عندما يسكنك القهر وتبكي نفسك من ظلم الغير تخرج أدمعك حارةً محرقةً لا يمسحها إلا النظر لبعيد.. بحثاً عن عدالة السماء ورفقها يوم تغيب عدالة الارض ورحمة أهلها... رأيتها في غرفتها صامتة وأنفاسها تتحشرج ألماً وأسىً فقد استبدلت البكاء بصمت الأموات ليبكينا .. ليسألنا الرحمة بها إن لم يسمعنا نحيب قلبها الحي بيننا.. ماذا أقول لها !! فالخصمان قلب وعين !! فتلك امي الطيبة ببساطة أهل القرى وقلبهم الحاني وسذاجة بعض منطقهم القائم على النظرة الجاهلة و القاصرة للبنت والولد..فمن شدةٍ شهدنها منها جميعنا في فترة الطفولة إلى تحليق لإخوتي الأولاد بعيداً عن سيطرتها ما إن كبروا قليلاً وزاد القيد على اختي بل تعمق أكثر..
وعلى الرغم أن لأميأكثر من خمسين عاماً تسكن المدينة إلا أن نظرتها لبنتها لم تتغير فمن تكليف بأعمال البيت منذ صغرها يتخلله قسوةً في المعاملة وشدةً في الكلمات قاتلة لا يخفف عنه إلا وجود أبي الحاني والمسيطر في البيت ولطفه معها وأسلوبه الراقي في التعامل مع اختي الصغيرة وقبلها أختي الكبيرة التي تركتنا بعد زواجها وقد عانت الأمرين هي الأخرى من أمي من قبل..حتى نحن الأولاد على الرغم من تعلمنا وثقافتنا ونشأتنا في المدينة كانت تأتينالحظات قسوة مع اختنا نعللها بخوفنا عليها منذ كانت في الخامسة من عمرها !! غيرةٌ أخوية مما يحيط بنا وتوجساً مما حولنا بأسلوب ساذج لا مبرر له إلا أوهامنا وحماقة بيئتنا يتحول إلى بطش وشدة على هذه البريئة ولولا خوفنا من والدنا ومعرفتنا بشدته وحزمه إذا وجد منا ظلماً على اختنا لكنا تمادينا ..
فظلت هيبة أبيوسيطرته الكاملة على البيت المعادلة المرجحة لكفة التوازن والعدل والإنضباط بيننا.. ومع حواراته معنا الثقافية والأدبية والدينية إزددنا ثقةً بأنفسنا جميعاً حتى هي بل كانت أكثر منا ذكاءً وتلقياً وفهماً بأدب ودين وثقةً وذات حسٍ مرهفٍ..ما استغربت له من الأمر كيف أخذنا كل جميل من أبينا من خلق رفيع وتربية حسنة وحسن معاملة يشهد بها كل حينا - ولله الحمد- رغم عددنا الكبير ولم نأخذ منه أسلوبه الراقي والعاقل مع اختينا ونظرته الحانية ومعاملته الخاصة لهن إلا بعد فترة طويلة !!
لا زلت لا اعرف ما أقوله لها !! وكيف أعلل تصرفات أمي معها فقد أخبرتها مراراً أن أمي إنسانة بسيطة غير متعلمة تترجم حبها لها حسب إعتقادها ونظرتها ومفهومها لمعنى ( بنت ) وتظن انها بهذا تحسن لها او كما تقول لها عادة ( سيأتي يوم تقولين أمي أحسنت تربيتي وتقولي الله يرحمك يا أماه ) – حفظها الله - وتؤمن انه بذلك تهيأها لبيت الزوجية حتى لا تكن مثل كثير من البنات الكسولات أو المدلعات اللاتي لا يعرفن في تنظيف البيت أو أعمال المطبخ.. هذا جل تفكير أمي بكل بساطته وبساطتها فلو فهمتيها لارتحتي وما اتعبتي نفسك بكل هذا الهم والتفكير والحزن فأجابتني :
( لو كان الأمر تنظيفاً وطبخاً لهانت رغم شدة وقسوة كلماتها وأسلوبها..ولكنها لا تشعر بي كإبنة لها بينما تراها قمة في الطيبة والترحيب ببنات الجيران والمعارف والأهل وتتودد لهن..فهل هناك قهراً بعد هذا !! وهل هناك ظلم يوازيه !! ومن تحتاج البنت في سني غير أمها وحنانها وقربها منها.. هل هؤلاء البنات أولى بقربها مني !! هذا ما يبكيني.. وهذه مأساتي.. وستظل هي أمي الحبيبة.. وتظل بنت الدار عوراء ) .
التعليقات (0)