مواضيع اليوم

بني إسرائيل واليهود في القرآن الكريم [الحلقة الثانية]

مصعب المشرّف

2010-01-13 12:07:35

0

بني إسرائيل و اليهود
في القرآن الكريم

الجزء الأول
ما بين يعقوب وموسى عليهما السلام

(الحلقة الثانية)

ملخص الحلقة الأولى:

ذكرنا في الحلقة الأولى أن القرآن الكريم قد أبان لنا وعلى نحو لايدع مجالا للشك أن اليهودية كديانة إنما جاءت مواكبة لنهوض موسى عليه السلام بالرسالة وتبشيره بها .. بل أن التوراة لم تتنزل على موسى عليه السلام إلا بعد أن أنجى الله عز وجل بني إسرائيل واليهود من فرعون مصر وعبروا البحر وأثناء عبادتهم العجل ..... أي أنه لا رابط لليهودية نهائيا بإبراهيم وإسحق ويعقوب وبني إسرائيل (الأسباط) الذين كانوا في حقيقة الأمر على دين إبراهيم وهو الإسلام بمعنى الحنيفية السمحاء ..... ولأجل ذلك يقول عز وجل : "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كانوا هــودا أو نصارى" البقرة (140).
.................
وأما موسى عليه السلام والأسباط فليس هناك نص قرآني على أنه يهودي ... وبالتالي يكون موسى عليه السلام نفسه وبالتيعية مسلم من (بني إسرائيل) ولا يجوز أن نطلق عليه مسمى (يهودي) وذلك لسبب بسيط هو أن الدين عند الله الإسلام وليس اليهودية والنصرانية بأية حال من الأحوال والثابت في الأثر الصحيح أن موسى عليه السلام قد أسلم وطلب من الله عز وجل أن يكتبه في زمرة أتباع سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ....
وإتساقا مع هذا النسق جاء في الآية رقم (133) من سورة البقرة : (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون) .... وقيل في التفسير إنه دين الإسلام الذي بعث الله به الأنبياء جميعا عليهم السلام وعلى رسولنا أفضل الصلاة والسلام.
وقد أخذ بعض العقلاء من هذه الآية معاني أخرى تتعلق بصلة الرحم وتقديس أواصر الدم وهي أن الجد أب والعم أب . وقد حرص القرآن أكثر فقدم العم (إسماعيل) على الوالد (إسحاق) والجد المباشر هنا في آل إسرائيل ، ولأنه هو الأكبر من أولاد إبراهيم من جهة أخرى.

وفي نص الآية رقم (62) من سورة البقرة ما يشفي غليل كل باحث عن الفرق بين مسمى (بني إسرائيل) و (اليهود) ..... حيث يقول المولى عز وجل : "إن الذين آمنوا والذين هــادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"
إن النص على هؤلاء بأنهم (هــادوا) هو على وزن (فعلوا) ... أي بمعنى أن اليهودية هنا (إختيار) وليس عرق أو أصل ونسب..... ومن ثم فاليهودي على العكس من (بني إسرائيل) قد يكون عربيا وفارسيا وروميا وحبشيا ومغربيا وألمانيا وتركيا وروسيا ..... وهكذا دواليك..... ومن هنا يتضح أنه لا يعني أن تكون (ساميا) لمجرد أنك يهودي.
والآيات الدالة على التفريق بين اليهود وبين بني إسرائيل عديدة ... فمنها كذلك قوله عز وجل في الآية رقم (83) من سورة البقرة التي خاطب الله عز وجل في الآيات السابقة لها اليهود بوصفهم (قوم موسى) كما خاطب أهل قرى سدوم من قـبله بوصفهم (قوم لوط) رغم أن لوط لا ينتمي إليهم من الناحية العرقية وإنما كان متزوجا منهم فحسب مما يدل على أن مخاطبة اليهود بقوم موسى لا تعني أنه ينتمي إليهم عرقيا .... لقد جاءت الآية رقم (83) المشار إليها تخاطب اليهود إذن بالقول: "وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون)
لاحظ هنا أن صدر الآية يذكر المخاطببين (قوم موسى) بأن الله عز وجل قد أخذ ميثاق بني إسرائيل ..... ثم وفي آخر الآية يخاطب الله عز وجل اليهود مباشرة بقوله : (ثم توليتم إلا قليلا منكم) ..... وبمعنى أوضح أنه فرق هنا بين بني إسرائيل وبين اليهود بشكل واضح .. أي كأنه يقول لهم "ثم توليتم" (أنتم) أيها اليهود إلا قليلا منكم.
كذلك تقول الآية رقم (135) من سورة البقرة : (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) .... وهو ما بعزز أن اليهودية إنما هي كالنصرانية وكذلك الإسلام ديانات يكتسب من يتبعها مسماها فيقال يهودي ونصراني ومسلم .... وطالما أن بإمكان الفرد أن (يكون) يهوديا فلا معنى للزعم بأن اليهودي هو بالضرورة من نسل بني إسرائيل لأن الإنسان لا يختار أهله وعرقه.
ثم يقول الله عز وجل في الآية رقم (65) من سورة آل عمران : (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون) ... والمعروف أن بني إسرائيل بإمكانهم أن يحتجوا بأن إبراهيم عليه السلام جدهم ... ولكن الله عز وجل هنا يقطع الطريق على أهل الكتاب من يهود ونصارى وليس على بني إسرائيل في مسألة الاحتجاج بإبراهيم عليه السلام (مطلقا) سواء أشمل ذلك النسب أو الإتباع الديني ... فلو كانت اليهود هم بالضرورة بني إسرائيل لما جاء نفي التبعية لإبراهيم عليه السلام هنا على هذا الوجه من التعميم القاطع المطلق.
ولأجل ذلك تجد أن القرآن الكريم حين يتطرق إلى سيرة موسى عليه السلام يتحدث تارة عن (أتباعه اليهود) وتارة عن (بني إسرائيل) وتارة أخرى عن (قوم موسى).
كذلك قابل القرآن الكريم بين اليهود والنصارى ولم يقابل بين بني إسرائيل والنصارى مما يعزز أن اليهودية إنما هي محض ديانة كالنصرانية أتباعها ينحدرون من شعوب وقبائل وجهات شتى .... وفي ذلك يقول المولى عز وجل : "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء " – 113 سورة البقرة.
إن هذا النفي لانتساب اليهود إلى إسرائيل عليه السلام إنما يحمل معه قطعا نفي انتساب اليهود على علاتهم إلى إبراهيم عليه السلام وكذلك سام بن نوح وحيث لا يحق سوى لبني إسرائيل وحدهم الإدعاء بإنتسابهم إلى إبراهيم الخليل عرقيا وكذلك سام بن نوح عليه السلام إذن.
كذلك وهو الأهم وقبل أن يفيد ذلك بأن انتماء اليهود لسام بن نوح هو محض هراء فإنه ينفي إدعاء اليهود بأن لهم حق تاريخي في أرض فلسطين.
وهو ما يعزز من جانب آخر أن اليهود ليسوا شعبا واحدا ينحدر من عرق واحد بل هم في حقيقة الأمر أخلاط وشذاذ آفاق فيهم من كل جنس مجموعة ومن كل لون فصيلة ينتمي بعضهم إلى سام وبعضهم كالفلاشا إلى حام والبعض الآخر إلى يافث أبناء نوح بعد الطوفان.
وهو أيضا ما ينفي إدعاء اليهود بأنهم شعب الله المختار أو أن الله قد فضلهم على العالمين لأن التفضيل إنما كان (لبني إسرائيل) .... والتفضيل لبني إسرائيل الذي جاء في قوله عز وجل: "يا بني إسرائيل أذكروا نعمتي التي انعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين" 47 البقرة. إنما هو تفضيل لهم على غيرهم في زمانهم ليس إلا بأن بعث فيهم موسى عليه السلام لينقذهم من براثن فرعون ويخرجهم من العبودية إلى الحرية. وبأن جعل من نسلهم الكثير من الأنبياء والصالحين. وهو تفضيل خاص لكل من ينتمي نسبا ليعقوب عليه السلام (بني إسرائيل) ولا يتعداه إلى غيرهم من أخلاط اليهود.......
ووفقا لذلك ومصداقا لقول الله عز وجل ؛ فإننا نحن المسلمون قد ورثنا هذا الشرف وسنظل نلتحف به إلى ما بعد قيام الساعة وذلك في قوله عز وجل : "كنتم خير أمة أخرجت للناس" ...... أي أن الخير هنا شمل جميع أتباع الديانة الإسلامية على مختلف أعراقهم وألوانهم عربا كانوا أو عجم من شنغهاي شرقا إلى الدار البيضاء غربا . وبالتالي فإن المقارنة هنا تكون بين عموم التفضيل لأمة الإسلام من جهة ، وخصوصية واقتصار التفضيل على (بني إسرائيل) نسبا دون عامة اليهود من جهة أخرى . وهو ما يعني أن التفضيل لأمة الإسلام يشمل كافة الأمة الإسلامية دون اشتراط النسب.
وأما الاصطفاء فقد حدده القرآن الكريم تحديدا قاطعا لا لبس فيه وذلك إنما كان لأفراد وآل حددهم الله عز وجل في سورة آل عمران عند قوله "إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين".

وعلى اية حال فإنه حتى من كان من نسل بني إسرائيل في مصر فإن الله عز وجل وبنص القرآن الكريم لا يبرئهم جميعهم من النقائص وذلك حين يقول في محكم تنزيله: "وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين" (112) "وباركنا عليه وعلى إسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين" (113) الصافات.

خلاصة القول إذن إن هناك اختلاف كبير وشاسع بين (بني إسرائيل) و (اليهود) ... فبني إسرائيل هم ابناء إسرائيل (يعقوب) . أما اليهود فهم عامة من آمن بموسى عليه السلام وخرجوا معه أو لم يخرجوا من مصر ... وهم على هذا النحو أي اليهود إنما خليط من كافة الأجناس التي كانت تسكن مصر في زمان موسى عليه السلام بالإضافة إلى من اعتنق اليهودية لاحقا ولا يزال حتى تاريخه من شعوب أخرى في الجزيرة العربية وأفريقيا وآسيا وأوروبا والعالم الجديد أجمعين.
وأما الذين آمنوا برسالة موسى في مصر (من غير بني إسرائيل) فقد كان أكثرهم من طبقة المستعبدين والمغبونين والرقيق ومن كان يرزح تحت نظام السخرة الذي كان شائعا في مصر الفرعونية فكان العامل يساق بين فترة وأخرى للعمل في مزارع الفرعون أو بناء الأهرام والقصور والمعابد والطرق وغيرها دون أجر سوى قليل من طعام يسد الرمق ....
وبالطبع فإن هذا لا يقدح في رسالة الأنبياء لأنه وبالفعل تجد أغلب من يتبعهم ويؤمن برسالتهم إنما هم الضعفاء والمظلومين والمغبونين الذين يلتمسون في الرسالة السماوية الحق والعدل ورفع الظلم والمساواة بين كافة البشر. وبالمقابل تجد ألد أعدائهم ومن يكفر بهم إنما هم الأثرياء الذين يخافون على ضياع ثرواتهم التي جمعوها من عرق الناس وجعلت منهم السادة ولو إلى حين .. وكذلك الظالم من الملوك والحكام.

(يتبع حلقة 3 إنشاء الله)

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات