منذ أيام عجاف وعندما كنت محاصراً برؤية فقراء أفارقة وهم يعبثون في برميل القمامة..ويبحثون عن بقايا طعام.. قلت لنفسي: اللعنة على الأغنياء النائمين تحت التكييف المركزي.. والذين لا ينظرون للسائل والمحروم، واللعنة على القلوب القاسية.. فأجابت نفسي الأمارة بالسوء: لا جدوى من أي شيء. قلت لها: ما العمل إذن؟ لتجيب بصوتها الإغوائي الغريب: هيا مزق الأوراق التي أمامك. فمزقتها. حطم الأكواب وفناجين القهوة التي لا تقوى على إزاحتها. فحطمتها، العن المال واكره الحاجة الى سد الجوع. فكرهت. غادر المنزل إلى أول بحر تراه. فغادرت. اسبح إلى أن تبتلعك المياه تماما. فما كان مني إلا أن عدت إلى الشاطئ بما تبقى لدي من قواي الخائرة لأرتمي على الرمال لاهثا.
بعد عودتي الى المنزل بثلاث ساعات.. مازال الفقراء الأفارقة يعبثون.. لعلى وعسى أن يجدوا لقمة عيش لنهارهم وليلهم.. بينما المارة لا تدفعهم سجيتهم الى الاقتراب منهم فيما يصنعون.
وبكل قواي أتجنب ملامسة كل مشهد يذل كرامة الإنسان.. كل صورة مشوهة بحرمان الجوع والعطش.. وأي ملمح ورؤية تؤلم القلب.. الأم الإفريقية وأطفالها الخمسة يتلذذون في البحث في فضلات الآخرين.. وأنا أراقب بوجع هذا المشهد الفقير.. من خلف نافذتي.. يا إلهي، كم هو صعب وأنا أرى عبادك جوعى.. والباقون من عبادك في ترف وبذخ.
وفي مشهد لا يقوى القلب على تحمله.. تعاركت طفلتان على حصول واحدة منهما على بقايا طعام.. منظر تمنيت ألا أسمع أو أقرأ عنه في صحف او جرائد.. فكيف لي وأنا أشاهده بعيني.. رحمتك يا رب.
كل شيء لا يبشر.. ولا يطمئن على خير.
هكذا يحضرني ما قاله جدي رحمة الله عليه.. لا أعرف أين وكيف لأفاجأ بأنه عن مشهد لسد الحاجة بمعنى أن "كل نفس تبحث عن حاجياتها في مكان قذارات وروائح كريهة" فقد التصقت بتلك الخصيبات التي تعودتها.. لا بل صارت جزءاً من حياتها التي تذهب جوعها.
سطور تحضرني وأخرى تغيب تعاودني وأعاودها مع كل التفاتة لذلك البحث عن بقايا طعام في قذارة لتختلط مع كرامة الإنسان وفعل الحيوان على سجيته.. والدال والمدلول وما بينهما ذل وإهانه مع فقراء راضين بأنهم وجدوا أنفسهم على هذه الشاكلة.. أمضيت ساعتين وأنا أشرح لنفسي بهذا المشهد الفقير.. لا أعرف لماذا البحث عن بقايا طعام في قذارة.. من يمد يده إليهم.. كي ينقذهم من الحاجة المعفنة.. والمقززة ومن ثم يدخلهم في فرح دائم.. اين أصحاب القلوب الرحيمة؟ اين شجاعة وسخاء ابن الوطن وهو يقف امام الله خمس مرات يوميا في خشوع وسكينة؟ أفيقوا قبل ان نسقط في قذارة.. ولو بعمل صالح.. ويا أمان الخائفين.
التعليقات (0)