بعد غياب قسري لثمان سنوات عن كرسي الرئاسة في الكرملين بسبب الدستور الروسي الذي لايسمح بترشح الرئيس لدورة ثالثة , يعود بوتين الى الرئاسة الروسية لاربع سنوات مقبلة . هذا الرجل المحسوب على المخابرات السوفيتية السابقة ( 59 ) سنه , صار محط اهتمام الغرب والشرق .
لقد تسلم رئاسة روسيا للاعوام 2000ـ 2008 , ومن ثم تبادل الادوار مع نائبه مدفيدف الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء اثناء رئاسة بوتين , فتسلم الرئاسة من 2008ـــ2012 , وتسلم بوتين رئاسة الوزراء خلال تلك المدة . وكل المراقبين كانوا يعتبرون بوتين هو الرئيس الفعلي لروسيا .
بدموع الفرح استهل بوتين عهده الجديد , وهو يعلن فوزه امام جماهيره , فيما كانت اصوات المعارضة تتعالى تنتقد وتحذر وتتوعد وتدعوا الى الاضراب خلال الايام المقبلة . فاز بوتين بنسبة 65% من اصوات الناخبين , الذين بلغت مشاركتهم 48% . وجاء فوزه من الدورة الاولى , وهذا بحد ذاته فوز كبير ادخل الفرحة الى نفس بوتين .
الموقف الداخلي :
ليس غريبا ان تقف المعارضة الخاسرة في الانتخابات موقفا سلبيا من النتائج , وتشكك فيها , وفي نزاهتها , وفي استغلال الفائز لموقعه في الدولة . وهذا ما ركزت عليه المعارضه , فقد وصف المعارض الشيوعي ( غينادي زوغانوف ) نتائج الانتخابات بأنها ستقود البلاد الى الخسارة بقوله " الجميع يخسر من دون استثناء " . ودعا زوغانوف الى تغيرات في الشريحة الحاكمة , وعرض المشكلات التي تواجه البلاد مثل : الازمة الديمغرافية , والفساد , وارتفاع معدلات الجريمة , وزيادة نسبة متعاطي المخدرات في روسيا . لكن زوغانوف لم يدعو انصاره للخروج الى الشارع , وكأنه رضي بنتيجة فوز بوتين , واكتفى بالتشكيك في قدرة السلطة على الوفاء بما وعدت به الناخبين , ويقصد الاصلاحات الاقتصادية التي قدر كلفتها بخمسة تريليون روبل , كما نقد بوتين لانه رفض الدخول في مناظرة علنية امام الجمهور .
اما الحراك الشعبي الذي تمثله الطبقة الوسطى , فقد شكك في نتائج الانتخابات وعدم نزاهتها , رغم وجود 685 مراقبا من 20 دولة , والذين اعلنوا انهم لم يشهدوا اية خروقات كبيرة اثناء عملية الانتخابات , ومع ذلك فقد دعى قادة الحراك الشعبي الى التظاهر خلال الايام الثلاثة المقبلة , للتعبير عن رفضهم لسلطة بوتين , وهذا الحراك هو الذي قاد التظاهرات خلال المدة ما بين الانتخابات البرلمانية ( الدوما ) التي جرت قبل اشهر قليلة وبين انتخابات الرئاسة .
وتكررت الانتقادات للانتخابات من شخص مقرب الى بوتين هو ( سيرغي ميرونوف ) فقال : " في حال عدم القيام بالاصلاحات في حقل التعليم , وفي القضايا الاجتماعية ومحاربة الفساد بشكل جدي , فان البلاد تنتظرها اوقات صعبة " .
ويبدو ان بوتين مدرك لكل هذه الاعتراضات وهذه الانتقادات , ولذلك قرر عقد لقاءات مع المعارضة خلال الاسابيع المقبلة لبحث قضايا الاصلاح السياسي على اساس مقترحات سبق ان طرحها اثناء حملته الانتخابية , منها اعادة النظر في انتخابات حكام المناطق في روسيا , وكيفية تسجيل الاحزاب .
الموقف الخارجي :
رحبت وسائل الاعلام السورية بانتخاب بوتين , فيما نقدت وسائل الاعلام السعودية هذا الفوز , ووجدت ان روسيا تسير في نفق مظلم . وسبق لوسائل الاعلام الغربية ان سلطت الاضواء على سلبيات بوتين وانه رجل ديكتاتوري . ومهما يقال عنه فهو الحاكم الذي اعاد الى روسيا دورها التاريخي في المجال الساسي , فصارت روسيا في عهده قوة كبرى يحسب لها الف حساب , وزاد من اهمية هذا الدور النمو الاقتصادي , رغم شيوع الفساد في الدولة , بسبب ارتفاع اسعار النفط , وتطوير صناعة السلاح وبيعه في الاسولق العالمية , بحيث صارت روسيا المصدر الثاني بعد الولايات المتحدة للسلاح . كما عزز السيادة الروسية , وسعي لتطوير النظام العالمي من نظام احادي القطبية تقوده الولايات المتحدة , الى نظام متعدد الاقطاب , من خلال تطوير العلاقات مع الصين , العملاق الاقتصادي والعسكري , ومع الهند الصاعدة والبرازيل وغيرها , كما نهج نحو اعادة جسور الصداقة مع الدول التي كان للاتحاد السوفيتي علاقات معها , ولذلك كان موقف روسيا والصين في مجلس الامن ازاء الازمة السورية , احدى المواقف التي عبرت عن سعي روسيا الى تعديل النظام العالمي , والحد من سطوة الولايات المتحدة في العالم . واعتقد ان بوتين يهمه كسب الرأي العام الروسي اولا , وسوف يسعى الى تحقيق مصالح روسيا القومية , وانه سوف يحسم مواقفه في ضؤ تلك المصالح . وسوف يسعى الى تعزيز العلاقات مع الاتحاد الاوروبي , للحد من نفوذ حلف الاطلسي والحد من اقترابه من الحدود الاستراتيجية لروسيا . 5/3/2012
التعليقات (0)