مواضيع اليوم

بوح الشراع .. دموع العيد ..

صالح الموسى

2012-07-11 09:58:03

0

بوح الشراع

الفصل الاول .. دموع العيد .. 

كانت السفينة عائده الى ميناء ولستون٬النائم على ضفة نهر اتشين جنوب بريطانيا٬تبحر بحذر وهي تعبر النهر٬ تعاني من صلف الرياح٬ ومن تيارات مائيه جارفه ومتغيره ٬ قيل ان مصدرها الرئيس٬ تيار دافيء قادم من خليج المكسيك٬ حال دون تحول بريطانيا باكملها الى كتله من الثلج . في المررات المائيه المزدحمه كهذا المكان٬ كان ولا يزال تجاهل المؤثرات الطبيعيه٬ هو المسبب الاول لغرق وتحطم العديد من السفن٬ على الرغم من تطور اجهزة الملاحه. كان الجو آنذاك رمادي قارس٬ تحتجب فيه الاشياء وتظهر تبعا لكثافة الضباب٬ لكنه لم يحجب الشوق عن قلوب بحاره٬ باتت فرحة العوده متوسعه في صدورهم٬إثر غياب طويل محفوف بالمخاطر دام اكثر من شهر٬عدنا في يوم من ايام الله٬ألا وهو يوم عرفه٬الناس فيه يكبرون ويهللون،مع صوت اذان المغرب الذي انطلق عبر مكبرات الصوت الخارجيه .. الله اكبر .. الله اكبر .. فامتلأت اعينهم بدموع العيد. وقد سرى هذا النداء ولاول مره٬ليصل صداه الى جنبات هذا النهر المزدحم بمنازل متراصه٬ اسقفها قرميد احمر٬ تنفث دخان يتلوى متصاعدا من بين اشجار البلوط٬ التي نفضت اوراقها بعد ان انهكها الشتاء الطويل. افطر الصائمون على عجل في مراكزهم٬ على تمره وشربة ماء٬وانا ايضا تناولت افطاري واناجالس على كرسي الكابتين في برج القياده٬تحت الاضواء الحمراء الباهته ٬ اراقب واستمع الى ما يصدر من تقارير واوامر بين المواقع٬ لا اتدخل إلا معقبا او مصححا لاجراء. الشعور بالوحده يلازم كل قبطان٬ والسبب تفرده بالمسئوليه٬فيمضي الوقت ببطي٬وقد الفت اذني ازيز المحركات٬وتكتكات العدادات٬ وطنين الاجهزه٬ وقرع الاجراس التي تنبه اكثر مما تخيف ..! فجأه نط احد البحاره صائحا٬ بانه شاهد رجلا يرمي بنفسه من فوق جسر شاهق يربط بين ضفتي النهر٬وعلى الفور اتصلت بمسؤول امن الميناء٬ الذي جاء رده سريعا ومفاجئا : لا تقلق سيدي .. هذا رقم ٣٢ ... ! اسكتني كمن يسكت ساعة منبه٬ ولكن تمكنت مني ابتسامة حزن ساخره٬ ثم التفت الى من حولي وتكلمت بصوتي الثاني .. من منكم يريد ان يصبح رقم ٣٣ ..! ضحك الجميع وقال يوسف الضابط المناوب : شر برود الإنجليز ما يضحك .. ثم عقب .. كابتين عن اذنك .. هناك سفينه حربيه بريطانيه قادمه سوف تمر على مقربه منا٬ فوقف بجانبي زيد ضابط الملاحه٬ لكي نتبادل التحايا حسب الأعراف العسكريه٬ فمن باب الفضول امسكت بالناظور فشد انتباهي ظابط الملاحه الذي يقف بجانب قائد السفينه الاخرى٬ فاعطيت زيد الناظور لكي يرى بام عينه .. فوضع الناضور صوب السفينه الاخرى٬ ثم التفت الي ونخر نخره .. وهو يلعب بحاجبيه قائلا : يا عيني على ضباط الملاحه .. بنت .. شقراء ممشوقة القوام ومخملية العينين .. والله حلاوه .. قلت : نعم الدنيا حظوظ يازيد .. ! ضحك ضحكه جزله وقال بحس دعابه متمرس : مهما يكن ليس أسواء من حظي ..! سلقت زيد بنظره توحي بان ملفه سوف يتحول الى بقع سوداء. لمعت انوار الميناء وانحرفت السفينه باتجاه الرصيف٬ الذي انكشف امامنا٬ وبدى المسجد وهو عباره عن حاويه اعدت لهذا الغرض٬تقطرها عربه تقابلنا اينما نذهب.ايضا ظهرت حشود من العوائل السعوديين على جانب من الرصيف في انتظار ذويهم٬بينما وقف خلفهم فتيات إنجليزات٬ يلوحن بأيديهن اتجاهانا قاصدين بحاره شباب من ذوي الشعور المخضبه بالجيل٬ لكن الحياء من عيون الاخرين منعهم من رد التحيا .. فلا غرو فمن على ظهر هذه السفينه هم من طينة البشر٬ يمثلون شرائح مختلفه من المجتمع. اما على الجانب الاخر من الرصيف٬ وقف محتجون يحملون لافتات مكتوب عليها .. ايها السعوديون اوقفوا هذا الصراخ وعودوا الى بلدكم .. اتصلت على مرشد الميناء السيد تيري فقال : كابتين يبدو ان لدينا مشكله ..! هؤلا سكان الحي القريب من هنا غاضبون من الازعاج الذي يصدره صوت الاذان٬ يتقدمهم نائب في البرلمان٬ يريد ان يتحدث اليك حالما ترسو السفينه.. رست السفينه٬ بعد ان استقرت الحبال حول رقاب دعامات الرصيف٬ وادينا الصلاه متأخرين قليلا٬ثم اقبل تيري يمشي مسرعا بقامته الطويله٬ وشعره الاشقر المفروق من الوسط وهو يمسك بربطة العنق٬ لكي لا يفقد اناقته اثناء المشي. فاستقبلته وهو يلهث قليلا واخذته الى مكتبي٬ فجلس امامي واضعا ذراعيه على على ركبتيه٬ وهو منحي الى الامام٬ وقال وهو يلتقط أنفاسه : حسنا النائب في طريقه الينا.. وما هي إلا لحظات ثم دخل علينا رجل قصير مكتنز ناتىء العينين٬ انفه صغير وفمه مزموم ووجهه مدور٬ لم يكن متعال او مغرور٬ بل صافحني وقال : انا النائب مالكوم ثم جلس وهو متجهم .. فلاحظت ان له كرش اخر اسفل الحزام ٬وقميصه مشدود للاخر٬ مثل كيس منفوخ بالهواء من فرط السمنه٬ ثم قال بتأفف : اسمعوا يا ناس .. متى سيتم ايقاف هذا الصوت ..؟ تملصت انا من الاجابه بغية عدم الارتباك فرد تيري : للمعلوميه هذا نداء لصلاه وليس مجرد صوت .. قال متعنتا: لا يهم .. امنع هذا الصوت وسمه ما شأت ..! قلت اسمع يا سيد مالكوم : قبل كل شيء انت هنا الان على ظهر سفينه عسكريه٬ لذلك تعتبر على ارض سعوديه طبقا للقانون الدولي٬ اي اننا هنا داخل السفينه نخضع للقوانين المحليه لبلدنا٬ ولنا الحق في ممارسة شعائرنا التعبديه كيفما نشاء٬ كما ان لكم الحق في قرع الاجراس يوم الاحد ٬ لو قامت سفينه بريطانيه بزيارة احد الموانىء السعوديه٬ او حتى تناول الخمور داخل السفينه٬ علما بان القوانين السعوديه تمنع ذلك .. قال : شكرا جزيلا .. لست بحاجه الى سماع محاضره٬ اريد حل للمشكله وانتم .. ثم قاطعه تيري بحده قائلا : ومن قال لك اننا لا نريد ذلك ..! هؤلا جاؤا الى هذا الميناء الذي صنعت فيه سفينتهم قبل ٥ سنوات٬ حيث كانوا ولايزالون يؤمنون ٣٠٠ وظيفه لهذا الحي والأحياء القريبة منه .. هل تعتقد ياسيد مالكوم٬ انه من اللائق ان تواجه هذه السفينه وطاقمها بلافتات معاديه كالتي يرفعها ناخبيك ..! انت تعلم بان القانون في هذا البلد يجرم الشعارات العنصريه٬ كتلك التي يرفعها من اعطوك اصواتهم. وللمعلوميه هذه السفينه لديها تصريح بالرسو هنا من قبل السلطات العليا للبلدين .. اي انها تخضع للاعراف والقوانين الدبلوماسيه٬ وليس الى سلطة المحاكم المحليه. ليكن في علمك٬ بان هؤلاء المحتجون قد اختاروا أسلوبا قد يقودهم الى المسائله القانونيه ..!
شعرت بان مالكوم قد انكمش واصبح عاري من اي سند قانوني في بلد تحكمه القوانين٬ وتأكدت ايضا من ان موقف تيري بدى مؤازرا لي٬ لذا توجهت له بالسؤال : مالحل المناسب برأيك سيد مالكوم ..؟ لا ادري .. قالها وهو يحملق في الفضاء .. مهمتي هنا البحث عن حل وليس تقديم حل .. وانت ياتيري ؟ كابتين للامانه انا اعلم بانكم تقدمتم عدة مرات للشركه الصانعه٬بطلب امكانية فصل المكبرات الخارجيه عن المكبرات الداخليه٬تلافيا للازعاج٬ إلا ان الشركه رفضت الطلب٬ بحجة ان هذا تغيير في التصميم٬ والذي يتطلب موافقه من الجهات العليا .. قلت : اذن يا سيد مالكوم٬ نحن مستعدون لايقاف مكبرات الصوت الخارجيه اثناء الاذان٬ولكن عليك اقناع الشركه الصانعه بالموافقه على عمل هذا التغيير .. قال : تماما .. انا فهمت الامر٬ وسوف اقوم بالضغط على الشركه لعمل اللازم . نهظت ثم نهظ وودعته بابتسامه عريضه ومصطنعه٬ ثم ناديت عليه بعد ان ابتعد عني عدة خطوات وقلت ممالقا بسخريا: لو رفضت الشركه اي طلب لي مستقبلا فسوف استعين بناخبيك .. ضحك وهو يهز كتفيه ثم انصرف. ثم قلت لتيري بامكانك ان تبقى اذا اردت.

شكرت تيري وطلبت له ولي كابتشينوا مع شيز كيك٬ في جو ودي حميم. دخل احمد امام السفينه٬ وطلب مني ٣٠ جنيها قيمة الاضحيه٬ فاعطيته فسألني تيري: لاحظت ان احمد يجمع المال من الناس ..! قلت نعم : قيمة الاضحيه .. وماهي الاضحيه ؟ ثمن خروف يوزع لحمه اثناء العيد على الفقراء .. قال :طالما انه يوزع على الفقراء فهل هل يمكنني ان اضحي ؟ طبعا يا تيري .. فقال احمد لا ..لا .. لايمكن .. الاضحيه تجب على المسلم فقط٬ قلت لتيري هات ٣٠ جنيها٬ فاعطيتها لاحمد٬ وقلت له نفذ الاوامر . خلى الرصيف بعد ان تفرقت الحشود وغادر الطاقم السفينه باستثناء المناوبين٬ ثم غادرت انا وحيدا ..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !