من إفرازات وتبعات ما يسمّى بعولمة الإقتصاد على عديد اقتصاديّات البلدان العربية النّشطة صناعيا ،
الّتي لا تعتمد كلّيا على ثروة البترول الموجودة في باطن أراضيها وبحارها ، أن صناعتها تضرّرت وأغلقت عديد المصانع وسرّح آلاف العمّال والعاملات تبعا لذلك ،
فأنا كصناعي نشيط في الحركة الصناعية والتّجارية وكمطّلع على ما جرى وما زال يجري ،
أشير إلى أنهّ منذ حوالي عشر سنوات ،
بدأ انفتاح محتشم على البلدان الآسياوية المعروفة برخص بضائعها وموادها الأولية لعديد الصناعات المختلفة وكالأقمشة والجلود الصناعية التركيبية ،
والإكسسوارات وغيرها ممّا لا يدخل تحت حصر ،
إلى جانب الآلات المختلفة ،
كانت الأمور في البداية غير مؤثرة ،
على الإقتصاديات الدّاخلية للبلدان العربية ، لكن بعد ذلك ، بدأت البضائع المصنّعة كلّيا في بلدان آسيا كالصّين ،
وتايوان ،
وكوريا ،
تغزو الأسواق والمحلات التّجارية ،
إلى جانب السّوق الموازية التي تنتصب على قارعة الطّريق ، والّتي تبيع كلّ شيء من السّاعة إلى الترنزيستور إلى الإبر ،
إلى أواني البلاستيك والمعدن ،
إلى النظارات ،
إلى لعب الأطفال ،
لم يسلم أي ميدان صناعي ،
فبدأت المصانع تغلق ، وتتحوّل إلى محلاّت تجارية ضخمة لتسويق تلكم البضائع الصّينية إلى جانب بعض البضائع المحلّية، فتجد ساعات توضع على المناضد سعرها أقلّ من سعر البطّارية من النّوع الجيّد ،
وغيرها مما أسلفنا والمثير للسّخرية أنّ أحد المزوّدين التّايوانيين لي بمواد أوّلية لصنعها في مصنعي الصّغير وقتها ــ قبل أن أحوّل نشاطي لميدان آخر لاحقا ــ
اتّصل بي يسأل عن عدم تجديد طلبيّة من عنده ، فأجبته ،
إنّ البضاعة الّتي كنت أنتجها ،
الأسواق عندنا ملآنة بها بثلث أسعاري ، فلم أقدر على مواجهة ذاك التّسونامي ــ
فأنتم أغرقتم أسواقنا بالمنتوج الجاهز ، وتريدون أن تبيعوا لنا موادها الأوّلية أيضا ،
لقد انتهى الأمر وأغلقت المصنع ،
وقلت له أيضا ، أنتم تريدون التغدّي بالدّنيا ، والتسحّر بالاخرة ،
ههه ،
لذا هذه المشكلة لم يجد لها أحد حلاّ ، حيث أنّ اليد العاملة عندهم لا تصل تكلفتها إلى ربع ما عندنا ،
فرفعنا الرّاية البيضاء ..
لكن المصيبة العظمى أنّهم الآن دخلوا في خصوصيات البلدان العربية وأعني به منتوجات التّراث والصّناعات التّقليدية ،
المختلفة ، ومما زاد الطّين بلّة ، أن بعض التّجار النّهمين العرب، يحملون معهم أحسن النّماذج ، وآخر ما يبتكره الحرفيون المحلّيون ليقدّموها للصّناعيين في الصّين ليقلّدوها من أجلهم ،
بخامات مغشوشة ،
لتوفيرها بأسعار متدنّية وترويجها في أسواقنا المحليّة ،
على سبيل المثال قلّدوا الصّحون المنقوشة ،
والإطارات القرآنية ،
والفوانيس من شتّى البلدان العربيّة ،
فتضرّر الحرفيون أيضا ،
ولم يسلم من ذاك التّسونامي الأصفر ،
سوى الأطباء ،
والقطاع الصّحي بصفة عامة ،
إلى جانب الحلاّقين ،
والميكانيكين
وغيرها من الخدمات
الّتي لا يمكن توريدها
هناك من فكّر فقال لم يبق إلاّ أن يصّدروا لنا بناتهم ليشتغلوا عندنا ،
لكن يتوجّب توفير محلاّت سكنى لهنّ ،
ودفع الأداءات المعلومة ،
مماّ يدعو لصرف النّظر عن تلك الفكرة ،
فما هو الحلّ لمواجهة هذا التّسونامي الإقتصادي العجيب ؟؟
أخوكم رضا التّونسي ...
التعليقات (0)