*السيد محمد علي الحسيني.
لاشك أن للانسان كرامة إلهية خاصة من وحي قوله تعالى:
(لقد كرمنا بني آدم)، فهو محور الوجود والخلق ومقصد الرسالات السماوية والأنبياء،وإن كرامته محفوظة بغض النظر عن سنه ودينه ولونه وعرقه وما يملك،
فالإنسان هو نفخة من روح الله وفيه انطوى العالم الأكبر.
في المقابل حاول بعض المفكرين إبعاد الإنسان عن محور الحياة وجعل رأس المال والاقتصاد هو المحور والمقصد الأعلى، واعتبروا أن قيمة كل امرئ بما يملك من أموال، بل قالوا بأن أساس العلاقة بين أفراد المجتمع والأسرة هو النفع والدفع وليس الكرامة والاحترام والمودة، لكن ما حدث ويحدث مؤخرا في ظل انتشار كوفيد 19 أماط اللثام عن الوجه الحقيقي للفكر الراسمالي الذي طالما تفاخر مناصرو هذا التيار بمدنيته وعدالته وبحقوق الانسان والمساواة والتعاون.
مع انتشار كورونا ..كبار السن قرابين الفكر الغربي
تواجه الإنسانية امتحانا كبيرا في تاريخها، في ظل اكتساح فيروس كورونا العالم بمناطقه وقاراته، هذه الجائحة التي تختبر صبرنا وإنسانيتنا بالدرجة الأولى وما نملك من ضمير لنتعاون جميعا كل حسب اختصاصه وموقعه، لمواجهة هذا الوباء ومعالجة المصابين وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح البشرية، هذا ما يجب أن يكون عليه الحال، لكننا صدمنا بما يحدث بمستشفيات في بعض الدول الغربية، التي بدأت تتعامل مع كبار السن المصابين بفيروس كورونا باعتبارهم لا فائدة من حياتهم وبالتالي تركهم لمصيرهم.
هذه الحالة التي وصل إليها أولئك المتشدقون بقيم الإنسانية، سقطت عند أول امتحان لهم، مهما كانت الأسباب والمبررات، لا شيء يسوغ ترك العجائز دون بذل جهد لمعالجتهم، لأن تركهم للموت يعني إنسلاخا كاملا من الجانب الإنساني، وقد وصلنا إلى هبوط في الحضارة الانسانية الراهنة.
قيم الشرق تسطع من جديد..وتؤكد على كرامة الإنسان
كبار السن من المصابين بفيروس كوفيد 19 يقدمون قرابين على مذبح الاقتصاد الغربي، فالقوي هو من له حق البقاء، ولا وجود للتراحم بين الحاكم والمحكوم وبين أفراد الأسرة، ودولة تسلب دواء دولة.
حالة من الضياع يعيشها الغرب، فكورونا سيكون له تداعيات فكرية وفلسفية اجتماعية أكبر من ارتداداتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والصحية.
هذا الوباء سيكون سببا في مراجعة تلك القيم الوهمية التي بنى عليها الغرب أسطورة عدالته التي أصبحت في زمن كورونا سرابا يحسبه الضمآن ماءً، في مقابل القيم الشرقية التي ستضيء للعالم من جديد حيث مهد حضارات الأنبياء ونبض الكرامة الإنسانية التي جسدها رسل السماء، على رأسها ما قاله خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه واله وصحبه وسلم : "ليس منا من لم يوقر كبيرنا"، حيث يتبين لنا من خلاله:
1-تقدير الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وإجلاله للكبار والمسنين.
2-حثّ الإسلام على توقير الكبيرِ وإكرامِه.
3- التأكيد على حقوق الكبير في الإسلام .
4-الشيخوخة موجبة للخير والبركة .
5-سبق الإسلام إلى تكريم كبار السن.
نماذج خالدة في التاريخ الإسلامي عن المعاملة الانسانية للكبير
كثيرة تلك الأمثلة التي يزخر بها التاريخ الإسلامي المشرف بالنماذج التي رسخت المبادئ الإسلامية القائمة على العدالة والقيم الإنسانية، وعلى سبيل المثال لاالحصر نذكر قبل ١٤ قرنا كان خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وارضاه كعادته يسير بين الطرقات لتقصي الأخبار وأحوال الناس فقابلته امرأة وعرفته، فقالت يا أمير المؤمنين إن لي مطلب وأنا ممن يخضعون لحكمك وقد ولاك الله علينا.
فقال عمر وما هو مطلبك؟، فقالت أنها استدانت مبلغ من المال حتى تستطيع تجهيز ابنتها للزواج ولا تستطيع سداده.
فسألها عمر وكم المبلغ؟، فقالت 100 درهم.
كان عمر وهو يحادث المرأة قد رأى الصليب المعلق في رقبتها فعرف أنها مسيحية فطمئنها بأن مطلبها سوف ينفذ.
وقصة أخرى عن خليفة المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وارضاه عندما التقى ذلك الشيخ جالسا على قارعة الطريق يستجذي العطف والعطاء، فهال ذلك أمير المؤمنين، فصاح في معاونيه: ما هذا؟
فأجابوه: "إنه شيخ نصراني!"
فقال: "ما أنصفتموه! هذا ليس من العدالة الاجتماعية، استعملتموه قويا وتركتموه كبيرا ضعيفا"
فجعل له علي راتبا تقاعديا من بيت المال.
وكان هذا درسا تاريخيا وإنسانيا، يجسد العدالة الانسانية القرآنية المحمدية، استقى منه الغرب نظام الضمان الاجتماعي للعاجزين والمسنين، لكنهم نسوا وجهلوا الهدف الأسمى الذي دفع بأمراء الإنسانية والعدالة لتكريس هذه المفاهيم الإسلامية الثابتة والخالدة لحماية كرامة الإنسان.
التعليقات (0)