طوال الاعوام الماضية، دأب النظام الديني المتطرف في إيران على إتباع سياسة خاصة جدا حيال منظمة مجاهدي خلق(أکبر و أهم فصيل إيراني معارض لنظام الولي الفقيه)، وهي سياسة إتسمت بالتجاهل العلني للمنظمة و الاهتمام السري و الضمني بها، وقد أکدت وفي أکثر من مناسبة و على أکثر من صعيد بأن هذه المنظمة قد إنتهت و لم يعد لها من وجود على الساحة الداخلية في إيران، ونفس هذا الامر طفق لفيف من الکتاب و وسائل الاعلام المحسوبة على طهران او المقربة منه، تردده و تعتبره بمثابة بديهية لاتقبل البرهان!
النظام الايراني، وبعد أن سعى طوال ثلاثة عقود منصرمة الى خداع الشعب الايراني و الرأي العام العالمي، وبعد أن طفح الکيل بالشعب الايراني و إنتفض بقوة بوجهه عام 2009، وبعد أن أکتشف المجتمع الدولي کذب و زيف هذا النظام فيما يتعلق ببرنامجه النووي و ظهور الکثير من العلامات و التأکيدات على أنه ماض قدما في سبيل الحيازة على أسلحة نووية، بدأ العالم کله يصحو من غفوة طالت نوعا ما مع هذا النظام المثير للجدل، وقد تفاجأ العالم کله بحجم الرفض الجماهيري المتصاعد ضده في الداخل بعد أن کان قد"اوحى"للعالم بأن الشعب الايراني معه100% وانه يحظى بشعبية مطلقة وهو زعم إستند اساسا على معطيات غير صحيحة ذلك أنه ربط بين نفسه و بين اوائل الثورة الايرانية حيث هب الشعب الايراني کله للتخلص من استبداد و قمع الشاه و ليس دعما لتيار او شخصية دينية محددة مثلما يوحي هذا النظام، لکن الظروف خدمت بشکل او بآخر الخميني و جعلت منه رمزا متفقا عليه(وقتيا)بين مختلف شرائح الشعب و قواه السياسية المختلفة، وقد ظهرت حقيقة الخميني و نظام ولاية الفقيه جلية فيما بعد عندما شرع يغدر بمختلف القوى السياسية التي ساهمت بصنع الثورة و يفتك بها و على رأسها و في مقدمتها منظمة مجاهدي خلق، لکن الانتفاضة الشعبية التي إندلعت في إيران عام 2009، والتي أربکت النظام و جعلته يتخبط أيما تخبط، سارع النظام بنفسه و على لسان أبرز قادته الى الاقرار بأن منظمة مجاهدي خلق تقف وراء هذه الانتفاضة و هي التي تقوم بقيادتها و توجيهها، في الوقت الذي لم يکلف النظام نفسه عناء إلقاء تبعات الامور على"الحرکة الخضراء"، بقدر ماشدد على إتهام المنظمة بکل صراحة وهو إتهام يکشف کذب و دجل النظام نفسه أمام الشعب الايراني و العالم بخصوص ان تأثير و تواجد المنظمة داخل إيران قد إنتهى، وقطعا لم يسلك النظام الايراني طريق إتهام منظمة مجاهدي خلق من أجل إحراج التيار الاخضر، ذلك أن الحرکة الخضراء وکما هو واضح و جلي لاتختلف مع نظام ولاية الفقيه على الاسس و الرکائز و الدعائم التي أقيم عليها النظام و لاتدعو الى إسقاط النظام وانما تدعو الى(إصلاح)النظام، لکن السؤال المهم هو الى أي مدى يؤمن نظام ديني شمولي يتعامل وفق اسلوب و سياق يکاد أن يکون مشابها تماما لعصر الاستبداد الکنسي في اوربا بالاصلاح، و کيف يمکن للولي الفقيه الذي يعتبر نفسه نائبا للأمام المهدي المنتظر و ظل الله و خليفته على الارض بالاصلاح من قبل أناس هم في ظل ولايته؟ انه سؤال بالغ الاهمية لمن فهم استوعب نظرية ولاية الفقيه و ادرك کل جوانبها، فهذا النظام يعتبر نفسه(الحق کله) و يعتبر کل من يعاديه(الباطل و الشر کله)، ولذلك فإن الزعم بأن نظام ولاية الفقيه يمکن التعويل على عملية إصلاحه، هو زعم واه و بعيد عن الحقيقة و الواقع وحتى لاينسجم مع الدستور الذي بني عليه هذا النظام، ولکن عندما نبحث في العامل الاساسي الذي تسبب في الاصطدام بين منظمة مجاهدي خلق و النظام الديني، هو رفض المنظمة لنظام ولاية الفقيه وقد عللت المنظمة رفضها وقتئذ بأن نظام ولاية الفقيه يمهد لدکتاتورية ذات طابع ديني، وعلى الرغم من کل جولات المفاوضات التي تمت بين الخميني نفسه و ابنه أحمد مع قادة المنظمة و على رأسهم زعيم المنظمة مسعود رجوي، فإن المنظمة لم تتقبل فکرة ولاية الفقيه مع کل تلك الاغرائات التي وضعها النظام أمامها.
الذي يطالع مقالة(الغرب و مجاهدو خلق: رهان خاطئ و خطير)، يجد نفسه امام ديباجة دفاع غير مباشر غريبة من نوعها عن نظام ولاية الفقيه، ذلك ان کاتبة المقالة تزعم انه(كان لحركة الإحتجاجات الكبيرة التي انطلقت في طهران ومدن أخرى، إثر إعلان نتائج انتخابات العام 2009، التي أطلق عليها "الثورة الخضراء، أكبر الأثر في تنبيه العالم الى وجود معارضة ذات شأن، عارفة بأحوال البلاد، وتتمتع بالقبول الشعبي، ما يمكن معه المراهنة عليها كقوة قابلة للتطور في طريق إسقاط نظام ولاية الفقيه، على الرغم من تمكن الحكومة آنذاك من السيطرة عليها وقمعها. وفي معركة النفوذ التي تخوضها ايران ضد الغرب، يلاحظ ان الأخير بعيد عن استثمار هذا الواقع، وبدلا عنه انشغلت معظم الدول الاوروبية بإعادة تأهيل منظمة مجاهدي خلق المعارضة، والنظر اليها كما لو كانت العنصر الاساس في تغيير النظام، ولأجل ذلك اصدرت محكمة العدل الاوروبية قرارا برفع اسمها من قائمة الارهاب، ثم تلى ذلك قرارمجلس وزراء الإتحاد الاوروبي بشطبها من القائمة المذكورة)، يبدو ان الکاتبة أدرى من قادة النظام الايراني أنفسهم في تحديد دور منظمة مجاهدي خلق في إنتفاضة 2009 داخل إيران، إذ انها و عندما تدعي بعدم وجود أي دور للمنظمة و ترجع الامر کله للتيار الاخضر الذي هو اساسا نابع من رحم النظام نفسه، فإنها تغالط الحقائق و مسار الاحداث على أرض الواقع إذ ان مجاهدي خلق لم تترك الکفاح و النضال ضد النظام داخل إيران ولو ليوم واحد، وان النظام لو کان بحق يتخوف من التيار الاخضر و يمنحه تلك الاهمية الاستثنائية لما کان قد إتهم منظمة مجاهدي خلق بالوقوف خلف الانتفاضة ضده، فالنظام يعي أن کلا من مير حسين موسوي و مهدي کروبي، لايريدان مطلقا إسقاط النظام وانما إجراء بعض(الاصلاحات) و الرتوش الجانبية التي تساعد على إبقائه و تمديد عمره لحفنة أعوام أخر، کما انه(أي النظام)، متيقن تماما من أن منظمة مجاهدي خلق تسعى و بکل جدية الى إسقاطه و محوه من الوجود.
وتمضي الکاتبة في ديباجة دفاعها المعد إعدادا خاصا و ملفتا للنظر لتلقي إتهامات خطيرة من نوعها بحق المنظمة من انها قد دفعت رشاوي لمشرعين و ساسة أمريکان کي يلقوا خطبا دفاعا عن المنظمة بل وان الکاتبة تتمادى لتتهم شخصيات عربية و اسلامية أخرى مشارکة في الامسية الرمضانية التي أقيمت مؤخرا بقولها:(اننا امام فضيحة اخلاقية تورط فيها مسؤولون اميركيون كبار، والفضل في سرعة الكشف عنها يعود الى طبيعة الانظمة الديمقراطية وحرية الصحافة، ويبقى ان نتمنى بان يحذو بعض صحافتنا حذو العالم المتقدم ويكشف الغطاء عن احتمالات تورط شخصيات سياسية من دول عربية واسلامية، في الحديث عن"مآثر" مجاهدي خلق، المزعومة، في محافلها الاوروبية واخرها كان حفل افطار رمضاني في باريس، نظمته "خلق" تحت شعار التضامن العربي الاسلامي مع "أشرف"، وتحدث خلاله ثمانية وثلاثون من ستة عشر بلدا، بينهم مرشح سابق للرئاسة الاميركية، واربعة عشر نائبا من الاردن، وثمانية من نظرائهم من فلسطين. واذكر على سبيل الطرفة ان مؤيدي خلق من العرب هم الاكثر مديحا لهذه المنظمة، فإحدى المتحدثات تصف مريم رجوي بانها "سيدة الشرق الاولى"، وأحد كبار المدافعين عن معسكر أشرف يطلق عليه وصف "الزمردة" ويقول عن عناصره انهم علموا الإنسانية القيم النبيلة، على الرغم من انغماس ايديهم في دماء العراقيين. )، ان هذا الاتهام قضية بالغة الخطورة يبدو أن الکاتبة لاتعرف أن رمي جهة سياسية او أي طرف او شخصية ما بتهمة من هذا النوع تسبب ضررا ومن دون دليل ملموس، تستدعي ملاحقة قضائية وانا واثق من ان الکاتبة تردد نفس المزاعم و التخرصات التي تبثها المخابرات الايرانية هنا و هناك لکي تطعن في النجاحات الکبيرة التي تحققها المنظمة على الصعيد الدولي، وان المسائلة القانونية ستطال الکاتبة حتما مالم تثبت صحة کلامها، خصوصا وان شخصيات عربية و اسلامية لامعة قد شارکت في تلك الامسية و سوف لن تسکت على هذه الاتهامات الباطلة و التي لاأساس لها من الصحة، کما ان ان السياق و الاسلوب الذي إتبعته الکاتبة لايختلف من حيث الاساس مع السياق و الاسلوب الذي إتبعه النظام الايراني لإلصاق صفة الارهاب بمنظمة مجاهدي خلق و الذي تلاقفته وزارة الخارجية الامريکية لتبني على أساسه قرارها بإعتبار المنظمة ضمن اللائحة السوداء أملا في إحتواء و تأهيل النظام الايراني، لکن، من الذي يدعم الارهاب و شبکاته في مختلف أرجاء العالم؟ من الذي يعقد اللقائات السرية مع منظمة القاعدة؟ من الذي يدعم حزب الله و العديد من التنظيمات المشابهة له المتورطة في أکثر من عملية إرهابية؟ من الذي أشعل وقود الحرب الطائفية في العراق بعد دخول الامريکان الى هناك؟ من الذي يهدد الامن الاجتماعي للعديد من دول المنطقة؟ و عشرات الاسئلة الاخرى التي لاتجد لها سوى إجابة واحدة فقط تتحدد بالنظام الايراني ذاته و الذي کان ومنذ ايامه الاولى الممول و الداعم الاکبر للإرهاب، أما الحديث عن زعم أن منظمة مجاهدي خلق قد دفعت أموالا لساسة و مشرعين أمريکان من أجل المساعدة لإعادة النظر بقرار وزارة الخارجية الامريکية الخاص بإعتبار منظمة مجاهدي خلق ضمن لائحة الارهاب، فإننا سبق وان کتبنا بهذا الخصوص في إيلاف مقالة بعنوان(لوبي إيراني)، وتحدثنا فيه عن مساعي النظام الايراني عبر لوبي تابع له في واشنطن من أجل الحيلولة دون إعادة النظر في القرار المذکور، کما کتبنا أيضا مقالة بنفس الخصوص في صحيفة السياسة الکويتية تحت عنوان(الملالي ينافقون في معقل الشيطان الاکبر)
http://www.al-seyassah.com/AtricleView/tabid/59/smid/438/ArticleID/151571/reftab/94/Default.aspx
وتمضي الکاتبة لتصل الى قناعة بأن مسألة القيادة و البناء الفکري للمنظمة لايختلف عن النظام الديني المتطرف، وهو زعم کاذب دأب النظام نفسه على تسويقه للغرب بشکل خاص و العالم أجمع بشکل عام، کي يدفعهم للنأي بعيدا عن المنظمة، وان کلامها بخصوص مسألة الديقراطية و عدم إيمان المنظمة بها، هو الاخر کلام لايتفق مع الواقع أبدا، ذلك أن المنظمة و من خلال أبرز قادتها قد دعت دوما الى إجراء إنتخابات حرة نزيهة تحت إشراف الامم المتحدة مؤکدة بأنها تقبل أي خيار للشعب الايراني، وهو موقف يتنصل و يتهرب منه النظام، بل وان المنظمة تذهب أبعد من ذلك عندما تؤکد بأن مستقبل إيران بعد سقوط النظام سوف تقرره صناديق الاقتراع قبل أي شئ آخر وانها ستحترم مايختاره الشعب الايراني.
أما بخصوص مايتردد عن تورط المنظمة في أعمال قمع للانتفاضة العراقية عام 1991، فإنني أود هنا أن أميط اللثام هنا عن ثمة حقيقة مهمة جدا، إذ أنني وعلى الرغم من رفضي الکامل لنظام البعث البائد، لکن الشئ بالشئ يذکر، ذلك أن تلك الانتفاضة ومنذ الساعات الاولى لإندلاعها قام النظام الايراني بإدخال المئات من أعضاء منظمة بدر من الجنوب بملابس مدنية و من کوردستان بملابس کوردية(بيضاء)، ويتذکر أعضاء المنظمة الکورد ذلك جيدا مثلما يتذکره الاخوة العرب الذين تسللوا عبر نقاط مختلفة من الجنوب، وکيف بدأوا بالهجوم على المراکز الامنية و الاستخبارية و العسکرية المهمة حيث جمعوا أکداسا من الوثائق و المعلومات و بعثوها مباشرة الى داخل إيران مما شوهوا الانتفاضة و حرفوها عن مسارها الحقيقي وهي جريمة بحق التأريخ العراقي المعاصر يجدر أن تناقش من جانب المثقفين العراقيين، ولم يکن التغيير الذي طرأ على الموقف الامريکي من الانتفاضة وقتها و اشعال الضوء الاخضر لنظام صدام کي يقمعها إلا بسبب هذا التدخل الايراني المفضوح و المرفوض مما يعطينا الحق بأن نقول أن کل من قتل بيد النظام البعثي بعد التدخل الايراني، فإن دمه بذمة نظام ولاية الفقيه، وهو أمر يريد نظام ولاية الفقيه التمويه عليه و إبقائه مستورا، بل وانه وبعد أن أخمد النظام البعثي الانتفاضة(بسبب من تدخل النظام الايراني المشبوه فيه)، قام النظام الايراني و عبر"مجاهدي فيلق بدر"، بإدخال کميات کبيرة جدا من العملات العراقية المزيفة من فئة(50 دينار) بالاضافة الى إدخال أکداس من الاسلحة و القنابل و المتفجرات وقام بتجنيد أناس من کوردستان و من مختلف مناطق العراق للقيام بعمليات إرهابية داخل العراق، ناهيك عن شبکات تجسسه المختلفة المزروعة هنا و هناك وقد کان لکل منطقة شأن خاص، ففي کوردستان مثلا، کانت التجسس الايراني مختص بالمنظمات الدولية العاملة هناك، أما في المناطق الاخرى فقد کان التجسس قائما لأغراض عسکرية و أمنية، ومهما يکن فإن تدخل النظام الايراني في العراق حديث طويل و کما يقول المثل العراقي(جيب ليل وخذ عتابه) فهل قامت منظمة مجاهدي خلق بشئ من هذا الرکام النتن؟ لکن، وعلى الرغم من ذلك، فإن هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي، قد سبق له أيام کان مسؤولا لمکتب العلاقات الخارجية في الحزب الديمقراطي الکوردستاني، أن أکد بأنه لم تقم منظمة مجاهدي خلق بأية عمليات قمع ضد الکورد ابان الانتفاضة.
التعليقات (0)