مواضيع اليوم

                                                                                                          بقلم:أ/عدنان السمان

لم يكن ما أسمَوه حلَّ الدولتين الحلَّ المثالي للقضية الفلسطينية، بل إن هذا الحل لم يضمن – ولو نظريًّا -  الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين الثابتة في بلادهم فلسطين، ومع ذلك فقد رضي كثيرٌ من الفلسطينيين به، واعتبروه إنجازًا، بعد أن كانوا قد رفضوا على امتداد العقود السبعة الماضية حلولاً أقل سوءًا منه بكثير، وبعد أن كانوا قد رفضوا منذ بدء الصراع أن يكون للآخرين أدنى وجودٍ في بلادهم، أو أدنى تأثيرٍ على سيادتهم الكاملة على أرض فلسطين.
   ولم يكن كثيرٌ من الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها مقتنعين بأن هذا الحل (حل الدولتين) سيحظى بأدنى نجاح، لا لأن كثيرًا من الفلسطينيين يرفضونه، ولا يرون فيه إحقاقًا لشيءٍ من حقوقهم وثوابتهم، ولكن لأن الآخرين هم الذين يرفضونه، لأنه يتعارض مع أفكارهم ومبادئهم، ويتناقض مع طبيعة الدولة التي يريدونها في قلب ديار العروبة، ويتناقض مع سياسة المراحل والمناورات والمراوغات التي انتهجوها منذ بدء الصراع، وحتى يومنا هذا.
   واليوم، وبعد أن سد الآخرون جميع الأبواب والمنافذ في وجوه الموافقين على حل الدولتين، وبعد أن أيقن هؤلاء الموافقون على هذا الحل، وعلى أي حلٍّ قد يتقدم به الآخرون، وبعد أن أيقنوا أن هؤلاء الآخرين لا يريدون حلاًّ قائمًا على أدنى شراكةٍ، أو وجودٍ فاعلٍ لأحدٍ على أي جزءٍ مهما كان ضئيلاً من هذه الديار، وبعد أن ثبت لهؤلاء أن الغرب بشقيه عاجزٌ تمامًا عن فعل شيءٍ للفلسطينيين باستثناء فتات الموائد، والمجاملات التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تسمن ولا تغني من جوع، وبعد أن أدركوا هذه الحقائق التي كان يدركها جيدًا كثيرٌ من الفلسطينيين منذ البداية، وبدلاً من الاعتراف بأخطاء الماضي، والعودة إلى وحدة الصف والموقف والهدف والإجماع الشعبي، وبدلاً من العودة إلى ثوابت هذا الشعب وقناعاته، وبدلاً من العودة بالقضية إلى بعديها العربي والإسلامي، وبدلاً من فعل أي شيءٍ يؤثر على سير الأمور والأحداث، فقد راح بعضهم يخوّف هؤلاء الآخرين الذين لا يريدون حل الدولتين من سوء العاقبة، وراح هذا البعض يتحدث عن البدائل، ويتحدث عن عودة ملايين الفلسطينيين إلى الدولة الواحدة التي ستكون البديل لحل الدولتين!! ولقد نسي هذا البعض أن الآخرين الذين يرفضون "التنازل" الفعلي عن أي شبرٍ من هذه الديار لأحدٍ قادرون على رفض بدائلهم، وقادرون على فرض تصوراتهم وحلولهم، وقادرون على التحكم بسير كافة الأمور، وكافة القضايا المتفرعة عن هذه القضية التي كانت قضية العرب الأولى ذات يوم، إذا استمرت الحال على هذا المنوال.
   إن كافة أشكال التحذيرات والتهديدات المبطنة وغير المبطنة لن تردع هؤلاء، ولن تحد من أطمـاعهم في كل هذه الديار، وفي غير هذه الديار ما دام الواقع هو الواقع، وما دامت الحال هي الحال، والخلاف هو الخلاف، وما دام التمزق والتشرذم والتناحر والتباغض والتخاصم والخلاف والاقتتال والاحتراب بين الأهل والإخوة في الوطن الواحد سيدَ الموقف، وما دام الفلسطينيون والعرب مجموعاتٍ وجماعاتٍ وأحزابًا وشيعًا وقبائل يحارب بعضها بعضًا، وما دام الفلسطينيون والعرب أتباعًا وتوابع للأجنبي، وأدواتٍ طيعةً في يده لشن الحرب التي يحدد مكانها وزمانها وأهدافها على أي جزءٍ من أرض العرب بهدف إخضاعه وتركيعه وإعادته إلى عهود الإقطاع والاستعمار والاستبداد والاستعباد والتبعية لكل أعداء العروبة والإسلام!!
   وإن كافة أشكال النصائح المجانية التي قد يسديها بعضنا لهؤلاء لن تجدي أدنى نفعٍ مهما كانت دوافعها وأهدافها.. فهؤلاء قد أعلنوا منذ أمدٍ بعيدٍ ما يريدون، وهؤلاء قالوها بصريح العبارة إنهم أهل هذه الديار، وإنهم قادة هذه المنطقة في حروبها القادمة، وهم من يحددون لهذه الأمة أعداءها وأصدقاءها وقياداتها أيضًا.. وهم من يصنعون شكل مستقبل هذه الأمة العربية على كل أرض العرب، وهم من يتحكم بزراعة العرب وصناعتهم ومناهج مدارسهم وجامعاتهم وإنتاجهم واستهلاكهم، وكل مظاهر حياتهم وخباياها وخفاياها.. وما دام الأمر كذلك، فلن يجدي نفعًا كل هذا الكلام، ولن يجدي نفعًا كل هذا التنظير، ولن يجدي نفعًا إلا ما كان قائمًا على الفعل، وعلى مبدأ التعامل بالمثل، وعلى مبدأ العين بالعين والسن بالسن، ولن يجدي نفعًا أيضًا إلا الإصرار على تحقيق الأهداف بعد تحديد هذه الأهداف، وتحديد الجهات والهيئات والأطراف، فلكل أمةٍ أهدافها، ولكل معادلة طرفاها أو أطرافها، ولكل نصرٍ أسبابه، ولكل عودةٍ مقوماتها، ولكل شعبٍ غاياته وقناعاته، وأسرار بقائه وفنائه، وأسباب انهياره واندثاره وذوبانه في الآخرين.
   وإذا كان من حق الإنسان أن يقول ما يريد، وأن يجتهد دون أن يكون عليه أدنى حرج، وإذا كان للمجتهد حسنتان، وإذا كان الاجتهاد ركنًا من أركان التشريع لا يمكن أن يُغلَق، ولا يجوز أن يُغلَق، وإذا كان إغلاق هذا الباب يؤدي إلى الجمود والتخلف والانقراض، إذا كان كل ذلك صحيحًا – وهو صحيح – فإن سياسة كمّ الأفواه، وأسلوب التعتيم الإعلامي، ومحاولات منع الناس من إبداء الرأي، ومن حرية الكلام والقول والتفكير والتعبير هي من قبيل إغلاق باب الاجتهاد في التشريع تؤدي إلى ما يؤدي إليها من نتائج.. وعليه، ولما كان للإنسان كل الحق في أن يقول ما يعتقد أنه الصواب، فإن من حقنا أن نقول للمصيب أصبت، وإن من حقنا أن نقول للمحسن أحسنت، وأن نقول للمسيء أسأت، دون تصلبٍ ودون تعصبٍ، ودون أدنى إساءةٍ لكبيرٍ أو صغير، وبخاصةٍ إذا كان الأمر مما يتعلق بوجود أمةٍ، ومصير شعبٍ، وقضية وجودٍ أو عدم.. وإذا كان من حقي بناءً على كل ما تقدم أن أقول شيئًا فإن مما أريد أن أقوله إن هؤلاء ليسوا الخاسرين إذا فشل حل الدولتين، بل نحن الخاسرون إذا استمرت هذه الحال، وإذا لم يكن هنالك ما نفعله سوى ما أدمناه منذ عقود، وإن مما أريد قوله: قبل الرِّماء تُملأ الكنائن، وإن مما أريد أن أقوله: الرأي قبل شجاعة الشجعان// هو أولٌ وهي المحل الثاني. وإن مما أريد قوله: وما نيل المطالب بالتمني... وإن ما أريد أن أقوله أولاً وآخرًا وقبل كل شيء "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..." صدق الله العظيم. وللحديث صلة.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !