الانفتاح والتعاون بين رموز علماء المذاهب الإسلامية سبيل لتحقيق الوحدة الإسلامية
*العلامة السيد محمد علي الحسيني.
عانت وتعاني أمتنا الإسلامية من مشكلة الصدام الحاصل بين أتباع المذاهب الإسلامية بل بين أتباع المذهب الواحد، تسببت هذه الصدامات في الكثير من الخسائر وتركت أثرا عميقا وثلمة في تاريخها، مازالت تعاني منها إلى يومنا هذا.
إن العودة إلى التاريخ الإسلامي للوقوف عند الكثير من الأحداث الدموية التي ارتكبت باسم هذا المذهب أو ذاك كلام ذو شجون، ولكن ما يجب التأكيد عليه أن أصل المشكلة لم يكن في يوم من الأيام دينيا، بل كان سياسيا ومخططات شيطانية لعبت على تقسيم الأمة باستخدام التنوع الإيجابي بين المذاهب وتشويهه وتخريب مساره نحو نفق مظلم لتبقى هذه الأمة الواحدة مشتتة في مفاهيم ظلامية وضعها السطحيون واستغلها أعداء الأمة لضرب وحدتها وأمنها واستقرارها.
*دور العلماء المعتدلين في الدعوة إلى الانفتاح مع المذاهب*
ليس بالإمکان أبدا التقليل من جهود علماء أجلاء وعظام نظير الشيخ محمد عبدە والشيخ محمود شلتوت وجمال الدين الأفغاني وآخرين أمثالهم، بذلوا أعمالا مثمرة وخلاقة في مجال الدعوة للوحدة الاسلامية ونبذ کل أشکال الفرقة والاختلاف والسعي للمزيد من التقريب بين المذاهب الاسلامية عموما، والمذهبين السني والشيعي بوجه خاص، وهنا نقف عند الكلام العميق الذي قاله الشيخ جمال الدين الأفغاني عن الوحدة :"لقد جمعت ما تفرق من الفكر ، ولممت شعث التصور ، ونظرت إلى الشرق وأهله ، فاستوقفتني الأفغان ، وهي أول أرض مس جسمي ترابها ، ثم الهند ، وفيها تثقف عقلي ، فإيران بحكم الجوار والروابط ، فجزيرة العرب ، من حجاز هي مهبط الوحي ، ومن يمن وتبابعتها ، ونجد ، والعراق وبغداد وهارونها ومأمونها ، والشام ودهاة الأمويين فيها ، والأندلس وحمراؤها وما آل إليه أمرهم ، فالشرق الشرق ، فخصصت جهاز دماغي لتشخيص دائه ، وتحري دوائه ، فوجدت أقتل أدوائه داء انقسام أهله، وتشتت آرائهم ، واختلافهم على الاتحاد، واتحادهم على الاختلاف ، فعملت على توحيد كلمتهم وتنبيههم للخطر الغربي المحدق بهم )، فعلا هذا الكلام يلخص طبيعة العمل المضني الذي كانوا يقومون به لتوحيد كلمة الأمةوقد ظل هذا النفس المخلص والجهد النبيل المبذول أساسا من أجل عزة الدين الإسلامي ورفعته، ماثلا ومستمرا ونابضا في قلب ووجدان کل المخلصين والخيرين من علماء ومفکري الأمة الإسلامية من کافة المذاهب من دون أن تکون هنالك أية نوايا أو أهداف طائفية ومذهبية ضيقة أو أجندة سياسية وراء ذلك.
*فكرة التقريب بين المذاهب أصلها ثابت في النصوص الشرعية*
إن التقريب بين المذاهب، هو في مضمونه الأساسي نابع من عقيدة التوحيد التي بني على أساسها الدين الإسلامي وأنه يستمد قوته واستمراريته وفق هذا الفهم الراسخ في إطار قوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا"، وکل عمل مبني على نية خالصة ومخلصة من أجل رفعة وسٶدد دين التوحيد، فإنه لله عز وجل وأن نتائجه النهائية ستظهر للأمة جمعاء حيث أن(ماينفع الناس يمکث في الارض) ومن أجل ذلك، فإن اسماء ذلك الرعيل المخلص الذي ألمحنا إليه في بداية مقالنا هذا، قد بقيت خالدة وحاضرة في الذاکرة والذهن الاسلامي فعملوا بقول الله عز وجل : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ"وكانوا کقبس ومنار يهتدي ويقتدي به الجميع هديا بهدي محمد (ص) الذي قال: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " كما انها محفز ودافع للإلهام لکل الخيرين والمخلصين من أبناء الأمة الاسلامية ممن يرومون إصلاح ذات البين أو ردم الهوات والعمل الدٶوب من أجل المزيد من التقريب والتفاهم بين المذاهب.
* التقريب بين المذاهب نهج مستمر ودعوة باقية*
إن الدعوة للتقريب بين المذاهب الاسلامية، ليست بمٶسسة رسمية تٶسس أو تلغى من قبل الحکومة الفلانية، وأن هکذا جهد مبذول أساسا في سبيل دين التوحيد، ليس بالإمکان مطلقا حجزه أو حشره ضمن أطر رسمية ضيقة بحيث ينصب أو يعزل کل من يعمل في مجالاته بقرار من الحاکم الفلاني، وإنما هو أساسا وکما أسلفنا جهد مبذول من أجل الله وفي سبيله وأن الباري عزوجل هو من سيجزي ويثيب وليس غيره، لذلك من السيء جدا أن يتعطل هذا العمل ويتأثر بمناخات السياسة المتغيرة، وبأهواء رجال غير ثقة ينطلقون من مفاهيم خاطئة عن الإسلام، لذلك تحتاج الوحدة الإسلامية إلى تيار إصلاحي وحدوي منفتح على جميع المذاهب الإسلامية لاستيعاب وفهم خصوصية كل مذهب وصبهم جميعا في جامعة الإسلام الواحد لتحقيق مصلحة الأمة الإسلامية.
التعليقات (0)