المالكي: يحذر دولا من الإرهاب
الطالباني: يتهم دولا بتصدير الإرهاب
لقد أضحت حكومة المالكي في مهب الريح، وافتقدت السند القانوني والدستوري، بعد أن علقت جبهة التوافق عمل وزرائها الستة في الحكومة، فالتحقت بذلك بالكتلة الصدرية التي سحبت وزراءها الخمسة في الحكومة قبل أكثر من شهر واحد، وبهذا الانسحاب تكون جبهة التوافق قد وضعت حدا للتفاهمات السياسية السابقة حول تسميتها بحكومة الوحدة الوطنية؛ ووفقا لهذه المعطيات تصير حكومة المالكي فاقدة لشرعيتها القانونية ونصابها الدستوري في البرلمان، بعد انسحاب هذا العدد الكبير من الوزراء وتحولها لحكومة من طيف واحد هو حزب الدعوة وجماعات سياسية صغيرة.
لكن المالكي وبدل أن يلتفت لهذا الإشكال القانوني والدستوري الذي تعانيه حكومته، فضل أن يشغل نفسه بقضايا هامشية لن تفك – بأي حال من الأحوال – أزمته السياسية الحالية، ولن تفيده في التصدي للملفات الساخنة التي يفرضها الوضع الأمني المتردي الذي أثبت بالملموس عدم نجاعة خطته الأمنية المستمدة من الإستراتيجية الجديدة الأمريكية بالعراق.
فخلال زيارته لمقر مديرية مكافحة الإرهاب في بغداد، أمدته هذه المديرية الفاشلة في القضاء على عمليات المقاومة العراقية والناجحة لا محالة في تأجيج الحرب الطائفية، أمدته بمعلومات بائسة تقول أن "اعترافات عناصر تنظيم القاعدة الذين تم إلقاء القبض عليهم في العراق كشفت عن خطة لتعميم حالة الإرباك الأمني" في "الدول التي تعاني مشاكل دينية وطائفية من أجل تعميم حالة الإرباك الأمني فيها"، و حذر المالكي من هذا المخطط الواسع والخطير الذي تعد له "القاعدة" المحاصرة والتي تتلقى - حسب رأيه -"ضربات قاصمة في العراق وإنها تقوم بعملية تهريب عناصرها إلى دول أخرى سهلة الاختراق وفتح معارك هناك للتغطية على هزائمها"، وقد عزى هذا التحذير إلى كونه يعز عليه "أن تواجه الدول الشقيقة ما يعانيه الشعب العراقي من آفة الإرهاب".
و بهذا يكون المالكي قد تحول من حاضن وراع للإرهاب وداعم لفرق الموت التي أزهقت أرواح العراقيين الأبرياء، إلى مبشر متأخر ونذير متخلف بالفوضى الخلاقة كما أبدعتها سيدته وتاج رأسه وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس؛ وكأنه بهذا التحذير قد أماط اللثام عن معلومات خطيرة قد تساعد الدول التي يعنيها بكلامه في التصدي لهذه التهديدات التي تقض مضجعه هو دون سواه، متناسيا أنه وخلفه وأمامه جند راعيته أمريكا قد فشل فشلا ذريعا في صد عمليات المقاومة العراقية الشريفة وهزمها.
و الملفت للانتباه أنه في الوقت الذي كشف فيه المالكي عن هذه المعلومات المهزلة، كان جلال الطالباني يقف في مؤتمر الاشتراكية الدولية بجنيف، يبكي وضع العراق المتردي إلى أبعد الحدود، مستجديا دموع رفاقه الذين لن ينفعوه بالتأكيد في فك طلاسم المأساة العراقية، لأنهم متيقنون من أن مفاتيح الأزمة كلها بيد البيت الأبيض دون سواه؛ حيث أعلن أن "العراق يتعرض ومنذ تحريره من الدكتاتورية إلى غزو خارجي للإرهابيين القادمين إليه من شتى أنحاء العالم العربي من المغرب العربي وليبيا ومصر واليمن والسعودية والأردن وسورية مستفيدين من تساهل الحكومات المعادية للعراق الديمقراطي الفيدرالي وحتى من مساعدات مالية سخية تقدمها هيئات تدَعى الإسلام في هذه البلدان حتى أصبح العراق ميداناً لتواطؤ أغلب هذه الحكومات ضد شعبه"، مرجعا ذلك إلى ما أسماه "الخوف من الديمقراطية العراقية الناشئة التي إذا توطدت واستقرت ستلهم شعوب الشرق الأوسط للمطالبة بالديمقراطية المحرومة منها وتلهم القوميات المظلومة للنهوض للمطالبة بحقوقها القومية".
من هنا يتضح جليا عمق اهتزاز الرؤية السياسية لقيادات العراق الجديدة التي يعول عليها الشعب العراقي في إخراجه من محنته، ومن هنا يتبين بالملموس انعدام الانسجام المطلوب على مستوى المقاربة السياسية لما يجري بالعراق اليوم، كل يغني على ليلاه، الأول يمني نفسه البئيسة بتصدير الأزمة إلى دول لن تكون بالتأكيد شقيقة له كما ادعى في بيانه، والثاني ينتهز فرصة وجوده بين رفاق وهميين لينفث جام حقده و تعصبه في وجه الدول العربية التي لم تبارك جلوسه على كرسي رئاسة زائف مصنوع أمريكيا من جثت أبناء العراق الأبرياء.
لكن عدم التناغم هذا يعود بالأساس إلى عدم قيام الجنرالات الأمريكيين المرابطين على أرض العراق بالدور المطلوب منهم، وهو ما يفسر بالتقصير في أداء واجباتهم التي قدموا لأجلها، ذلك أن الواجب يفرض على هؤلاء الجنرالات إملاء التصريحات و البيانات التي يتوجب على المالكي والطالباني تلاوتها بالمؤتمرات واللقاءات والندوات الصحفية أمام وسائل الإعلام، إلا أن هذا التخبط و التداخل والتناقض بين الرجلين لا تفسير له لدى رايس سوى أنه يندرج ضمن مفهوم الفوضى الخلاقة داخل حقل الخطاب السياسي العراقي الرسمي، ولا تبرير له لدى بوش سوى كونه إرهاصات أولى للنظام الديمقراطي الذي يبشر به العراقيين ويعدهم بتحقيق وفق النموذج الإسرائيلي، حيث لا يُسمح هناك بتولي المناصب العليا إلا للذين تلطخت أيديهم بدماء الفلسطينيين خصوصا ودول الطوق عموما، مما يمنح العراقيين الاطمئنان على مستقبل بلادهم التي لن يدير شؤونها سوى أولئك الذين أتقنوا حرفة العمالة للأمريكان وتفننوا في قتل الشعب العراقي واغتصابه والتنكيل به.
التعليقات (0)