بغداد صامدة في يوم رهيب
David Ignatius - Washington Post
قرابة الوقت الذي قام فيه منفذو العملية بالتفجير، كنت أحوم فوق مدينة بغداد في مروحية من طراز بلاك هوك Black Hawk برفقة الجنرال ديفيد بتريوس، لمشاهدة تطورات العاصمة العراقية.
من الأجواء في صباح يوم الأحد، بدت هذه أشبه بمدينة أعيد ترميمها. يمكنك أن ترى الزوارق المزودة بالمجاذيف تطفو بخفة في البركة في منتزه الزوراء، وسيارات السباق الصغيرة والمنزلقات المائية، وفي كل اتجاه، مدارس جديدة، وملاعب كرة قدم، والمستودعات المزدحمة، أمور تحصل جميعها تحت مظلة العراق الجديد.
لكن في وقت لاحق، تبين أن هذا صباح جهنمي، فقد فجر إرهابيون عبوتين ناسفتين ضخمتين موضوعتين في سيارتين في وزارة العدل وإدارة بغداد الإقليمية، مما أودى بحياة أكثر من 100 شخص وتسبب في جرح أكثر من 500. كان هذا أسوأ يوم عنف لهذا العام، وكان كما أراد الإرهابيون، تذكيراً بهشاشة الأمن العراقي.
قرابة الوقت الذي قام فيه منفذو العملية بالتفجير، كنت أحوم فوق المدينة في مروحية من طراز بلاك هوك Black Hawk برفقة الجنرال ديفيد بتريوس. بصفته القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق من عام 2007 حتى عام 2008، ساعد في إرساء الاستقرار هنا. كان عائداً يوم الأحد بصفته قائد القيادة المركزية الأميركية، وقد قرر في طريق العودة من المطار إجراء إحدى جولاته الجوية السريعة على المدينة، جولات اعتاد أن يقوم بها باستمرار حتى أن الطيارين منحوها تسمية «المطر الأرغواني».
بدت إشارات الانتعاش في كل مكان، وقد علّق بتريوس مشيراً إلى حي كان منذ بضع سنوات أشبه بمدينة أشباح. ثم أضاف مشيراً إلى موقع بناء جديد «من الجيد دائماً رؤية رافعة، وازدحام السير، من الجيد رؤيته».
أشار بتريوس إلى الأدلة على عودة الحياة إلى طبيعتها: المدارس، ومراكز الشرطة، والمدرجات الرياضية، ومحطات الباصات والقطارات، والمتنزهات والأسواق والمطاعم المنتشرة على ضفتي النهر. ولأصدقكم القول، ذكرني المشهد العام للمدينة ببغداد التي زرتها في البداية عام 1981، كبيرة ومليئة بالأبنية، ومعروفة جداً بالنسبة إلى مدينة عربية.
لم نعرف بحدوث التفجيرات المرعبة إلى أن حطت المروحية في المنطقة الخضراء. أعتقد أن ذلك يعطيك فكرة عن الفارق بين الحياة عن قرب، وما تراه عن علو مئات الأمتار، على الأرض، لم تكن هذه الوزارات الجديدة المطلية حديثاً والبغداديون المنهمكون بالعمل، بالنسبة إلى الإرهابيين، إلا أهدافاً كثيرة.
عندما انفجرت العبوتان، وكما أخبرني صديق عراقي لي في وقت لاحق، انقطع نظام الهاتف الخليوي بشكل مؤقت، فيما هرع الناس بقلق إلى الاتصال للاطمئنان على سلامة أحبائهم. قد ينسى الأجانب، عندما يرون المذبحة المستمرة في بغداد عبر التلفزيون، أن العراقيين بشرٌ كغيرهم؛ هم يحبون زوجاتهم وأولادهم وأجدادهم تماماً كما أفعل أنا وأنت، وعندما عادت الخدمة إلى طبيعتها، قال صديقي إنه تلقى 30 رسالة نصية للاطمئنان على سلامته.
فيما كان بتريوس في الخارج يزور مسؤولين رسميين، تناولت الغداء مع صديقين عراقيين في فندق الرشيد، وقد كانت آخر مرة تناولت فيها الطعام هناك في شهر أكتوبر من عام 2003، خلال سفري مع بول وولفوفيتز، الذي كان آنذاك نائب وزير الدفاع. كانت هذه الرحلة الشهيرة عندما سقطت الصواريخ على فندق الرشيد؛ راقبتها تنخفض نحو الفندق من عربة زرقاء على بعد مئات الأمتار. بالنسبة إلى عدد كبير من الناس، في ذلك اليوم لفّت ظلمة جديدة الاجتياح الأميركي للعراق.
لكن صديقيّ العراقيين كانا وبشكل مفاجئ متفائلين بالمستقبل، حتى بعد التفجيرات الرهيبة التي حصلت يوم الأحد، فقد علّق أحدهما «في كل قطاع، تعود الحياة إلى طبيعتها في العراق. وأصر الآخر «يستحيل أن يتدهور الوضع مجدداً. استغربت ثقتهما هذه في يوم مماثل، لكن هذا جزء من الصمود العراقي».
عوضاً عن التحدث عن التفجيرات، تحدثنا عن السياسة، فانتقد صديقي بشدة رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي. لكن فيما كنا نتجادل، استدار نحوي أحدهما وعلى وجهه ابتسامة ثم قال، «نحن نتحدث هنا عمن سيدير الحكومة بعد الانتخابات. هل تستطيع أن تفعل ذلك في أي دولة أخرى في العالم العربي؟».
فيما أرخى الليل بظلاله، طار بتريوس وجماعته إلى مخيم النصر، بالقرب من المطار، لقضاء الليل هناك، وقال لي «قد تكون بغداد مكاناً وحشياً، عليك أن تبقى متمسكاً بآمالك». لكن فيما حامت مروحية بلاك هوك فوق المدينة، بدا أن بغداد تزدحم مجدداً، على الرغم من الأحداث التي جرت في الصباح.
راقب بتريوس مشهد المدينة في الليل ثم علّق «عاد الناس إلى الخروج إلى المتنزهات، كل الأنوار مضاءة، السيارات تجوب الجوار». سألت لاحقاً ما إذا كان يعتقد أن أعمال العنف التي حصلت يوم الأحد ستدفع الناس إلى طلب عودة القوات الأميركية إلى المدن، فهز رأسه مجيباً «العراق دولة ذات سيادة، سيرد العراقيون على ذلك».
التعليقات (0)