أكثر الجهات الكُردية التي شغلت الإعلام خلال الثورة السورية هو حزب الإتحاد الديمقراطي، و لستُ معنياً هنا بشرح الأسباب و الدخول في تفاصيل الصور التي ظهر بها، لكني أود التطرق إلى مؤتمره الأخير الذي إنعقد في القامشلي، ليس من جهة الظروف التي أحاطت بإنعقاده و القرارات التي صدرت عنه، و ليس عن الصالة الكبيرة و الفخمة التي إنعقد فيها، أو تعداد الضيوف الذي زاد على عدد مندوبي المؤتمر بعشرة أضعاف، و لكن من جهة حضور المرأة.
لقد كان حضور المرأة طاغياً في المؤتمر، و قد خُصص لها مجموعة كبيرة من المقاعد تبدأ من الصف الأول و لا تنتهي بالصف الأخير، و قد جلس عليها مجموعة كبيرة من النِساء اللواتي يُشبهن أُمي و أخواتي و كل النساء اللواتي وقعت عينيَّ عليهن في الوطن.
إضافةً إلى مقاعد أُخرى يبدو بأنها خُصصت للضيوف، تناثرت عليها بعضهن، فأضفن للقاعة الجميلة جمالاً.
و هنا تستحق الحاضرات، و كذلك الجهة التي قامت على حضورهن التحية على ذلك، و أضع الأمر برسم المجلس الوطني الكُردي و كل الجهات التي تعمل في الحقول السياسية و الثقافية و الإجتماعية و الحقوقية، و كذلك الذين حضروا المؤتمر علهم يستفيدون من ذلك في القادم من المؤتمرات.
قبل هذا المؤتمر بأيامٍ قليلة إنتشر على مواقع الإنترنت صورة إمرأة كُردية تُشبه كُل النساء اللواتي ذكرتهن آنفاً، مربوطة في الشارع العام على عمودٍ إسمنتي، في مدينة سكانها بالملايين، و هي تتعرض للشتائم من المارة، و كان هناك من يطلب منهم البصق عليها أيضاً.
مهما كان الجُرم الذي إقترفته المرأة، أو أي إنسان آخر، فهي لا تستحق إيقاع مثل هذه العقوبة البربرية عليها، و كل هذا التنكيل بها، و الإعتداء على كرامتها الإنسانية التي نصت جميع الشرائع السماوية و الوضعية على الحفاظ عليها، و كأننا في القرون الوسطى ما قبل إكتشاف العدالة التي لم يعد فيها مثل هذه العقوبات، و قبل تشريع المحاكم التي أصبحت المرجعية في الفصل بين المتنازعين و إستيفاء الحقوق، حيث لم يعد بمقدور أحد إسترداد حقوقه بنفسه، أو نصب نفسه وصياً على الآخرين للإنتقام لما يتصوره إعتداءً عليهم.
هذا الأمر يستحق مع الجهة التي تقف خلفه الإستنكار، و هو موضوع أيضاً برسم كل الجهات الكُردية التي ذكرتها، و خاصة المنظمات المعنية بشؤون المرأة التي لم نسمع لها صوتاً.
أعتذر من تلك المرأة.
الوجه الوطني لشبيح
(قصة جرت معي الأسبوع الماضي)
بعد أن إنتهيت من الترجمة له، قال لي أنه من دمشق و أصله من درعا، و أصدر عندما أتى على ذكرها إشارة غير ودية تدل على مشاعره تجاه المدينة التي كانت مهد الثورة السورية، و مهده.
ثم أضاف أن ما يجري في سوريا مجرد فبركات هدفها تدمير البلد، قلت و ماذا عن ذبح الأطفال فبدأ بسرد رواية النظام، و أمام عجزي أمامه حاولت أن أغير الموضوع، قلت و كيف هو وضعك الآن، قال: أنا أعيش مُنذُ خمسةَ عشرَ عاماً في ألمانيا، قضيت ثمانية منها مع عائلتي في غرفة صغيرة منحها لي هؤلاء الخنازير. ثم عاد إلى موضوعه ثانيةً، و أخذ يتابع حديثه عن الممانعة و العصابات المسلحة بصوت مرتفع لا فواصل فيه تسمح لي بالأندساس بين الجُمل لتسجيل إعتراضي.
لكن، و على وقع قصفه المتواصل نجحتُ في عزل نفسي، و التفكير بصوتٍ منخفض:
ـ إذا لم يجعلك العيش في أوربا لمدة خمسة عشر عاماً تُصبح إنساناً عاقلاً بالغاً راشداً يُميز بين الحقيقة و الفبركة.
ـ و إذا لم يجعلك العيش مع عائلتك لمدة ثماني سنوات في غرفة صغيرة تسترد كرامتك لتقف ضد من أجبرك على الهجرة من وطنك.
ـ و إذا لم ينجح من آواك و أحسن إليك لمدة خمسة عشرة عاماً في أن يتقي شرك.
ـ و لم يجعلك ذبح الأطفال تسترد مشاعرك الإنسانية.
فلن يؤثر فيك أي كلام أضيفه.
إذاً، لأبقى صامتاً طوال الوقت، و لتبقى أيها الثرثار قزماً طوال عمرك، فذلك أفضل لنا معاً.
أُريدُ فقط أن أذيع سراً، و هو أن السبب في تواجدنا معاً في ذات المكان إستدعائه على خلفية الكذبة الكبرى التي أطلقها أمام جهة رسمية، و إُستدعائي للقيام بالترجمة كونه لا يجيد لغة البلاد التي (لمتنا) معاً، رغم أنه يسبقني في التواجد فيها بأعوام.
الكذبة كُشفت بطريقة الصدفة من قبل أطفاله، مما يدل على أن الأمل في المستقبل حقيقةٌ لا يمكن نكرانها.
إليكم أيها الشهداء الكُرد السوريون...
إليكم أيها الشهيدات و الشهداء الكُرد من القامشلي و عفرين و كوباني الذين إرتقـوا في تلك الديار البعيدة على ذرى جودي و أشقائه و في سهول شمال كُردستان..
إليكم هناك حيث ذهبتم و أنتم بكل ذلك الطهر و البراءة و الشجاعة، كلمة و دمعة و حسرة.
أقبل من ذلك التراب تلك الحبيبات التي داست عليها أقدامكم، و فقط تلك الحفنات التي ضمت رفاتكم، و ذلك الهواء أُقدسُ منه تلك الذرات التي أختلطت بأنفاسكم، و حملت معها أرواحكم إلى السماء، و أي حجرٍ أو شجرٍ أو حبة مطر، هو إلهٌ أعبده طالما وقعت عليه عيونكم، و كان شاهداً على كلماتكم، ضحكاتكم، أحلامكم ، آمالكم و شجاعتكم، و كل كلماتي أجعلها قُرباناً كُرمى لكم.
لو كان الأمر بيدي لرفضت أن يُجرح أصبع أي واحدٍ منكم، إلا بعد أن ينتهي عشرون مليون، هم عدد من ذهبتم للدفاع عن قضية عادلة في عقر دارهم، فأحييتموهم و أنتم على مرمى أبصارهم تسقطون، مُضافاً إليهم مليونـاً آخر، هو عدد سائحيهم إلى أوربا بأسم دماءكم الزكية، حيث يأكلون فيها و يشربون، و بالحياة ينعمون.
ليتكم عُدتم هذا اليوم، و ليس كما تمنى الطاهر وطار حين كتب: الشهداء يعودون هذا الأسبوع.
ليتكم عُدتم أيها الشهداء، فقد إشتاقت لكم ثورة الكرامة.
ليتكم عُدتم فقد إشتاق لكم مشعل و شيرزاد و جوان و نصرالدين.
ليتكم عُدتم الآن، فقد إشتقنا إليكم.
إحترام الرأي الآخر
قد أختلف معك في الرأي، و لكني مستعدٌ لبذل آخر قطرة من دمي لتقول رأيك إذا كان متفقاً مع رأيي، و مستعدٌ لبذل آخر قطرة من دمك لكي لا تقول رأيك، إذا كان مختلفاً عن رأيي.
التعليقات (0)