بعيون الأحزاب
المؤسسة الملكية في مغرب الغد
ورقة مرزوق الحلالي
إن الملكية في المغرب، بالرغم من عراقتها و صلاحياتها الدستورية الواضحة، ظلت من حين لآخر تخضع إلى نوع من إعادة التفكير الذاتي، و هذا ما حدث بامتياز في بداية عهد الملك محمد السادس.
و في هذا الصدد يرى ثلة من المحللين أن حيوية المؤسسة الملكية بالمغرب تكمن في القدوم من حين لآخر على إعادة التفكير كسبيل من سبل التجديد.
و ارتبطت الملكية المغربية منذ البدء بإمارة المومنين، لكن ليس بمعنى التشريع للدين، و إنما بمعنى حماية الدين و المحافظة على دوام الشريعة الإسلامية في ربوع المملكة، أي الوقوف في وجه الانحراف عن الطريق. و لذلك يرى بعض المحللين أن إمارة المؤمنين ليست لقبا و إنما هي مهمة مكلف بها جلالة الملك بالمغرب.
كما يرون أن الملكية بالمغرب عرفت أكثر من محطة على مسار التجديد و إعادة التفكير. فالملكية المغربية تجددت بالاستقلال و تجددت ببلورة الدستور الأول سنة 1962، و تلتها محطات أخرى وها هو خطاب 9 مارس يعطي انطلاقة لطفرة غير مسبوقة في تاريخ الملكية المغربية، و لا محالة أن الصيرورة لازالت سائرة في هذا المنحى لا محالة في عهد الملك محمد السادس، الحاكم الذي انسجم مع عصره بامتياز.
فقد تختلف بعض الأحزاب أو القوى السياسية بالمغرب، و قد تكون لها مؤاخذات و لكنها لا تختلف على ضرورة استمرار العرش و استدامة الملكية بالمغرب و ديمومتها. وكل الجدال المرتبط بإصلاح وتطوير الدستور بالمغرب يقر بدولة المؤسسات التي تتوزع فيها السلطة بين مؤسسة التنفيذ أي الحكومة، و مؤسسة التشريع، أي البرلمان، و المؤسسة القضائية، أي سلطة القضاء. و من المفروض أن الملك ليس مؤسسة لها اختصاصاتها ، لكن مؤسسة فوق كل هذه المؤسسات. فالملك بالمغرب لا هو في الحكومة و لا في البرلمان و لا في القضاء.
و عموما و على امتداد التاريخ الحديث تمكنت المؤسسة الملكية بالمغرب أن تلف حولها الأحزاب السياسية المنحدرة من الحركة الوطنية في كل ظرفية سياسية صعبة أو حرجة، و ظل المسار هو تقوية المؤسسة الملكية و الاستمرار في تمتين تقعيد أساسها، في حين سارت مختلف الأحزاب و القوى السياسية المغربية على درب الضعف و التفتت باستمرار إلى أن وصلت إلى الحالة التي عليها الآن.
واليوم وقد أخذت المؤسسة الملكية مبادرة غير مسبوقة لتفعيل التغيير العميق والانتقال الديمقراطي، فكيف ترى أحزابنا السياسية المؤسسة الملكية في مغرب الغد من خلال مقترحاتها للجنة الإصلاح الدستوري.
حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية
دعا هذا الحزب إلى التدقيق في صلاحيات المؤسسة الملكية من خلال اعتبار الملك ضامنا لاستقلال البلاد، ووحدتها الترابية ويجسد وحدة واستمرارية الأمة ومؤسساتها.
يمارس بصفته أمير المؤمنين الإشراف على تدبير الحقل الديني ويضمن حقوق المواطنين في ممارسة شؤونهم الدينية. ويمارس اختصاصاته كأمير للمؤمنين بمقتضى ظهائر، وفي ما عداها يضطلع باختصاصاته التشريعية بمقتضى مراسيم ملكية. يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، ويعفيه من مهامه باستقالة الحكومة.
كما يمارس الملك التوجيه العام في مجالات الدفاع والأمن والخارجية، كما يمارس التحكيم. ويترأس المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الوزاري وفق دورية محددة، ويمكنه تفويض رئيس الحكومة لترأس المجلس الوزاري. ويصدر العفو الخاص. كما يعين الملك في الوظائف العسكرية والقضاة باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء، وفي المجلس الوزاري الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، والرئيس الأول للمجلس الأعلى، ورئيس الغرفة الأولى بالمجلس الأعلى. ويعين ويعفي باقتراح من رئيس الحكومة في المجلس الوزاري السفراء والولاة والعمال.
حزب العدالة والتنمية
يعتبر حزب "المصباح" أن الملك هو رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدتها وضامن دوامها واستمرارها واستقلالها في دائرة حدودها الحق، والساهر على احترام الدستور، والضامن عبر تحكيمه للسير العادي للمؤسسات وللخيار الديمقراطي، ولصيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيآت، حيث يمارس اختصاصاته بمقتضى ظهائر توقع بالعطف من طرف رئيس الحكومة، كما له سلطة إعلان حالة الاستثناء، وتعديل الدستور. و للملك تعيين رئيس الحكومة وإعفائه، الوزراء ، القضاة، أعضاء المجلس الدستوري، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، أعضاء المجلس العلمي الأعلى، التعيين في المناصب العسكرية ، التوقيع على المعاهدات والمصادقة عليه، وافتتاح الدورة التشريعية بمقتضى خطاب لا يكون محل نقاش وإحالة القوانين على مجلس الدستوري. للملك حق العفو الخاص ويرأس الملك المجلس الأعلى للدولة.
حزب الأصالة والمعاصرة
يعتبر حزب "الجرار" الملكية اللحمة الأساسية في الوحدة الوطنية والسياسية وضمان الهوية الوطنية وذلك من خلال التأكيد على الملكية المواطنة وأن الملك هو رئيس الدولة والممثل الأسمى للأمة، ورمز وحدتها وضامن استمرارها، وهو الحكم والساهر على احترام الدستور والاختيار الديموقراطي والحقوق والحريات والضامن للاستقلال والوحدة الوطنية والترابية، ويمارس المهام المخولة له طبقا للدستور
ويعين الملك الوزراء ويعفيهم من مهامهم باقتراح من رئيس الحكومة. لجلالته واجب الاحترام والتقدير.
حزب الاستقلال
يرى حزب "الوردة" أن الملك مقدس وأمير المؤمنين ورئيس السلطة القضائية يرأس المجلس الأعلى للقضاء.
يعين الملك بعد اقتراح الوزير الأول التسميات في جميع الوظائف المدنية السامية والمسؤولين في المؤسسات العمومية وإيجاد الحل القانوني لتسمية المسؤولين عن المؤسسات العمومية والتي حولت إلى شركات نظرا إلى أنها تدير جزء من أموال الشعب المغربي، لترفع هذه التسميات للمجلس الوزاري لاعتمادها وتحدد بمرسوم لائحة الوظائف السامية، ويعين الوزير الأول في باقي الوظائف الأخرى باقتراح من الوزراء لقطاعاتهم والمؤسسات التابعة لهم.
الوزير الأول ينبثق من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب يعين الملك أحد قادته من هيئته العليا، وآنذاك يختار الوزير الأول المعين جميع أعضاء حكومته في إطار تلقائية الأعراف الديمقراطية في هذا المجال في إطار الشفافية والاحترام مع من يكون أغلبيته، ويقدمها للملك لاعتمادها رسميا؛ مع ترسيخ تقليد افتتاح السنة القضائية برآسة الملك وبحضور أعضاء المجلس الأعلى للقضاء.
حزب الحركة الشعبية
أكد حزب "السنبلة" أن الملكية هي من الثوابت التي تقوم عليها الوحدة الوطنية، بالإضافة إلى رئاسة الملك للمجلس الأعلى للقضاء وينوب عنه الرئيس الأول للمجلس.
حزب التقدم والاشتراكية
دعا حزب "الكتاب" إلى ضرورة تبني الملكية البرلمانية التي يضطلع فيها الملك بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للدولة ورمزا للأمة وحَكما أسمى، بضمان استمرارية الدولة والسهر على احترام الدستور وصيانة حقوق وحريات المواطنات والمواطنين والجماعات والهيئات، وبحماية استقلال البلاد وحدودها.
ويعين الملك الوزير الأول من الحزب، أو عند الاقتضاء، من التكتل الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية النيابية، وأيضا الوزراء باقتراح من الوزير الأول. ويعفي الملك الوزير الأول بعد تقديمه للاستقالة باسم الحكومة، ويعفي الوزراء باقتراح من الوزير الأول. ويرأس الملك المجلس الوزاري، ويمكنه أن يفوض ذلك للوزير الأول.
إن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية، ويساعده في ذلك المجلس الأعلى للقضاء، ويمارس الملك حق العفو ويقوم الملك بإعلان حالة الاستثناء أو حل البرلمان أو إشهار الحرب، بعد استشارة الوزير الأول ورئيسي مجلسي البرلمان.
تحملت المؤسسة الملكية مسؤوليتها فماذا عن باقي الفاعلين؟
أكيد أن خطاب 9 مارس الماضي أعطى انطلاقة لطفرة انتقالية غير مسبوقة في التاريخ العربي، إلا أنه وجب التمييز بين الانتقال والتحول. إنها صيرورة تستوجب تحمل المؤسسة الملكية مسؤولياتها التاريخية في الانتقال الديمقراطي، وهذا ما تقوم به في عهد الملك محمد السادس بشهادة الجميع. كما تتطلب أن تتوفر لنا أحزاب سياسية واعية، حق الوعي، لإنجاز نفس الانتقال وضرورة أن يتحمل المجتمع المدني مسؤولية تحوله تحولا ديمقراطيا. هذا هو المسار الذي من شأنه أن يحقق ما يحلم به المغاربة، وهو نظام حكم وأحزابا سياسية ومجتمعا مدنيا ودولة المواطنة الحريصة على صيانة الحقوق في ممارسة السلطة وتوزيع الثروة.
ويقول الباحث في علم السياسة والقانون الدستوري، الدكتور مصطفى الصوفي، إن الخطاب الملكي السامي الذي ألقاه الملك في 9 مارس 2011 يُعتبر شهادة على أن اختيار المغاربة لنظام الحكم الملكي ينم عن ذكاء تاريخي للشعب المغربي. إن الملكية هي إرث لذكاء 12 قرنا من الفعل السياسي للمغاربة. والآن نحيا سياقا وطنيا يتمحور حول قضية الوحدة الترابية وحضور قناعة لدى النخبة السياسية بأن التأسيس للحظة الديمقراطية الحقيقية يكمن مدخلها في الجهوية، أي تفعيل الديمقراطية المحلية وإطلاق آلياتها لضمان تنزيل الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية دون أدنى خوف عن وحدة الدولة.
التعليقات (0)