مواضيع اليوم

بلدة مير اللفت مقبرة الحاضر ومنتجع المستقبل

عبدالله بولحيارا

2009-10-06 07:38:35

0

"إنها قرية صغيرة وعالم كبير" هكذا وصفها أحد الشباب لأحد أصدقائه الذين أتوها للاستجمام في عطلة نهاية الأسبوع, عالم مليء بالمتناقضات مقبرة حقيقية لأناس أتوها من كل البقاع, ربما بعد عدة سنوات ستحمل اسما آخر غير هذا الاسم, اسماً لمستعمرة عالمية تختلط فيها الجنسيات فتشكل خليطاً غير متجانس قوي الرائحة.
تقع بلدة "مير اللفت" في القطاع الترابي لجهة "سوس ماسة درعة" وتقع جنوب مدينة (تيزنيت) التي تتبع لها جغرافياً حوالي 32 كلمتر, يحاصرها من الغرب المحيط الأطلسي ومن الشرق قبائل الساحل وأيت باعمران ومن الجنوب مدينة سيدي إيفني ومن الشمال بلدة أربعاء الساحل.
- هي الملاذ لعشاق الوحدة والهدوء والرومانسية وأيضاً لمشاهير العالم والمغرب لكن متناقضاتها الكثيرة تجعل المرء يألف هذه الأجواء الجميلة التي تتميز بها عن غيرها من الأماكن ربما حتى منتجع "شرم الشيخ" الذي هو مفخرة مصر لا يمكن أن نجد فيه ما نجده في مير اللفت.
- الناس هنا يتداولون آخر الأخبار عن فلان وفلانة,الناس هنا بلا عمل, فهناك من انقطع عن العمل وهناك من يمضي آخر أيامه وهو ينظر إلى البحر ويتذكر الأيام التي خلت ويضع في جانبه الأيسر قنينة ماء الحياة تنسيه همومه, كل ما يفعلونه أنهم يأتون في الصباح إلى المقهى ويجلسون إلى كؤوس الشاي والقهوة ويتمتعون بالمال الذي كسبوه في بيعهم لقطعة أرضية تقع في محاذاة الشاطئ لفرنسي أو يهودي او أمريكي وما أكثرهم هنا بملايير السنتيمات يأخذون منها كل شهر في وكالتهم البنكية ما يكفيهم للعيش أما المستقبل فلا يهتمون لأمره ولا يعرفون لهذه الكلمة تأويلاً,
- الخبر الأخير هنا عن أغبى شاب في البلدة, يريد أن يسرق وكالة بنكية فأتاها من السطح ظناً منه أن لها باباً إلى السطح, فترصدته أعين عجوز أخبرت الدرك بشأنه وتم القبض عليه, أما الخبر الذي قبله فهو أن السلطات وجدت أربعة أشخاص في حالة تلبس رجلان وامرأتين (الفساد والخيانة الزوجية).
هنا الهدوء وهنا قانون الغاب(أقصد بين الناس وليس السلطة) وهنا الحرية وهنا أي شيء قد يخطر على البال سواء كان جيداً أو سيئاً ومهما بلغت فيه درجة الجودة أو السوء.
- إن كنت تبحث عن شيء مميز في العالم فهو هنا في "مير اللفت" وإن كنت تبحث عن المغامرة أو أي شيء يخطر في البال فهو أيضاً هنا في هذه الأرض.هنا ستجد من يتقن لغتك حتى الصينية واليابانية وربما حتى الكردية أما الأمازيغية فهي على كل لسان.
-غالبية السكان هنا في هذه الأرض يعملون مع الأجانب من فرنسا وبلجيكا وأمريكا وألمانيا…,فهناك من يعيش هو وأفراد عائلته مجتمعين في خدمة سائح واحد مع زوجته أو صديقته فيكون هو السائق وتكون ابنته الطباخة وتكون زوجته المكلفة بالنظافة ويكون ابنه حارس "الفيلا" أو القصر.
-" إنهم غير جديرين بالثقة" هذا ما قاله (لويس) الفرنسي, حينما فاتحته بالحديث بفرنسيتي الركيكة, سألني من أين أنت أخبرته أنني ضيف على هذه الأرض فقال جملته العنصرية,
فذكرته أن الناس السيئين موجودون في كل مكان في باريس وروما وبرلين ومدريد ونيويورك وبيكين والسلفادور وبرازيليا وفاس والقاهرة ودار السلام. وليس فقط في "مير اللفت" ولا يجب التعميم, لكنه قال أنه لن يخرج من هذه الأرض لأنه يحبها وتحبه هي الأخرى وأنه سيبقى هنا حتى يموت, قال أنه وجد هنا أشياء جعلته سعيداً وجعلت حياته تتغير وأن كل شيء هنا رخيص الثمن ويمكن لأي واحد أن يعيش هنا حتى في خيمة وسيعيش سعيداً رغم ذلك. وفي لحظة قال أنه في خلاف مع والده الباريسي حيث طرده من البيت لأنه يحضر صديقته ويمارس معها في البيت وهذا ما لم يعجب الوالد الذي طرد ابنه, ومنذ ذلك الحين وحياة الابن في مد وجزر وفي لحظة من عمره أتى إلى "مير اللفت" فألهمته وجعلته يقرر العيش فيها وإلى الأبد, يملك سيارة الدفع الرباعي لكنه يفضل دائماً ركوب الدراجة الهوائية المهترئة, ويفضل كذلك ارتداء ثياب رثة ليكون مثل عامة الشعب هنا في مير اللفت.حيث فضل حلق شعره بالكامل ويقول أنه سعيد بالعيش مع الناس هنا مع أنه لا يثق فيهم ويعجبه جداً أنه يراهم دائماً مبتسمين ولو كانت جيوبهم فارغة تماماً.

- الفتيات هنا من كل الجنسيات بغض النظر عن المحليات, إسبانيات وإيطاليات فرنسيات أمريكيات,بثياب البحر يتسكعن في الرمال يرشفن بأرجلهن الناعمة الماء وينطقن بكلمات غير مفهومة من أفواههن الجميلة, كم أعشق هذا المنظر؟.

- قبل مدة قصيرة أسقط أحد أبناء "مير اللفت" فتاة أوروبية وهي ابنة احد أثرياء البلدة الأوروبيين في شراكه فكان زفافه حفلة كبيرة في قصر الرجل الأوروبي حيث دعا إليها أبناء البلدة بأكملهم رجالاً ونساءً وأطفالا مما جعل طريق قصر الثري الأوروبي مليئة بالناس أشبه بسوق أسبوعي بين غادٍ ورائح ودعا إليها كذلك السلطة المحلية ولم ينس أحداً بل إنه جمع ما بين الثقافتين الأوروبية والمغربية وفي مراسيم الزفاف اعتمدوا على التقاليد الأمازيغية المغربية المحلية ومع احترام تام للدين الحنيف حيث اعتمدوا على العدول لتوثيق الزفاف وتلاوة القرآن من طرف عدد كبير من الفقهاء في اليوم الأول وهذا ما جعل الكثير من الناس يقصدون المكان. وكان الاحتفال بهذا الزفاف فرصة للبعض من شباب المنطقة لاستغلال الفرصة والانقضاض أو التعرف إلى حمامات أوروبا المهاجرات إلى "مير اللفت" ليحذوا حذو صديقهم المحظوظ. ويغادروا هذا الوطن ربما ليس إلى الأبد لأنهم على ثقة تامة أنهم يكنون له كل الحب لكن ما باليد حيلة فكلما بقوا هنا كلما ذهب عمرهم بلا فائدة.

- "مير اللفت" جنة بالنسبة لأولئك الأوانس الباحثات عن الحرية والإنعتاق من أيام أوروبا الباردة والمملة والمليئة بالسخافات على حد قولهن.فهي تجربة فريدة بالنسبة إليهن أن يأتين إلى مكان يجدن فيه كل ما يردن من لفائف الماريجوانا التي يعشقنها وقوارير الجعة وماء الحياة كل هذا يجعلهن يعشقن هذا العالم ويعبرن عن ذلك بصراخهن في الشاطئ حيث يرددن في غالب الأحيان "تحيا الحرية".

- هي الهجرة المعكوسة تقع هنا, حيث أن غالبية الشباب يغادرون دون لفت الأنظار في قوارب "الحياة أو الموت" كما يسمونها في اتجاه بلاد "النور" أي الشمال, وليس النور بمعنى الضوء أو الشعاع, حيث يأتي الغربي الأوروبي ويقضي عطلته وعطله كلها في حرية واستمتاع ليس لهم مثيل ويهاجر المحلي ويعيش في بلاد "النور" في غربة وفي تعاسة حقيقية ليس لها مثيل, هي ذي الحياة هنا في هذا المنتجع المستقبلي الذي يتمتع بصيت عالمي كبير, لكن لامبالاة السلطة من "الفوق" اعتمدت على بعض الأماكن في هذا الوطن فقط ورصدت مبالغ خيالية من أجل أن تجعل منها منتجعات هي في الواقع فاشلة ومدفوعة من طرف أشخاص لهم مصالح شخصية في ذلك. ونسيت أو تناست عمداً أو خطأً ربوعاً أخرى يمكن تسميتها بجنات المغرب و لن تستثمر فيها الكثير من المال وستأتي بنتيجة أفضل مثل "مير اللفت" و"إمسوان" و"أورير" و "الكزيرة"و"سيدي إيفني"…

-هي مقبرة إذن للعديد ممن يحلمون أن يكونوا ففشلوا… مقبرة لأشخاص وأحاسيس وأحلام والكثير من الأشياء مقبرة لأشخاص أتوها كضيوف فأصبحوا منها ويتكلمون لغتها ويتنفسون هوائها ولا يمكنهم تركها لأنها بالنسبة إليهم أملهم الأخير وحياتهم التي لم يعيشوها في عز أوطانهم سواء كانوا أبناء هذا الوطن أو ضيوفاً فقط. هي امرأة جميلة ألهمت الكثير من الرجال وجعلتهم يتنازلون عن أوطانهم من أجلها, هو رجل وسيم فاتح ذراعيه لجميلات أوروبا ممن يعشقن الحرية وجعلهن يتنازلن عن أوطانهن مهما بلغت مساحته ورضين بكلمترات معدودة من أرض "مير اللفت" وجعلهن يتنازلن عن أبناء بلدهن ورضين بأبناء الحرية أبناء هذه الأرض التي منحتهن الشعور الجيد والحرية وكل شيء.

عبد الله بولحيارا ـــتيزنيتـــ …
deelyara@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !