مواضيع اليوم

بنا قانون بالبلد" 2

د.هايل نصر

2010-01-20 21:56:34

0

"بنا قانون بالبلد" 2
طرح المتنورون من الفلسطينيين شعار "بنا قانون بالبلد". أعجبنا الشعار وخصصنا له مقالا سابقا لأننا رأينا فيه توجها جديدا وغير مسبوق في النضال في منطقتنا. نضال هادف بأبعاد حضارية ورؤى مسؤولة ومستقبلية, لا يلغي غيره من أوجه النضال المشروعة, وإنما على العكس يسندها بمضمون وشكل القانون.
وعلمنا بأنه خرج عن مجرد كونه شعار كالشعارات العربية المدوية في الفراغ ليتحول إلى مبادرة قام بها المخلصون المتميزون من الفلسطينيين بإشراف جمعية الحارس للديمقراطية والإعلام. مبادرة تتحول لمشروع بناء. بناء في الإنسان واستثمار فيه, ليصبح جديرا ببناء دولة قادمة يؤمن الفلسطينيون جمعيا بحتمية قدومها, وجديرا بان يكون مواطنا كامل المواطنية فيها.
رأينا في هذا المشروع,البداية, وكأنه بداية انتفاضة. ويعلم الشرفاء من الفلسطينيين متى ينتفضون وكيف. ألم يدخلوا هذه الكلمة في كل قواميس اللغات؟. ليست هذه المرة انتفاضة حجارة قهرت العدو وأذلته وخزته في كل أرجاء المعمورة ــ وليست هذه الأخيرة غير قابلة للعودة ــ وإنما انتفاضة من نوع آخر, و طبيعة أخرى لا تدخل القواميس مرفقة بكلمة الحجارة, وإنما بكلمات الحق والعدالة والمشروعية وسيادة القانون والمؤسسات. انتفاضة لا تظهر صارخة لأنها طويلة المدى ومستمرة تطمح لبناء الإنسان المواطن من الطفولة, وفي كل مراحل عمره.
حين كانت الشعوب العربية تكافح الاستعمار من اجل استقلالها لم تكن في الوقت نفسه تقيم اعتبارات لمفهوم القانون والدولة التي ستقوم بعد الاستقلال. ولم تفكر كثيرا بالنظام السياسي القادم وطبيعته. تركت ذلك للمستقبل وللصدف والمكتوب. ونحن في غالبيتنا من جماعة المكتوب. المكتوب الذي يكتبه الغير لنا ونروض النفوس على انه من كتابة الله وتقديره.
النضال المسلح, رغم جسامة التضحيات وفداحتها, يتميز بسهولة التعبئة وسرعة ظهور النتائج. لأنه يخاطب العواطف المتأججة, و الروح الوطنية المتقدة, و إرادة الاستقلال والتحرر وهي في أوجها, والهدف أمامه واضح وغير منازع فيه تقريبا.
هذا النضال لم يرافقه نضال من اجل بناء دولة وأنظمة حكم. ولم يكن ذلك في وارد احد تقريبا في تلك المرحلة. والعكس فان مجرد التفكير به والسعي إليه كان يعتبر إعاقة للهدف الأساسي وهو الاستقلال. ونرى فيه عذرا كبيرا لأجدادنا المناضلين متمثل في طبيعة المرحلة والظروف السائدة حينها.
نتائج إهمال مثل هذا النضال من قبل أولئك المحررين أوصل دولنا إلى ما هي عليه الآن ويسر خطفها لاحقا لتصبح دويلات للخاطفين من ولاتها دون غيرهم.
رأينا في تجارب الآخرين في بناء دولهم احترام التاريخ ومسيرته, وعدم التنكر لتجاربه, وعدم القطع معه, بترا. كما رأينا عدم الوقوف, سكونا وخشوعا, على أعتابه. كان الصالح من التجارب يُستلهم ويبنى عليه بناء تطويريا وإبداعيا في الوقت نفسه. لم يتعارض الموروث مع الحداثة. فالذهنية العملية والعلمية استوعبت كاملا العلاقة بينهما في إطار الزمان والمكان. واستمرت الحضارة الغربية, الأوروبية بشكل خاص, ولم يضرها وصفها بالعجوز لأنها متجددة الشباب, وفي أوجه, بما تخلق وتبتكر في كيل الميادين. وقد قدمنا القضاء الفرنسي كمثال على ذلك من ضمن أمثلة عديدة تحت عنوان "من تجارب الآخرين في بناء دولة القانون".
قد يرى البعض في وصف مشروع الأخوة الفلسطينيين في العمل على نشر ثقافة القانون بالطرق العملية ـ في غياب الايجابي من التجارب في تاريخينا ــ والبدء بأجيال المستقبل, محددين المرحلة العمرية بين 14 و 15 سنة كنقطة انطلاق, على انه وصف مبالغ فيه, لأنه لا يزال في مرحلة أولى, وبرامج غير مكتملة, وفي منطقة محدودة, و لم يظهر منها أي شيء يدل على أنها انتفاضة من اجل التغيير والبناء. قد يكون في هذا بعض منطق, أو لنقل فيه منطق المستعجلين.
ولكن مجرد التفكير بمثل هذا المشروع, ومحاولة تجسيده واقعيا, والعمل الصادق من اجله, وإدراك إنه حان الوقت للبدء في بناء إنساننا المهمل, المعتبر جزءا من كم يساق ويهش ممن يملك العصا الغليظة بأنواعها, عصا السلطة الغاشمة التي لا تقيم وزنا لحقوقه وكرامته واحتياجاته .. أو عصا من نصّبوا أنفسهم بأنفسهم على رأس الإرشاد والتوجيه ومحاسبة الآخرين على الفعل والتفكير غير المتجانس مع أفعالهم وتفكيرهم و"قوانينهم". ورسم مسيرة حياتهم من المهد إلى اللحد وما بعده. وتكريس البالي والمتخلف من العادات والتقاليد, كالثأر, والانتقام, والتعصب للقبيلة والعشيرة, وإعلاء قيمها وعاداتها على القانون وحقوق المواطنة.
مجرد التفكير في ذلك والعمل, حسب الإمكانيات من اجله, يمكن اعتباره بداية انتفاضة ــ انتفاضة الحجارة بدأت بضربة الحجر الأول للتتابع الحجارة غزيرة كالمطر, قبل أن يتم حرف مسارها من المتخصصين بحرف المسارات واستغلال الانتفاضات ــ بداية انتفاضة قد يتم الانحراف بها أو إجهاضها, ولكنها طرحت الفكرة وعملت وتعمل من اجلها. فكرة إذا دخلت عقل الإنسان المواطن وتكوينه لا يمكن عندها حرف مسارها. وتجارب الشعوب, غير العربية, دليل قاطع على ذلك.
أليس العمل على التغيير في مجال الإنسان والمجتمع بطريق نشر ثقافة القانون وقيمه لبناء دولة القانون والحق والمؤسسات وحقوق الإنسان, بدءا من البداية, من الأطفال أجيال المستقبل ــ بعد أن خاب الرجاء بأجيالنا نحن وما تركته وستتركه من ارث ثقيل وغير مشرف للأجيال القادمة ــ هو بداية انتفاضة, ويحمل الكثير من مقومات الانتفاضة؟
أليس من الانتفاضة:
ـ فهم الواقع المتخلف المتردي والانقلاب عليه وعلى ما فيه من مخلفات متراكمة من عصور, ومفاهيم متجذرة لا تصلح لزمننا وقيمه, ولا للسليم من قيمنا؟.
ـ الانقلاب على ثقافة الخنوع والقبول بالأمر الواقع والاستسلام له. وإحلال ثقافة القانون وروح واليات الديمقراطية محلها؟.
ـ القول باحترام الدستور الذي ينظم العلاقات بين السلطات ويحدد مهامها. والنزول على أحكام القوانين التي تنظم علاقات الأفراد بالدولة والإدارة, وعلاقات المواطنين فيما بينهم, والخضوع لها وحدها دون غيرها؟.
ـ القول, والإلحاح في القول, على أن المواطن هو صاحب السيادة, وهو مصدر السلطات. وان الحاكم منتخب للقيام بمهام يحددها له الدستور والقانون ويحاسب على مخالفتها. وألف لا للحاكم الذي يأخذ في الحكم تابيدة.؟.
ـ القول لهؤلاء كفي. لا صفة لكم ولا مشروعية. وليس بطرقكم ومفاهيمكم تُبنى الدولة, ولن تصل معكم وبكم إلى مصاف الدول.
ـ القول لا لاستنساخ الإنسان على صورة من سبقه من أجيال الهزيمة. الهزيمة في الحروب, والهزيمة أمام تحديات النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي ؟.
ـ الخروج عن أساليب التلقين والتدجين والتهجين في التربية والتعليم. وعن المناهج المؤدلجة والمحنطة والموجهة. الخروج للواقع والاحتكاك به ومعالجته حسب مقتضياته و بمفاهيمه, وإجراء التجارب في عين المكان؟. أليست جامعاتنا, على سبيل المثال, وهي قمة التعليم لدينا, خارج كل معايير التقييم والتصنيف في سلم التصنيف العالمي للجامعات؟.
ـ القول لا للتبعية لثقافة القبيلة والعشيرة والطائفة والأحزاب, التي لم تسم يوما إلى درجة الأحزاب فبقيت تحزبا وولاءات وأدوات تكريس للواقع المتخلف. القول لا للثأر والانتقام. لا للوأد الحديث للنساء.
ـ القول لا للفساد والمفسدين وللرشاوى والمرتشين؟.
ـ القول نعم لدولة القانون والديمقراطية والمؤسسات التي تعلو على الأصنام والوجاهت وكل أشكال المحسوبيات ؟.
تحديات ندرك أنها فوق طاقة المبادرين وحدهم بمشروعهم المذكور. ولكن بداية الانتفاضة فكرة ومبادرة وإرادة.
وعندها, وبها يمكن أن يدخل "القانون البلد".
د. هايل نصر.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات