لكل أمَّة عظماء، سطر التَّاريخُ مآثرَهم وأظهرَ أعمالهم وخلَّد سِيرَهم وحياتَهم؛ ليكونوا نبراسًا لِمن بعدَهم في علمهم وعملِهم، وجهادهم وأخلاقهم، ولقدِ اعتاد كثيرٌ من الأمم والمِلل إحياء ذكرى عظمائِها، فيخصِّصون يومًا يوافق يومَ مولِدِهم أو يوم وفاتِهم؛ لتذكير شعوبهم وأتباعهم بسير هؤلاء العظماء؛ أملاً ألا يَموت ذكرهم ولا تنسى أسماؤهم.
وفي مثل هذا الشَّهر تمرُّ ذِكْرَى المولد النبوي الشريف مولِد النَّبيِّ " صلَّى الله عليه وسلَّم " الَّذي بدَّد الله به جَميع الظُّلمات، فهدى به من الضَّلالة، وعلَّم به من الجهالة، وأرْشد به من الغَواية, إنَّ أوَّل مَن سنَّ وابتدع الاحتِفال بالموالِد هُمُ الرَّافضة ملوك الدَّولة الفاطميَّة، التي انتسبتْ كذبًا وزورًا إلى فاطمة بنت محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم.
ففي القرْن الرَّابع الهجْري ابتدع الخليفةُ الفاطمي العُبيديّ فكرة الاحتفال بالموالد، وأحدث مع المولد النبويّ أربعة موالد أخرى: مولد لعليٍّ، وآخَر لفاطمة، وثالثٍ للحسن والحسين، ورابعٍ لِمن يَحكم من العُبَيديين، ثم توسَّعوا في إحداث الموالد والمناسبات البدعيَّة الأخرى.
إنَّ أصحاب هذه الموالد البدعيَّة يتشبَّهون من حيث لا يشعرون بأعداء الله النصارى؛ حيث كان في البلاد التي جاور فيها المسلمون النصارى – كالشام ومصر – يحتفل النصارى بعيد ميلاد المسيح في يوم مولده، وميلاد أسرته، فسرت تلك البدعة إلى المسلمين، قال الحافظ السخاوي – رحمه الله تعالى -: “كان أهل الصليب اتَّخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر”.
ولقد حذر النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلَّم – من التشبه بأعداء الدين فقال – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن تشبَّه بقوْمٍ فهو منهم))؛ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وحسَّنه الحافظ ابن حجر – رحمه الله.
لقد كان أعداء الله من الكفار والمنافقين وغيرهم يفرحون بإقامة مثل هذه البدع؛ لأنَّهم يعلمون أنه متى أحدثت في الدين بدعة ماتت مقابلها سنَّة من سنن المصطفى – صلى الله عليه وسلم – وأوْضح نموذجٍ لذلك ما ذكره الجبرتي من أنَّ نابليون أمر الشيخ البكري بإقامة الاحتفال بالمولد، وأعطاه ثلاثمائة ريال فرنسي، وأمدَّه بتعْليق الزينات، بل وحضر بنفسِه الحفْلَ من أوَّله إلى آخِره، ويعلق الجبرتي على اهتمام الفرنسيين بالاحتفال بالموالد عمومًا بِما رآه الفرنسيُّون في هذه الموالد “من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، واتِّباع الشَّهوات والرَّقْص وفعل المحرَّمات.
إنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو صاحب الشأن – لم يحتفل بمولدِه في حياتِه، بل ولم يأمر بذلك أحدًا من النَّاس وهو المبلغ للدين، ولم يمُتْ – صلَّى الله عليه وسلَّم – حتَّى أكمل الله به الدين، قال الإمام مالك – رحمه الله -: “منِ ابتدع في الإسلام بدعةً يراها حسنة، فقد زعَم أنَّ محمَّدًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – خان الرسالة؛ لأنَّ الله تعالى قال: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} الآية [المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذٍ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا”.
لقد ضرب الصَّحابة – رضوان الله عنهم – المثل الأعْلى في حبِّهم للحبيب – صلَّى الله عليْه وسلَّم – فهاهو عمْرو بن العاص – رضي الله عنه – كما في صحيح مسلم يقول: “ما كان أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولا أجلّ في عيْني منه، وما كنت أُطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئِلْت أن أصِفَه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه”.
هذا مثال واحد لحبّ الصَّحابة – رضوان الله عليهم – لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلماذا لم يحتفلوا بمولده؟! ثمَّ أليس في عدم احتفالهم اتِّهام لهم عند مَن يرى الاحتفال بأنَّهم لا يحبّون النبيَّ – صلى الله عليه وسلم؟
المصدر : http://www.sotalhoria.com
التعليقات (0)