مواضيع اليوم

بقاء الياسمين...ناجي ظاهر فلسطين

مهندس سامي عسكر

2010-11-25 15:34:06

0

أرسلت أمي ذات صباح نظرة ذات معني وقالت: إسمع يا ولد...أحسست في صوتها برنة غريبة لم أسمع مثلها سوى مرتين في حياتي...كانت الأولى قبل نحو ثلاثة عقود يوم طلبت مني أن أستيقظ فاستيقظت لأجد أبي قد مات..وكانت الثانية يوم أن أخبرتني أن  أختي المقيمة في بلدة أخري ... بعيدة عن الناصرة قد احترقت... دق قلبي بخشية: نعم يا أمي....إسمع يا ولد لقد كبرت وأنا لا أريد أن أكون عبء علي أحد..يوم الخميس سأذهب إلي مكتب الشئون الاجتماعية وسأسأل هناك إن كان بإمكانهم أن يرسلوا إلي من تقوم بمساعدتي حتي أبقى في هذا البيت ..وإن لم أجد ذلك سأطلب أن يأخذوني إلي ملجأ العجزة في مدينة طمرة...تأميني الشخصي يغطي تكاليف مكوثي هناك لا أريد أن أضايق أحدا سأبقى هناك حتي أموت...صمتت أمي وران صمت علي الغرفة ...أتراها أرادت أن تمتحن قدرتي علي فراقها؟ أم أرادت أن ترسل كتاب عتاب إلي أختي المقيمة في بلدة أخرى وتلك المقيمة بالقرب منها وربما إلي وإلي زوجتي المتمردة وأخوي وزوجتيهما؟...سألت أمي : لماذا تقولين هذا الكلام؟ فردت ..أنت تعرف أني قضيت عمري لا أحتاج إلي أحد وها هو المرض يهدمني ...لكنك مريضة يا أمي ولست أول من يمرض ولا آخر من يمرض ثم إن الله خلق الطب والدواء ...أي دواء يا ولدي وأي طب؟  الموت هو مصير كل إنسان ...فهمت ما أرادت أن تقوله إلا أنني تغابيت في مثل هذه المواقف .....أعطني يا أمي يومين أو ثلاثة أيام حتي أرى ما يمكن أن أفعله...وهزت أمي رأسها علامة الموافقة ...مضيت خارجا من البيت لا أعرف أين أتجه ولا ماذا أفعل...سرت في الشارع ..كان حزينا ..مددت يدي إلي شجيرة ياسمين استرخت غلي سور بيت الجيران شعرت بأن الياسمين حزين..ترى سيأتي يوم أيها الياسمين ولا أراك؟ لولا وجود أمي في هذا البيت ما أتيت إلي هذا الحي الياسمين وتصورت دمعة تهمي من عين الياسمين وغصة في حلقي ....إلي أين سأذهب تاركا هذا الياسمين؟...ومضيت لا أعرف إلي أين أذهب وبي رغبة في أن يبقى الياسمين في أن ينشر رائحته الذكية في البيت والحارة والبلدة...ماذا بإمكاني أن أفعل ؟ وإلي أين أذهب في هذا الصباح ؟ هل أذهب إلي أختي في البيت القريب أستجديها أن تحدب علي أمي ؟ كما رعتها أيام كنا صغارا؟ أم أذهب إلي زوجة أخي أو أذهب إلي زوجتي ؟إلي أين أذهب وأنا أعرف الأجوبة مسبقا؟ أأبقى بانتظار يوم الخنيس ؟ وأن تنتهي الأشياء من تلقاء نفسها؟ أعرف أن أمي أرادت أن تحضرني للحظة الأصعب في حياتي وإلا لماذا اختارتني من بين الجميع لتخبرني بما أخبرتني به ؟ أعرف أنني أعز عليها وأنها تعيش حتي هذا الوقت ولم تسأم تكاليف الحياة من أجلي أنا طفلها البالغ ابن الخمسين.... هي لم تخف إحساسها وقالتى لابنتي الشابتين يوم تكرمتا ورزارتاها إنها تحبني أنا أبوهما وأنها لولا وجودي إلي جانبها لكانت ماتت من زمااااان ...(ناجي ظاهر).... فلسطين ......العدد 590 يناير 2008 مجلة العربي




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !