطار بورتسودان ويتوجهون مباشرة إلى مكتب الوالي ليكتبوا عنه في صحفهم ما يرغب هو في قراءته عن نفسه وولايته . وما يرغب أن يشاهده الناس عنها من مناظر خادعة لاتعكس الواقع وعموم الحال . ثم يغادر هؤلاء ويعودون للخرطوم بعد أن يتم حشـو جيوبهم وأفواههم وأنوفهم ؛ وتغطية أعينهم بالمال العام على سبيل "الإكرامية" و "البقشيش" و "الهديـة" من أموال دافع الضرائب والزكاة.
وفي هذا المجال عمدت إدارة الولاية (الذكية جداً) إلى رصف وتجميل وتهيئة شارع على البحر بمسافة 4 كيلومتر لاغير؛ يتم فيه إقامة الإحتفالات وإستقبال رئيس الجمهورية والزوار الرسميين من كبار المسئولين في الحكومة الإتحادية ..
وعمدت الإدارة إلى إبتداع مهرجانات غنائية جماهيرية ليلية يدعى لإحيائها أهل المغنى والطرب والتمثيل والتنكيت من الخرطوم وطيور الجنة من دبي .. ويتم نقل هذه الليالي الغنائية على الهواء عبر فضائية البحر الأحمر ؛ فيظن أهل السودان والرئاسة في الخرطوم أن بورتسودان قد أصبحت ومدينة دبي كفرسي رهان ..... ويا بلاش.
هل يعقل أن تصرف الولاية على المطربين والموسيقيين والمنكتين وطيور الجنة . وإستقدامهم وضيافتهم والإنارة والصيوانات والكراسي . في الوقت الذي تعاني فيه 60% من أحياءها العطش ناهيك عن الشلل في مجال الصحة والتعليم وخدمات الكهرباء؟
هو إذن نفحة كذاب ؛ وإستعباط وإستهبال وحلاقة فوق الرأس الأصلع . ومنهج يتعمد القفز فوق الواقع الأسود والحقائق الخفية المريرة ، والتهرب عن مواجهتها وحلها والإستعاضة عن ذلك بعرض واجهات زائفة مزيفة بلا أساس تخفي العيوب وتغطي الثغرات المتسعة في مجال الخدمات العامة والتنمية.
ولكن حبل الكذب قصير. فإلى متى يستمر ويظل هذا الكذب والخديعة؟
تكشفت الأمور مؤخراً وفاض الكيل ...
من يصدق أن فتيات المدارس في مدينة بورتسودان قد أصابهن الجـرب بسبب ندرة المياه ؟ فلا إستحمام ولا غسيل ملابس إلا في المواسم والأعياد أو عند الإغتسال من الجنابات. وبأغلى الأسعار حيث لايكفي متوسط الراتب الشهري في المدينة لشراء ما يلزم من ملء براميل أو جرادل الماء إذا أراد أن يحرص على الإستحمام اليومي وغسل ملابسه .. وربما لو إستمر الحال على هذا المنوال لأفتى الأئمة بالتيمم.
من يصدق أن المواسير العاملة في 40% فقط من المدينة تتنزل فيها الأسماك الصغيرة من الصنابير؟
يتحدثون عن سرقات للمال العام وإستغلال للنفوذ وإمتلاك القطط السمان في حزب المؤتمر الوطني لمصانع وشركات إعلان وعلاقات عامة تستفيد وتجني الذهب من هذا الهرج والمرج والفجر الكاذب .. ولكن الحكومة الإتحادية في الخرطوم تغطي وجهها عمداً ، وتراوغ فتطالب الناس بإبراز المستندات والوثائق الدامغة ... أو كأنّ الذي يسرق المال العام ويستغل النفوذ يفعل ذلك في الهواء الطلق ، ويعلن عن نفسه صراحة وينادي " أنا حرامي" من خلال فضائية البحر الأحمر.
سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن يـقل بإبراز المستندات . فالدليل الدامغ يتبين من واقع حال المسئول الحرامي ، ويظهر ويطفح عند المقارنة بين حاله قبل التعيين وبعد التعيين . وأملاكه وأملاك زوجاته وأبنائه وبناته وأزواج بناته قبل التعيين وبعد التعيين.
إعلام ألــ Show الإنطباعي الذي تنتهجه إدارة الولاية كإستراتيجية لايمكن أن تدوم أكاذيبه هكذا دون أن تؤدي في نهاية المطاف إلى إنفجار مدوّي...
وهذه واحدة من نتائج تعيين الولاة بطريقة غير مباشرة من خلال إنتخابات صورية ، لاينجح فيها إلا من ترغب به رئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم في العاصمة الخرطوم.
حبذا لو صدر قرار جمهوري أو قانون يمنع كل مسئول أو موظف حكومي إبتداء من منصب رئيس الجمهورية إلى أدنى موظف أن يجمع بين الوظيفة العامة والعمل الخاص ؛ فيجظر عليهم العمل كأصحاب شركات ومصانع أو شركاء فيها أو رؤساء وأعضاء مجالس إدارة أو مستشارين وشركاء نائمون .. إلخ من مسميات وأساليب تحايل باتت مكشوفة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات