بنت الساقية
في إجازة فصل الربيع أتوجه للبادية، لأستريح من صخب السيارات و الدراجات و الآلات المحيطة بنا في المدينة.و قد كان أجمل شيء لدي هو الجلوس تحت شجرة زيتون كبيرة لكي أحمي جسمي بظلها و أشنف آذاني بزقزقة عصافيرها .لكن ذات يوم وأنا مستلق تحتها سمعت أصواتا رقيقة تقترب ،استرقت السمع ثم بدأت الأصوات تبتعد فاسترقت النظر لأرى من المارة ،رأيت ثلاث شابات جميلات يحملن قللا ويتوجهن شمالا، فتبعتهن لأعرف أين يذهبن ، كنت اتبعهن خطوة بخطوة حتى وصلن إلى ساقية وحيدة في مكان نائي ،بدأت أصوات الشابات تتعالى بالضحك و المزاح و هن يملئن" القلل" من الساقية .فجأة شممت رائحة قوية كرائحة الياسمين و سمعت همسات في أذني تقول "من فضلك هل بإمكانك أن تملاْ لي القلة بالماء لأنني لا أستطيع الوصول إلى الساقية ؟" و بدون تردد قلت نعم بكل فرح . ثم استدرت لاْخد القلة منها , نظرت إلى عينيها , عجزت عن الكلام أو الحراك فقد انبهرت بجمالها و فتنتها . فابتسمت و هي تناولني القلة و تقول "شكرا". و كانت هده أحلى و أرق كلمة شكر أسمعها, أمسكت القلة منها وأنا أحاول لمس يدها فسحبت يدها بسرعة لأنها خجولة. وضعت القلة تحت صنبور الساقية و رحت أنظر إليها و تمنيت ألا تمتلئ القلة بسرعة . و دققت النظر فيها و في عينيها فطأطأت رأسها و بدأت تنظر إلى الأرض . و لما تذكرت القلة وجدتها قد امتلأت و الماء يفيض على جوانبها الطينية فحملتها و رفضت أن أسلمها لها , و أسررت على أن أوصلها و هذا كله لاْنتهز الفرصة للتحدث إليها , لكنها رفضت بشدة لأنها تخاف من أبيها و إخوتها . فاستسلمت لرغبتها لأنني لا أريدها أن تتأذى, و عدت إلى ظل زيتونتي المفضلة. و منذ ذلك الحين بقيت ملامحها في مخيلتي , و صرت أذهب كل يوم إلى الساقية لأراها , لكنها لم تعد أبدا , و بما أنني لم أعرف اسمها فقد لقبتها ب " بنت الساقية " . فأصبحت كالتائه لا أستطيع السؤال عنها لأنني لا أعلم ما هو اسمها و لا لقب عائلتها , بقيت على تلك الحال حتى انتهت مدة إجازتي و عدت إلى المدينة ....
عبدالحق حباب
كاتب
التعليقات (0)