تتميز شعيرة الحج بكونها ركناً مهماً من الأركان الأساسية التي بني عليها الإسلام، وهي من الشعائر العبادية الخالصة التي يتقرب بها المسلم إلى الله عزّ وجلّ وقد أكد عليها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في أحاديثه الشريفة وورد ذكرها في القرآن الكريم.
*الحج شعيرة عبادية تطهر القلوب وتسمو بالروح وتضمن وحدة المسلمين وتآلفهم
تتجلى أهمية شعيرة الحج بالإضافة إلى مضمونها العبادي البحت الذي له فوائده الروحية العميقة في تصفية وتنقية أغوار الإنسان، بأنها تساعد على وحدة المسلمين وضمان تكاتفهم وتآزرهم وتآلفهم ونبذ الخلافات وكل أشكال التنافر والتباعد والخصومة وبنفس الوقت تسوي بينهم فلا فرق بين أبيض وأسود وأصفر ولا عربي ولا أعجمي ولا فقير ولا غني.
الحج، بمثابة محطة روحية لكل الأمة الإسلامية وواحدة من أبرز مظاهر العزة والتلاحـم والتقرب إلى الله حيث أن المسلم (من أي بلد أو عرق كان)، يشعر بالطمأنينة والألفة والسعادة الروحية القصوى وهو يجد إلى جانبه ذلك الحشد والجمع الهائل القادم من مختلف بلدان العالم الإسلامي والذي يحوي بين صفوفه مختلف الأعراق الإنسانية، وإذا ما كانت شعيرة صلاة الجماعة يقيمها المسلم في بلده ومع أبناء بلده، فإن شعيرة الحج يقيمها بالتكاتف والتآزر مع أبناء أمته الإسلامية القادمين من بلدان العالم الإسلامي ومن سائر أرجاء العالم أجمع.
*مضامين الحج ثابتة لا تتغير..وإخراج الحج عن سياقه بدعة ضالة لا بد من التصدي لها
لقد كان الحج وطوال أكثر من 14 قرن، شعيرة عبادية توقيفية تمنح المسلمين مشاعر الطمأنينة والبهجة والصفاء الروحي حيث تهفو القلوب إلى بارئها في بيته المبارك طامحة بالمغفرة والتقرب إلى نور وجهه الكريم، وخلال أيام الحج المباركة، تعارف المسلمون على نزع ما في صدورهم من غل وحقد وكراهية ولو بمقدار شروى نقير وملئ فضاءات أرواحهم ونفوسهم بكل معاني الحب والألفة والتودد والتحابب عملاً بما جاء من أحكام بهذا الخصوص في محكم الكتاب المبين وفي الأحاديث الشريفة المتواترة عن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وإنه لمن الغريب جدا أن نجد هناك من يسعى إلى جعل هذا المضمون والمعنى الروحي والأخلاقي البليغ لشعيرة الحج بصورة مغايرة تماماً وهو أمر من السهولة أن نجد الاستهجان رديفاً له، ذلك أنه وكما ورد في القرآن الكريم: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).
إن مناسك الحج وكما ورد في الشرع الإسلامي عبر ركنيه الأساسيين (القرآن والسنة النبوية) وطبقاً لما ذكرته أمهات الكتب والمصادر الإسلامية وما عليه إجماع العلماء، لم تكن سوى شعيرة عبادية ذات بعد روحي خالص وليست فيها أي شائبة أو رواسب أو مخلفات أخرى، ومن هنا فإن من واجب كل مسلم أن ينهى عن أي مظهر سلبي من تلك المظاهر التي هدفها الإضرار أو النيل من شعيرة الحج.
إننا من موقعنا الإسلامي، ونحن على أعتاب فريضة الحج، نحذر بشدة من أي عمل أو تحرك سياسي مشكوك أو مشبوه من شأنه الإخلال بمناسك الحج وحرفها عن مقاصدها وغاياتها الشرعية الأساسية ولاسيما من حيث بدعة تسييسها وجعلها سوقاً أو دكاناً لعرض شعارات أو مناهج سياسية محددة أو منصة للمواقف السياسية.
*الحج تاج العبادات والتعاون مع إدارة الحج بإشراف المملكة العربية السعودية في ظروف مناسبة مسؤولية الجميع
إننا في ظل المشاريع المغرضة الساعية إلى تقسيم الأمة وشرذمتها وإخراج شعيرة الحج من مضامينها العبادية، ندعو إخواننا الحجاج من مختلف بلدان العالم إلى الانتباه إلى ذلك والتعاون المثمر والبناء مع السلطات المكلفة بتيسير وتمشية أمور الحج في المملكة العربية السعودية ضمانا لعدم تحريف الحج أولا “وهو واجب شرعي” وعدم الإضرار بأمن وسلامة الحجيج ثانياً، وإننا واثقون من أن إخواننا الحجاج لن يسمحوا أبداً بظهور أو تفشي أية مشكلة بمقدورها التأثير على مناسك الحج.
نذكر بقول الله تعالى في كتابه الكريم: (الْحَجُّ اَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلارَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَانَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا اُولِي الاَلْبَابِ).
*النفس تهفو لبيت الله تستشعر ديار الوحي والرسالة و أنفاس النبي
إننا نرفع الأكف للقاصدين بيت الله تبارك وتعالى في أيام الحج أن يعود علينا بالخير واليمن والبركة، فالقلوب تهفو لتلك الديار الحبيبة، حيث ديار الوحي والرسالة و أنفاس النبي الأمي الأمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تحدث عن حقبة فريدة من حقب التاريخ ، وحيث يستشعر الزائر لتلك البقاع وكأنه يعود إلى ألف وأربعمائة عام من السنين، يتصور جبريل وقد بسط جناحيه على شعاب مكة ووهادها، فيتمني لو رزقه الله حج بيته كل عام.
الحج من أعظم شعائر الإسلام، وأفضل ما يتقرب به إلى الملك العلام، لما فيه من إذلال النفس وإتعاب البدن، وهجران الأهل و التغرب عن الوطن، ولما فيه من رفض العادات وترك اللذات والشهوات، إضافة إلى ما فيه من إنفاق المال وشد الرحال، فهو رياضة بدنية نفسانية، وطاعة مالية.
فهنيئا للحجاج بيت الله الحرام في عامهم هذا، ونسال الله أن يكتب لهم حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً، إنه ولي كل نعمة وهو أرحم الراحمين
*السيد محمد علي الحسيني
التعليقات (0)