بينما يبحث بنكيران مشكورا عن حل لمشاكلنا الكبرى، نغرق نحن في مشاكلنا الصغرى، فأنا العامي اللاهث خلف لقمة خبز لا أعي معنى التوازنات الماكر واقتصادية التي تحدث الرجل عنها، و لا المصالح الوطنية الكبرى ( حينما سئل عن سبب عزل العثماني من وزارة الخارجية) و لا عن الإصلاح بالتدريج بشراكة مع حفنة فاسدين و فاشلين، بل أعي أن أسعارا ارتفعت و بطالة تفشت و أمنا قل و ظواهر اجتماعية باتت تطفو على السطح لم نسمع بها من قبل: تشرميل و انتحار و اغتصاب و قتل الأقارب….
منذ توليه منصب رئاسة الحكومة، و أنا أريد إقناع نفسي أن الرجل يريد أن يفعل شيئا لنا و للوطن، أن الرجل يحمل وعودا يريدها أن تتحقق، بمرور الوقت أفلت حظوظ التصديق، تبخرت الوعود، أرى رجلا يتخبط و وزراؤه في حرب غوغائية ضد المعارضة و الصحف و الإعلام بلغت حد الإسفاف و الانحدار الأخلاقي ( تتناقل مواقع التواصل و الصحف الكترونية عراك برلماني معارض مع وزير معروف بلغ حد الشتم بكلمات نابية) و يتحكم في منصب بلا صلاحيات كما يبدو، فهو المقتدر المفوض، أرى رجلا بلا حضور داخليا لا يدشن و لا يزور و لا يترأس، بلا حضور خارجيا مرت أزمة تقرير الأمم المتحدة الأخير حول الصحراء و لم نسمع بأن رئيس الحكومة هاتف بانكيمون أو عواصم الدول النافذة ، أرى رجلا يؤجل حروبه كما وعد ضد الفساد، بل من أجل الإصلاح المدرج الذي يمني به النفس تحالف مع أعداء الأمس، تحالف جعله يسلم وزارات سيادية و أخرى حساسة لحزب الضرورة و أخرى يعيد التصرف فيها للملك.
نكص الرجل بحكومته الثانية الفضفاضة عن ما قاله في أول تكليفه حين تحدث عن حكومة مصغرة، فكيف هي حكومته الآن؟ حكومة إرضاء، حكومة تشمل وزراء بأدوار متداخلة و مسميات متشاكلة ( مثلا كلمة الاقتصاد مكررة في ثلاث وزارات: وزارة الاقتصاد و المالية و وزارة تخص الاقتصاد الاجتماعي التضامني و وزارة تخص الاقتصاد الرقمي، كلمة التضامن و الاجتماعي مكررة في وزارتين : وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية و وزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تداخل في الاختصاصات بين وزارتي التعمير و وزارة السكنى، إضافة على ذلك وزراء منتدبون لكل وزارة لتصبح كل حقيبة وزارية بوزيرين، و حين سأل أجاب بأنه اقتراح من مزوار وزير الخارجية الحالي و وزير المالية السابق و الذي اتهمه أعضاء من حزب بنكيران بالتورط في ملفات فساد و طالبوا بإحالة ملفه للقضاء). أتساءل كيف لي أن أصدق الرجل حين تحدث عن التقشف و هو يستوزر هذا الكم الهائل من الوزراء ؟ كيف لي أن استمع لكلامه عن صندوق المقاصة و صندوق التقاعد و ضرورة التضحية من أجل إصلاحهما لأنهما أثقلا كاهل ميزانية الدولة؟ كيف لي أن أصدق أن وضعنا المالي مزري في حين شركات كبرى و اقتصاد و استثمارات كبرى تنمو في المغرب و خارجه لتصل دولا افريقية؟
بنكيران، رغم ما تقر به الوقائع، أتمنى أن ينتفض الأمل، أن تنجح وسط إكراهاتك التي تتحدث عنها، أن تكون مقنعا في تجربتك الإصلاحية البطيئة، و هذا ما يمكن أن توصف به، فسنتان مرتا دون أن يظهر ثمر ما تسميه إصلاحا و سط كل هذا الفشل لا يعني بعين الرضا إلا أنك تقوم بعملية إصلاح بطيئة جدا جدا.
ماءالعينين بوية من المغرب
التعليقات (0)