مواضيع اليوم

بناء القضاة. 3

د.هايل نصر

2010-03-03 22:18:51

0


من تجارب الآخرين في بناء دولة القانون 3
كثيرا ما اعتدنا على سماع عبارات ومقولات كبيرة ــ وهي كبيرة فعلا في معانيها ومقاصدها عند الآخرين ولها تاريخ, كما لها مآل, وعليها آمال ــ نسمعها تتصدر, كل الخطابات العربية, فصيحها, والأقل فصاحة, أو تلك المتلجلجة على السنة من لم يهبهم الله نعمة الفصاحة فما أفصحوا ولا كتموا.
عبارات موجهة للهواء وضائعة فيه. مثل: دولة القانون والحق. التصحيح والإصلاح. البناء والتنمية. الأصالة والحداثة. الديمقراطية والمؤسسات. حقوق الإنسان والحريات. العدالة والقضاء...
وقليلا ما قرانا معانيها الدقيقة مجسدة في لغتنا العربية, ( باستثناء القواميس المترجمة إليها حرفيا عن غيرها). لتبقى في حقيقتها عبارات وجمل مبتورة, وشعارات تصلح للمناسبات, والهتاف, وللغناء, وللمسلسلات والتمثيل, ومنه بطبيعة الحال التمثيل السياسي بأنواعه. بعيدة على أن ترقى لنصوص قابلة لدخول الفكر السياسي, أو القانوني, أو الأدبي الرفيع.
أما رؤية تجلياتها بالعين المجردة في محيطنا العربي فهي إن حصلت, تكون محدودة, ضبابية, ارتجاجية, وكأنها تعبر إلينا, أو نرصدها, عبر ثقب إبرة مصنّعة محليا.
ونادرا ما سمعنا في الخطاب الرسمي نفسه, أو الخطب بأنواعها, غير الرسمي منها, أو المدعية معارضة الرسمي الحالي في انتظار ترسيمها هي كبديل مستقبلي ــ ولو كان موجها للهواء وتقلباته, وبالأساليب المشار إليه أعلاه ــ دون إضافات تهريجية فلا يمكنها, على سبيل المثال, تمرير عبارة:
ـ الديمقراطية, دون أن ترفقها بمبالغة مقصودة ب"لازمة" المتلائمة مع واقعنا و قيمنا وتربيتنا العربية وكأننا خارج الانسانية. أو كان احدا يريد استنساخ ديمقراطية الاخرين استنساخا !!.
ـ الحريات الفردية أو العامة, دون شتم حريات الآخرين فيما وراء البحار, وتسفيهها وربطها بالانحلال الخلقي والإباحية...
ـ حقوق الإنسان, دون ذكر طبيعة وخصائص هذا الإنسان: الإنسان العربي الأصيل الأصيل, المتميز سليل الأجداد بمجدهم الغابر ( الطاوي, في واقعه الحالي ــ في مشارقها ومغاربها ــ جوعا وظمأ واحتمالا وصبرا, كجمال البوادي وعيرها في مهب الرياح الخماسينية غير المنتهية بانقضاء خماسينياتها. المتسول تأشيرة خروج ).
لعل الإشارة لتجارب الآخرين ممن بنوا دولا وأنظمة, دون الاكتفاء بترديد منمق العبارات ورتيب الشعارات ـــ آخرون حولوا مثل هذه العبارات المتضمنة في تصريحات مبادئ وإعلانات محلية أو قارية أو عالمية, مثل مبادئ العدالة واستقلال القضاء.الإعلان العالمي لحقوق الإنسان... من مجرد مبادئ و دعوات أخلاقية ومطالب شعبية, وقيم روحية, ليدخلوها الدائرة القانونية قواعد ملزمة, تتضمنها الدساتير والقوانين والأنظمة وتحميها ـــ, وهو ما يؤكد لقارئنا إننا لا نكتب إنشاء, ولا نضيف خطبا لخطب, وإنما نقدم له واقعا قائما بناه آخرون.
آخرون, أناس مثلنا, ولكنهم انتظموا, وتنظموا على أسس العقل والمعرفة والعلم والعلمانية وقيم الديمقراطية وفهموا عصرهم, فولد في أعماقهم كائن حر مستقل هو الإنسان المواطن الجدير باسمه (لن يلد في مثل هذه الشروط الحاكم الفرد وان ولد لا يُكتب له طول البقاء ). واستثمروا فيه. فخلق هو بدوره دولة الحق ومؤسساتها. أنضجها وطورها, وأزداد نضجا وتطورا بها و فيها, فردا ومجتمعا, بفعله وبفعلها. وبكلمة: بنى وطنا فكرسه الوطن مواطنا.
كنا قد خصصنا مقالين سابقين لتجارب الآخرين في بناء القضاء في دولة القانون. وبالتحديد لمحكمة النقض الفرنسية القائمة في قمة النظام القضائي الفرنسي العادي ordre judiciaire. . بناء ساهمت فيه أجيال وأجيال عبر التاريخ. لم يقطع لاحقها مع سابقها. بناء ليس استنساخا ولا ابتكارا من ألفه ليائه. رفدت فيه الدروس المنقحة وما ثبت من صحيح التجارب وتراكم الخبرات, اجتهادات وأفعال وجهود الأجيال اللاحقة زمنيا. و صولا إلى الأجيال الحاضرة المتمثلة حاضرها والمجسدة له, والنازلة بوعي على شروطه ومستلزماته, مع تفكير بالمستقبل ووضع لبنات في أسسه. تاركة في الوقت نفسه, وبنفس الذهنية, للأحفاد ما للأحفاد في بناء المستقبل حسب شروطه ومستلزماته وحقائقه التي ستفرض نفسها على القادمين الجدد. وهكذا لا يحكم الأموات الأحياء. ولا يحكم الأحياء القادمين للحياة.

وفي السطور القادمة ــ وبعد تلك المقدمة المطولة نسبيا التي لابد منها, ولو أغضبت المنهجية في البحوث الأكاديمية ــ وضمن عرض بعض جوانب بناء القضاء, سنشير إلى بناء القضاة: تكوينهم في المقال الحالي, وأدبياتهم في مقال قادم, رغم صعوبة الفصل بين التكوين والأدبيات وعدم واقعيته, وإنما فقط لتسهيل العرض .

لا يعتبر القاضي في فرنسا موظفا عاديا. الموظف ليس هو فقط , كما يعتقد البعض بمن فيهم حقوقيون ــ كما يُذكّر دافيد سينا وفابيان بونان (قاضيان محاضران في إعداد المرشحين لدخول المدرسة الوطنية للقضاء) ــ الذي يستلم راتبه من الدولة, ولكنه الشخص الذي يخضع للنظام العام للتوظيف العمومي Fonction publique . وقد منح دستور 4 أكتوبر 1958 للقضاة وضعا خاصا, نظرا للمهام السامية لمهنة القضاء. فالقاضي حارس للحريات الفردية حسب المادة 66 من الدستور المذكور.
الوضع الخاص بالقضاة, كما جاء في المرسوم المعدل المتضمن القانون التنظيمي الصادر في 22 ديسمبر 1958 , يهدف لضمان استقلال مطلق لقضاة الحكم. ونسبي, إلى الآن , لقضاة النيابة. ولكن أن يكون القاضي مستقلا لا يعني انه غير مسؤول. فالقاضي الذي يخل بالتزاماته, وبصفته, وأدبيات مهنته, كواجب عدم التنكر للعدالة. وواجب الرصانة والتحفظ. وواجب النزاهة. وتبني حياة شخصية وسلوكا لائقا... تطاله المسؤولية.
ولكن كيف يتم توظيف القضاة لممارسة مهام القضاء؟. هناك عدة طرق:
1ـ طريق المسابقة:
وهو الطريق الأساسي للوصول للجسم القضائي:
وتتضمن المسابقة 3 طرق للوصول إلى المدرسة الوطنية للقضاة ENM. وهي مدرسة عمومية أنشئت عام 1958 في مدينة بوردو.مهمتها التكوين الأولي والأساسي لقضاة النظام القضائي (تمييزا لهم عن قضاة نظام القضاء الإداري الذي سوف نتعرض له في مقالات لاحقة).
الأولى تسمى "مسابقة الطلاب" . يحمل مرشحوها شهادة المتريز في الحقوق (4 سنوات بعد الثانوية العامة). أو شهادة معادلة ممنوحة من معهد الدراسات السياسية. على أن لا يتجاوز عمر المرشح 27 عاما عند الترشيح.
الثانية, تسمى "مسابقة الموظفين" مرشحوها موظفون أو عمال دولة agent. أو من الموظفين العموميين في القطاع الصحي. على أن يثبت الموظف 4 سنوات على الأقل في الخدمة العمومية. ولا يتجاوز عمره 40 عاما عند الترشيح.
الثالثة, خاصة بالمرشحين الذين يثبتون خدمة فعلية في القطاع الخاص لمدة 8 سنوات على الأقل. أو ممن مارسوا ولاية أو أكثر كأعضاء في المجالس الإقليمية المنتخبة . أو من الموظفين من الحقوقيين غير المهنيين. على أن لا يتجاوز عمر المرشح 40 عاما عند الترشيح.
المسابقة للدخول إلى المعهد الوطني للقضاء ليست مجرد امتحان. وإنما هي تصفية واصطفاء. النجاح فيها هو الاستثناء والفشل هو القاعدة, وهذا ما يجري تذكير المرشحين به حتى يكونوا في صورة الواقع. ومع ذلك كثيرا ما يتذكر المرشحون قول الأديب الروسي Dostoïevski ( 1821 ـ 1881) إن "ما عدا الولادة, يمكن بالموهبة اكتساب كل شيء: المعرفة, الذكاء, العبقرية".
برنامج المسابقة واسع بشكل خاص, فيما يتعلق بالمواد الكتابية والشفهية. وعليه لا يمكن للمرشح مراجعة موادها خلال أسابيع قبل موعدها. لان الأمر لا يتعلق فقط بمراقبة المعارف والتحصيل, وإنما كذلك في مدى تمثّل هذه المعارف والتحصيل, وقدرة التحكم فيها والسيطرة عليها بشكل كامل.
وعليه يُنصح المرشح بالإعداد للمسابقة والتحضير لها في معاهد الدراسات القضائية . وهي معاهد في المراكز الجامعية المكلفة بالإعداد لدخول مراكز تكوين المحامين والمدرسة الوطنية للقضاء. عددها 37 مركزا مقامة في كليات الحقوق. تقدم فيها محاضرات وأعمال موجهة, ومواد تدريبية. (ثقافة عامة, قانون مدني, قانون جزائي, قانون عام, طرق تحليل وتركيب, تدريبات شفهية ..). غالبا ما يقوم بها وينشطها قضاة.
معاهد الدراسات السياسية.
بدأت هذه المعاهد, منذ سنوات, إعداد طلابها للتحضير لمسابقة الدخول للمدرسة الوطنية للقضاء, وللمهن القضائية. بهدف إعداد المرشحين للتحضير للمسابقات الإدارية, وتنظيم مسابقات تدريبية شبيهة بمسابقة الدخول للمدرسة الوطنية للقضاء, لتعويد المرشحين على كيفية خوض المسابقة. وتدرس المواد المطلوبة في مناهج المسابقات. وهكذا تتمكن تلك المعاهد من إرسال حوالي 20 طالبا متخرجا منها إلى المدرسة الوطنية للقضاء في كل دورة.
كما يوجد اليوم 3 مراكز خاصة للتحضير التكميلي لاجتياز مسابقة المدرسة الوطنية للقضاء, وتعتمد على تنظم مسابقات كتابية وشفهية مشابهة للمسابقة الرسمية للدخول للمدرسة, لتهيئة المرشحين نفسيا, ومنحهم فكرة عما يدور في تلك المسابقات.
2 ـ طريق الانضمام المباشر للجسم القضائي (المادة 22 من مرسوم 22 ديسمبر 1958 المتعلق بالمرشحين الذين لا تتجاوز أعمارهم 35 عاما, ويملكون خبرة مهنية لا تقل عن 7 سنوات). وتقرر ذلك لجنة الترقيات بعد دورة تدريبية. أو عن طريق الانضمام بصفة محضري قضاء
Auditeurs de justice (المادة 18 من المرسوم المذكور المتعلق بالمرشحين الذين لا تقل خبرتهم المهنية عن 4 سنوات في المحال القانوني أو الاقتصادي, أو الاجتماعي, ويحملون متريز, أو دكتوراه في الحقوق. أو باحثون),
ـ يسمى الناجحون في مسابقة الدخول للمدرسة الوطنية للقضاء بقرار من وزير العدل auditeurs de justice . ويصبحون جزءا من الجسم القضائي. ويتبع وضعهم القانوني وضع الموظفين المتدربين. وفي الوقت نفسه وضع الموظفين العامين. ويلبسون ثوب القضاء, ويحلفون اليمين القانونية. ويلتزمون بالحفاظ على السر المهني. وفي طور الدراسة والإعداد, وقبل أن يسموا قضاة, يتعهدون بخدمة الدولة لمدة 10 سنوات.
مدة الدراسة في المدرسة الوطنية للقضاة 31 شهرا تتضمن عدة مراحل:
المرحلة الأولى ( 26 شهرا) وتتضمن :
ـ فترة تدريبية (3 شهور) تتم في الإدارات أو الشركات, في مؤسسات فرنسية أو أجنبية. وهذا يسمح للمتدرب اكتشاف مؤسسات خارج المؤسسة القضائية مثل مراكز المحافظات préfecture, السفارات, الإدارات المركزية في الدولة, والمؤسسات العامة والخاصة .. يقدم المتدرب في نهاية الدورة تقريرا للجنة مكونة من أستاذ محاضر, وممثل لإدارة المدرسة الوطنية للقضاء, لتقدير المعارف والخبرات التي تحصل عليها المتدرب في تلك الفترة.
ـ التكوين التقني في المدرسة المذكورة. (8 شهور). يتضمن دراسات مهنية. يوزع فيها الطلاب في مجموعات. يقوم بمهمة التدريس فيها قضاة مرتبطون بالمدرسة. وتسمح هذه الفترة باكتساب التكنيك القضائي كتحرير الأعمال والقرارات القضائية. واغناء الثقافة القضائية. في نهاية الفترة الدراسية يجري تقييم الأعمال المختلفة المنجزة من قبل الطالب.
ـ التدريب في محكمة. (14 شهرا). يكون عندها محضر القضاء (الطالب) بين القضاة في كل مهامه وتحت رقابتهم أثناء قيامه بالأعمال القضائية المتنوعة مثل, تحرير الأحكام, تحرير المرافعات النهائية, الأقوال الشفهية ... كما أن هذا التدريب يضعه في طبيعة وواقع علاقات القضاة بالمتعاونين مع القضاء, مثل الشرطة القضائية, والدرك, وإدارات السجون. والحماية القضائية للأحداث.
ـ تدريب (شهرين) في مكتب محام. يسمح هذا التدريب للمتدرب انجاز كل الأعمال المهنية للمحامي, وذلك تحت إشراف قاض مشرف , والقيام بمرافعات أمام كل أنواع ودرجات المحاكم.(دافيد سينا و فابيان بينان. التحضير والنجاح. مسابقات الدخول للمدرسة الوطنية للقضاء ).
هذا التكوين المتعدد الجوانب ينتهي بامتحان التخرج في شهر جانفي ويشمل تحرير حكم. مرافعة نهائية. مرافعة شفهية. امتحان شفهي.
بعدها تقرر لجنة يرأسها قاض حكم في محكمة النقض, وتضم عضو من مجلس الدولة, بروفسور في كلية الحقوق, وعضو بدرجة نائب مدير من وزارة العدل, وقاضيين. وتقرر اللجنة إما ملائمة الطالب لممارسة مهنة القضاء , أو رسوبه. أو عدم ملائمته نهائيا لهذه المهنة.
2 ـ فترة تخصص (5 شهور). يختار محضرو القضاء مبدئيا المناصب التي تناسب بداياتهم, لمدة لا تقل عن سنتين. وتخصص الشهور الأربعة الأخيرة من التكوين الأساسي للتدريب, لتعيين أولي في المنصب المختار. وهذا ما يسمح للمحضر إتقان المهام التي سيعين فيها.

المهام القضائية في بداية عمل القاضي.
بعد إكمال التكوين الأولي والتخرج من المدرسة الوطنية للقضاة, وفي السنوات الأولى يمارس القضاة الجدد مهامهم كقضاة عامين (أي غير متخصصين في مواد معينة) في:
ـ المحكمة الابتدائية الكبرى tribunal de grande instance.
+ قاضي الشؤون العائلية.
+ قاضي إعداد الدعاوى. يسهر على حسن سير الدعاوى, وعلى أن تجري المحاكمة في مدد معقولة.
+ قاضي تنفيذ الأحكام. يتابع ويراقب شروط تنفيذ الأحكام والقرارات المدنية.
+ قاضي التحقيق. وهو حسب دافيد سينا و فابيان بونان , ليس " الرجل الأقوى في فرنسا" كما يظهره البعض (مقالاتنا حول قاضي التحقيق منشورة على العديد من مواقع الانترنت). وهو قاض حكم.
+ قاضي الأحداث. في المواد الجزائية والمواد المدنية.
+ قاضي تطبيق العقوبات. قاض حكم. مكلف بمتابعة تطبيق الأحكام السالبة للحرية.
+ نائب وكيل الجمهورية (procureur de la République ). يمارس مهام موكولة إليه مثل إقامة الدعوى العمومية, والملاحقات القضائية, ويسهر على تنفيذ العقوبات المتخذة من المحاكم الجزائية...
ـ في محكمة ابتدائية ( tribunal d’instance ) , كقاض مكلف بمصلحة ( service ) . وهي المحكمة التي تعالج القضايا اليومية العادية, والدعاوى البسيطة التي لا تزيد قيمتها على 7600 يورو (محكمة ورثت ما كان يعرف بمحكمة juge de paix وتسمى في بعض الدول العربية محكمة الصلح).
ـ لدى محكمة النقض. محضر قضاء. يقوم بمهام تساعد في اتخاذ القرارات. يساعد المستشارين المقررين, يحلل دفوع الطعن بالنقض. ويقوم بأعمال البحوث القانونية.
ـ لدى محاكم الاستئناف. قاض حكم أو قاضي نيابة لدى رؤساء هذه المحاكم.
اختيار القاضي لمنصبه الأول لا يعني اختيارا نهائيا, لا من حيث مكان العمل ولا ممارسة المهنة. فقد ينتقل من محكمة إلى أخري بعد سنتين. أو قد يقوم بمهام قاضي حكم أو قاضي نيابة عامة. وفي هذا كما يرى رجال القضاء الفرنسي وبالتجربة, غنى وحيوية لمهنة القضاء.
أما عن عمل القضاة بعد السنوات الأولى من التخرج, والترقية في المحاكم بأنواعها, وصولا إلى محكمة النقض. فلا تستطيع مقالة أو عدة مقالات تغطيتها. وعلى الراغب في الاطلاع زيارة موقع وزارة العدل على الانترنت htte://www.justice.gouv.fr.
يبقى أن نشير إلى ا ن أي بناء في المجال الإنساني, بما فيه بناء القضاء والقضاة, بناء غير منته. ولا يتخذ صفة الصنمية, فيستعصي عليه الحراك والتطور, ومواكبة الحقائق الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية, المحلية والقارية والعالمية, فهو مشروع بناء دائم ومتواصل.
وفيما يخص موضوعنا, وبعيدا عن الصنمية والأصنام, تجري دراسات وتطرح آراء ومشاريع حول تكوين القضاة , أراء ومشاريع تصل أحيانا إلى التشكيك بكل ما هو قائم ــ دون أن يرى فيه احد إضعاف للشعور الوطني والقومي. وإنما محاولات صنع لبنات صلبة وأساسية في بناء هذا و تعزيز تلك. شأن كل مساهمة في بناء دولة القانون ــ نكتفي منها هنا بما ذكره مدير المدرسة الوطنية للقضاء السيد جان فرنسوا توني: لم يجر تطوير مسابقة الدخول للمدرسة الوطنية للقضاء منذ عام 1958 . وفيما يتعلق بالتكوين الأولي لمحضري القضاء فيها فان اللمسات الإصلاحية المتعددة لم تبين بوضوح تطور هذا التكوين .
بين المهام التي منحها مرسوم 2008 ـ 1551 الصادر في 31 ديسمبر 2008 للمدرسة الوطنية للقضاء: « التكوين الأولي والمستمر لقضاة النظام القضائي العادي الفرنسي". وعليه إعادة النظر بشكل جذري في أهداف وغايات تكوين القضاة, ومنه مراجعة مباشرة وتحديث طرق ومحتوى التعليم لمحضري القضاء, وكذلك للقضاة الممارسين لمهامهم. ولكن قبل ذلك إعادة صياغة مسابقة الدخول للمدرسة الوطنية للقضاء, شكلا ومضمونا, كمرحلة طموحة للإصلاح.
الرئيس الأول السابق لمحكمة النقض الفرنسية Guy Canivet يرى, فيما يتعلق بالمدرسة الوطنية للقضاء التي تعمل على التكوين الأولي لمجموع القضاة المتخرجين منها, أن "تحديث هذه المدرسة يمر عبر إرادة تعزيز تماسك تكوين القضاة وليس فقط بالتكوين الأولي لمحضري القضاء".
ويرى أن من بين المحاور الأساسية لتكوين محضري القضاء:
ـ محور " إنسانية القضاء. حيث يجب الاهتمام بالثقافة القضائية. وبما يمكن أن يلحقه القضاء من أذى بمصالح المتقاضين. وأدبيات القضاة. وأدبيات المحامين. والوضع القانوني للقاضي.
ـ محور إجراءات اتخاذ القرارات والقواعد المدنية.
ـ محور إجراءات اتخاذ القرارات والقواعد الجزائية
ـ محور الاتصالات القضائية. لتتلاءم مع تقنية المحادثة, والاستماع, والحديث. وإدارة المنازعات. والجلسات العمومية. وتحليل المعاني. والتواصل مع الإعلام.
ـ محور إدارة القضاء. ويتعلق في التحكم بالوقت واستغلاله. وإدارة الدولة, والوحدات الإقليمية. وتاريخ الإدارة القضائية وتنظيمها.
ـ محور الأبعاد العالمية للقضاء وتكنيك وتطبيق التعاون مع القضاء الدولي.
ـ محور حياة الشركات. لدراسة القانون الاجتماعي, والمسائل الاقتصادية للشركات.
ـ محور المحيط القضائي. الذي يجب تركيزه على التوفيق بين الفرد والمجتمع.
لم تقتصر أفكار ودراسات ومشاريع الإصلاح القضائي وبناء المؤسسات القضائية والقضاة على عمل منفرد يقوم به بعض القضاة. وإنما يشارك فيه محامون, و أساتذة قانون, وبرلمانيون, ورجال سياسة وأحزاب سياسية. وجمعيات قانونية. وجمعيات مدنية, حراك مجتمع وصفوة في مجتمع .. كل هذا في ضوء الانفتاح, دون عقد أو شوفينية, على تجارب الآخرين في الاتحاد الأوربي. والتجارب العالمية. فالمسألة تخص العدالة, و تطال في أساسها وأهدافها المتقاضين ومصالحهم, من المواطنين وغيرهم.
بناء القضاء على عيب, أو إبقاء البناء المعيب دون إصلاح عيوبه جذريا, يُسّرب إليه الفساد بأنواعه. ولا عجب عندها إن عم الفساد الدولة والمجتمع والفرد. ولكن العجب, والحال هذا, أن تصنف الدولة نفسها على أنها دولة القانون.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة :
عدم الالمام الكافي بأصول القراءة قبل الكتابة يأخذ البعض أحيانا للعن الاخرين وتجاربهم ومن يكتب عنهم وعنها. امر لا نعترض عليه ومفهوم لدينا ولدى كل قارئ يحسن القراءة. لم نعرض تجربة نتبناها او نطلب من غيرنا تبنيها, عرضنا تجارب فيها الخطأ كما فيها الصواب باعتراف اصحابها ممن لا يعانون من العقد. المجتمعات الحية تجاربها كثيرة جدا ومتنوعة وهي لا تكف او تتوقف عن التجريب. تعرف الديمقراطيات الغربية التي تبني انظمة لنفسها وليس لغيرها, ان دولة القانون لم تقم فيها بعد كاملة ونهائية, تعرف معوقات قيامها . ولو كانت هذه الدولة قائمة اذن ما جدوى النضال اليومي والمستمر للأحزاب السياسية , وجمعيات المجتمع المدني, كل في مجاله, ورجال الفكر والقانون والمشرعين, وكل المتنورين من الجنسين, من اجل الوصول الى دولة قانون اقل شوائب, واكثر كمالا من القائمة حاليا؟. دولة مفتوحة على المجتمع بكل مكوناته ووقائعه, فيها المساواة فعلية, والعدالة للجميع, والقانون للجميع وفوق الجميع. هذه الدولة ـ المنشودة منذ قرون ـ اذ تأخذ بعين الاعتبار التجارب السابقة فإنها لا تتوقف عن اجراء تجارب انية, واخرى لاحقة. انها ديناميكية الحياة وتطور المجتمعات. وحلم الانسان.
د. هايل نصر.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات