مواضيع اليوم

بقلم ليلى البلوشي - سلطنة عمان

غازي أبوكشك

2012-02-21 13:22:03

0

 

 

 

ليلى البلوشي

بقلم ليلى البلوشي - سلطنة عمان

lailal222@hotmai.com

بشأن الحركات الثورية للشعوب العربية الوضع مختلف تماما وليس له علاقة بتاريخ شخصي بقدر ما له أهمية عظمى ؛ لأنه يشكّل تاريخ شعب بأكمله ؛ و لأنها نابعة من شعوب بكافة أطيافها ولم تكن حركات انقلابية حزب عن حزب ؛ لهذا فمسألة تجسيد هذه الحركات وترسيخها لدى الأجيال القادمة حق أصيل وضروري ؛ كي يستلهم منها القادمون وتشهد أزمانهم على تاريخ أجدادهم وكفاحكم العريض في طلب الحرية والعدالة والقضاء على الفساد وتأصيل كل القيم النبيلة في أوطانهم لأجل مستقبل زاهر يشملهم ويشمل أبناءهم .. 

 

تحدثنا في مقالة الأسبوع الماضي عن مادة " التدبير المنزلي " التي خصصت في بعض الدول كمادة دراسية للإناث دون الذكور ، وكانت المقالة عبارة عن دعوة لجعلها ضمن مناهج الذكور نظرا للتبدل الحاصل في المجتمعات ..
والظريف في المسألة هو الخبر الذي قرأته من إحدى الصحف يشير إلى أن حركة " احتلوا " التي انطلقت الخريف الماضي في نيويورك في إطار حملة " احتلوا وول ستريت " للمطالبة بعدالة اجتماعية والتي انتشرت في بقية أنحاء الولايات المتحدة سرعان ما تحوّلت إلى مادة دراسية تعّلم في جامعة بمدينة شيكاغو ..
وذكرت صحيفة " شيكاغو صن تايمز " أن جامعة روزفلت في شيكاغو بدأت في الفصل الدراسي الجاري بتعليم مادة " احتلوا كل الأماكن " ، وهو صف علوم سياسية يتناول انطلاق الحركة ومسألة العدالة الاجتماعية في الولايات المتحدة ..
بينما قال " جيف أدواردز " الأستاذ الذي يدّرس الصف : " أدرّس الحركات الاجتماعية وهذا أمر يظهر الآن أمامنا " ..
والمدهش من كل هذا أن المادة من ضمن نشاطاتها هو قراءة صحيفة صادرة عن الحركة " احتلوا غازيت " والمشاركة في اجتماعات عامة يقيمها الناشطون ..
ياللغرابة .. حين نقرأ نحن – العرب – خبرا كهذا ..!
ففي وقت يستحدثت فيه الغرب مناهجهم الجديدة ؛ لتوازي عصرنة الزمن وتطلعات الأجيال الحديثة في مقابل ذلك تشهد أجيالنا الجديدة حالات الخلاف السائدة في دولنا العربية التي ما تزال متأرجحة في قراراتها وعلى اختلاف عريض عفا عليه الزمن للمطالبة بحق الإناث في مادة التربية الرياضة المخصصة لمدارس الذكور فقط .. !
يا ترى كم سنة ضوئية يلزم أوطاننا حتى تعتزم تدريس أجيالها مواد ثورية وهي التي كانت في مقدمة من أشعل فكرة الثورات ..؟!
بالنظر إلى كل من الدول التي شهدت حركات الربيع العربي تونس ومصر وليبيا واليمن .. بالنظر إليها سوف نرى أن مستوى التعليم فيها متردي ومتأخر وعلى حاله منذ سنوات عتيقة ..!
فالمناهج التونسية كما هي مذ زمن زين العابدين ولعل أطفالها يرددون مآثره الغابرة في نشيد وطني .. وأطفال مصر على - ما يبدو - ما زالوا يقلبون تلك الصفحات التي تعظّم رئيسهم المخلوع حسني مبارك .. بينما صغار ليبيا يرددون شعارات زعيمهم معمر القذافي ..!
كأنما دمج الحركات الثورية في منهاج المواد الدراسية سيغدو حلما عربيا آخر يضاعف إلى مجموع أحلامهم المشرعة في فوهة التاريخ ..!
في سياسات الدول الغربية تحرص كل دولة في الحفاظ على تاريخهم بخيرهم وشرهم على سواء ؛ ففي أمريكا كل حدث له أرشيف من الذاكرة الأمريكية التاريخية كما بقية دول العالم التي أبقت على قامات رموزها وثوارها ، بل حتى سفاحيها ومجرميها وجبنائها والخونة منهم ؛ فالتاريخ يعرض كما هو دون إسقاط حق ودونما تشويه ..!
أما في دولنا العربية ثمة عقول مشككة تعاني من توجّس دائم ووسواس قهري يأت الخلف ليقدس تاريخه الشخصي فقط ويلغ كل ما له صلة بالسلف السابق أو ما له علاقة بالتاريخ ؛ فعلى سبيل المثال عندما قامت أمريكا بإسقاط نظام حكم صدام حسين في العراق ، نهجت الحكومة الجديدة على إلغاء كل ما له صلة بالرئيس صدام ونظامه .. ولو قدّر لها على اقتلاع تاريخه من جذور العراق وكأنه لم يكن لفعلت ..!
على هذا المنوال الخلف يلغ تاريخ السلف وهو أمر حتمي ، ففي دولنا العربية يوجد ما يسمى نظام تقديس الأصنام ..!
لكن بشأن حركات الثورية للشعوب العربية الوضع مختلف تماما وليس له علاقة بتاريخ شخصي بقدر ما له أهمية عظمى ؛ لأنه يشكّل تاريخ شعب بأكمله ؛ و لأنها نابعة من شعوب بكافة أطيافها ولم تكن حركات انقلابية حزب عن حزب ؛ لهذا فمسألة تجسيد هذه الحركات وترسيخها لدى الأجيال القادمة حق أصيل وضروري ؛ كي يستلهم منها القادمون وتشهد أزمانهم على تاريخ أجدادهم وكفاحكم العريض في طلب الحرية والعدالة والقضاء على الفساد وتأصيل كل القيم النبيلة في أوطانهم لأجل مستقبل زاهر يشملهم ويشمل أبناءهم ..
لهذا فالمطالبة بدمج انتفاضة الشعوب ويقظتها وثورتهم حق شرعي يجب التأكيد عليه قبل أن تتولى أي قيادة جديدة زمام الرئاسة في تلك الشعوب .. وعدم إرسائها ما هو إلا دليل قطعي على طمس حقائق تاريخية من حق الأجيال القادمة معرفتها والمرور عبر أحلامها وتطلعاتها ..
قريب من هذا المعنى ما كتبه الروائي البرتغالي الحاصل على جائزة نوبل " خوسيه ساراماغو " في مقدمة روايته " مسيرة الفيل " : " علينا أن نعترف بأن التاريخ ليس انتقائيا فحسب ، بل هو تمييزي أيضا ، إنه لا يأخذ من الحياة إلا ما يتفق مع حاجاته المادية المجتمعية ، ضاربا عرض الحائط كل الأحداث الأخرى التي تخص ربما ملايين البشر ، والتي يمكن أن يكون أكثر أهمية مما تم تدوينه ؛ لأنها تلقي الضوء وتفسر الكثير من الأمور الغامضة في تاريخ الإنسانية ، وأقول لكم بكل صدق : إنني أفضل ألف مرة أن أكون روائيا ويسرد أحداثا متخيلة ، أحيانا كاذبة على أن أكون مؤرخا يشوّه الأحداث ويقدمها على أنها حقائق .. " ..
لذا فلنطالب بالمحافظة على تاريخ ورموز وشهداء وأبطال ومطالب و ثورات ربيعنا العربي من سرطان التشويه وتلاعب العابثين والمخربيّن ومشوّهي الحقائق ، وذلك عبر رصدها وحفظها في سجلات ووثائق كتابية وتسجيلية يرثها الخلف عن السلف ؛ ولتغدو ذاكرة كاملة عن شعوب عربية ولجت التاريخ بشرارة يقظتها 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !