مواضيع اليوم

بوتين والحريري كرئيسيْن للوزراء

يوسف رشيد

2010-11-20 09:13:19

0


1

في الأسبوع الماضي التقى رئيس وزراء لبنان ، في روسيا ، برئيس وزرائها ، وبثت إحدى قنوات التلفزة اللبنانية جزءًا من ذلك اللقاء ، بدا فيه الحريري متحدثا أمام بوتين ..

لا أريد أن أعلق على مضمون ذلك الحديث ، لأنه شأن سياسي " داخلي " لا أريد الخوض فيه ..

ولا أريد أن أعلق كثيرا على ملامح وجه السيد الحريري ، وارتباكه ، وتلعثمه في قراءة ما يقول ، من ورقةٍ أمامه أو من شاشة كومبيوترية صغيرة ـ ربما ـ ظهرت أمامه ..

 

إن مجرد رؤية الرجلين ـ بوتين والحريري ـ على طرفيْ طاولة واحدة ، يعطي انطباعًا واقعيًا عن مكانة كل منهما ، وتأثيره في صنع مستقبل وطنه فعليا ، لا كلاميا ..

لقد رهن الحريري وطنه كله ، من أجل حقيقة تائهة في زواريب الأمم المتحدة ، وهي ليست بعيدة أبدًا عن مجرمِي الحرب في القرنين الماضي والحالي " أمريكا وصهاينتها " ..

فكيف تبحث المحكمة عن مجرم تعيش هي في أحضانه ، وتستظلُّ بظله وبرعايته وبحمايته ، وتأكل من خيراته ودولاراته وشيكلاته ؟؟!!

ولعل لبنان ليس الرهينة الوحيدة .. حتى تكاد تغدو المنطقة كلها رهينة لتلك الإرادة " الدولية " القذرة ، بكل ما فيها ، وبكل ما تريد التوصل إليه ..

ولم يكتفِ الحريري بذلك .. فقد وضع لبنان كلـَّه ، وسلمَه ، وأمنه ، وحريته ، واستقلاله الحقيقي ، في كفةٍ ، ووضع في الكفة الأخرى قرارًا دوليًا يَستهدف رأس المقاومة ، بعد أكثر من أربع سنوات من استهداف رأس " النظام السوري " ..

هل دمُ الحريري أهم وأغلى من لبنان ؟؟!!

لماذا لا يُتهَمُ بدمه إلا أعداء إسرائيل وأمريكا ؟؟ !!

هل كان الشهيد الحريري صديقا وحليفا لإسرائيل وأمريكا ، حتى يُتـَّهَم أعداؤهما باغتياله ؟؟!!

أليس شرفا كبيرًا للحريري ، وشهادة ًمضافة ًإلى شهادته ، أن يُغتالَ بمؤامرة أمريكية صهيونية ، تكشـَّفتْ ملامحُها جليـَّة خلال السنوات الماضية ؟؟!!

أليس مهينا أن يُغتالَ رجلٌ كالحريري بسلاح أهله ؟؟!!  

ولماذا يغتالـُه أهله ؟؟!!

وإذا كان لسوريا دوافع معينة لقتله ـ حسبما شاع في السنوات التي تلت الحادث ـ فلماذا تقتله المقاومة ، وكان المرحوم لصيقا بها ، مؤمنا بدورها وقدراتها من أجل لبنان ؟؟!!


2

 

في البداية ، لا بد لي من الاعتراف بأنني معجب جدا بشخصية السيد بوتين ، كقائد تاريخي للجمهورية الروسية " الأولى " ، التي قامت على أنقاض " بيروسترويكا " غورباتشوف ..

ولن أعود للوراء كثيرا ، لإلقاء الأحكام على رجالات العهد الشيوعي السوفييتي ، ولا الحكم على مرحلة " إعادة البناء " التي قادها غورباتشوف ، فلكل منهما ظروفها التاريخية ودوافعها ومؤثراتها ..

إلا أنه من المفيد أن نشير إلى ما فعلته نظرية إعادة البناء من كشف المستور ، وتعرية واقع الحال ، وظهور الاتحاد السوفييتي " الدولة العظمى " بمظهر " الدجاجة المنتوفة الريش على بساط ثلجي " ..

وكانت مرحلة حكم الرئيس بوريس يلتسين مرحلة انتقالية ، وصل إليها بطريقة أوحت في البداية ، أنها مدبرة بينه وبين غورباتشوف .. فبدأت دول الاتحاد السوفييتي تعلن انفصالها واستقلالها الواحدة تلو الأخرى ، تحت أنظار حكومة موسكو ، وبعد أن صار جدار برلين الشهير مجرد أحجار للذكرى ..

ولعل أفضل ما قدمه يلتسين لروسيا ، أنه استعان بشخصية مخابراتية مغمورة " فلاديمير بوتين " ، ليجعل منه رئيس وزرائه ، قبل أن يصبح هذا مرشحا وحيدا للرئاسة الروسية بعد عجز يلتسين عن القيام بمهامه بسبب المرض ..

دخل بوتين إلى الكرملين رئيسا للجمهورية الروسية الأولى ، بعد قرون من حكم القياصرة ، وبعد عقود من حكم الشيوعية ، وبعد البيروسترويكا التي خربت ما لم يتخرب في كل السنين السابقة ..

أمضى بوتين في الكريملين فترتين رئاسيتين ، حسب الدستور الروسي الجديد ، وخلال السنوات الأخيرة منها ، كان يحضر خليفته ، ليكون رئيسا بعده .. فجاء بميدفيديف ، و" صنعه " على عينيه ..

كنت ككثيرين جدا في العالم ، أظن أن السيد بوتين يتحايل على الدستور الذي لا يسمح له سوى بفترتين رئاسيتين ، وأنه لعب لعبة ذكية ، تعيده إلى سدة الرئاسة من جديد ، بعد أن يتولاها ميدفيديف لفترة بسيطة ، ثم ، ولأمر ما ، يستقيل ، أو يتنازل ، أو تنتهي حياته في ظروف غامضة ، ليعود بوتين إلى الكريملين .. وقد تحدثت الأخبار تاليًا عن سيناريو من هذا النوع ، بأن ميدفيديف سيستقيل بعد فترة من حكمه ، لإجراء انتخابات رئاسية جديدة ..  

لكن بوتين ـ وكما أثبتت الوقائع في السنين السابقة ـ لم يكن في وارد ذلك .. فهو ، وإن خرج من باب الكريملين ، فقد دخله من نافذة كبرى مشرعة على كمٍّ هائل من الإنجازات العظمى التي حققها في فترتي حكمه رئيسا ، وها هو الآن يؤسس حزبا سياسيا جديدا ، يفوز بأغلبية عظمى في الانتخابات البرلمانية ، تحمله إلى كرسي الحكم ، لكن كرئيس للوزراء هذه المرة ..

ومرة ثانية ، كنت ككثيرين في العالم ، أظن أنه سرعان ما سيدب الخلاف والتنافر والتناحر بين الرجلين : ميدفيديف وبوتين ، لينقض الثاني على الأول ..

وأنه لا بد من حدوث تنازع كبير للسلطات بينهما ، يقضي على الإنجازات ، أو يعيد روسيا إلى المربع الأول ..

لقد صمد الإثنان ، كل في موقعه ، دون أن نسمع عن أي تجاوز أو تنازع أو اختلاف أو تطاول .. فخابت ظنوننا مرة أخرى ..

إن رجلا ذا إرادة صادقة ومؤمنة بقدرات شعبها ، قادرة أن تكسوَ الدجاجة المنتوفة ريشا جديدا ، وجميلا ، تسرح وتمرح ، بل " وتتغندر " فوق بساط من المرج والزهور ..

صحيح أن روسيا لم تنهض من فراغ ، وصحيح أنها تمتلك إمكانات كبرى وهائلة من الثروات .. لكنه صحيح أيضا ، أن روسيا قبل بوتين وصلت إلى حضيض مرعب ، بعد بيروسترويكا غورباتشوف .. وعاش العالم سياسة القطب الأعظمي الوحيد ، فكان العرب أكثر الخاسرين من هذه السياسة الإجرامية ..

إن روسيا الحالية هي روسيا بوتين ، وهي جمهوريته ، وإن كان ميدفيديف رئيسها .. ويحق لروسيا أن تفخر بهذا الرجل ، وهي المدينة له بما هي عليه اليوم من مكانة عالمية ، اقتصاديا وسياسيا وعلميا وعسكريا وتقنيا ، اختلف 180 درجة نحو الأفضل ..

كما ، ويحق لبوتين أن يفاخر بما قدمه لشعبه على مر السنوات السابقة ، وهو كثير جدا ، وعظيم جدا .. لكن بوتين ليس في وارد ذلك .. إنه ماض ٍفي عمله ، بصمت ، ويكاد يكون بعيدا جدا عن الأضواء التي يستحقها ، والتي يحق له الظهور تحت أشعتها .. فهو الأكثر جدارة بذلك ، وهو الوحيد ، وبلا منازع ..

لقد أبرز بوتين حنكة ودهاء وقوة وعزيمة وصبرا ، وهو القادم من المخابرات السوفييتية الشهيرة ، لكنه سرعان ما خلع معطفها الكريه ، وارتدى معطف السياسي الهادئ الدؤوب المكافح ، والرياضي المصارع ، الملتزم بقواعد اللعب واللعبة ، وبصرامةٍ قلَّ نظيرُها في تجارب كثير من بلدان العالم التي تأثرت بسقوط جدار برلين ..

ترى ؟؟

لو اغتيل بوتين ـ لا سمح الله ـ فهل ستشكل له الأمم المتحدة محكمة دولية تبحث عمن اغتاله ؟؟

ما رأيكم ؟؟!!

 

السبت ـ 20/11/2010




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !