بعض مواقف رئيس الأزهر الراحل محمد طنطاوي
ذكر السلف الصالح أن من علامات الساعة الصغرى كثرة موت الفجأة .... ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة ) ، رواه الطبراني وحسنه الألباني.
...... وموت الفجأة عرفه علماء الدين وأطباء اليوم ، أنه الموت الناتج عن "السكتة القلبية " .
والمتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعـيذ بالله عز وجل من موت الفجأة . وذلك أن ميتة الفجأة قد تحول دون تكفير الإنسان عن ذنوبه بأوجاع وآلام المرض والإستغفار والنطق بالشهادتين على النحو المرغوب لكل مسلم .... نسأل الله عز وجل أن يقينا شر وحسرة موت الفجأة وعواقبه . وليغفر الله لنا جميعا في الحل والترحال ... وكل نفس ذائقة الموت والأمر من قبل ومن بعد لله عز وجل بفعل بعباده ما يشاء ......
إذن وبوفاة رئيس الجامع الأزهر "محمد سيد الطنطاوي" الفجائية في مدينة الرياض بالسعودية خلال مشاركته في حفل لتوزيع جوائز مرتبطة بمناشط دينية . فإنه تنطوي صفحة فريدة من نوعها خلال العصر الحديث عاشها الأزهر الشريف منذ تعيينه بواسطة الحكومة المصرية رئيسا لهذا المرجع الديني (الرسمي) لأهل السنة والجماعة عام 1996م.
ومن أهم الملامح التي كرس لها محمد الطنطاوي خلال فترة رئاسته للأزهر هو طبيعة العلاقة بين الفقيه والسلطان .... وكيف يجعل الفقيه من علمه مطية لتفسير وتبرير السياسة عوضا عن تفسير الدين..... وكذلك التحايل المستمر لربط حصان الدين خلف عربة السياسة.
ولربما كان للفترة القياسية التي قضاها الطنطاوي متربعا على كرسي رئاسة الأزهر وهي (14 سنة) أثرها في تكريس الدور المتفرد الذي لعبه من خلال زواجه الكاثوليكي بالسلطة ..... وحيث تعتبر الفترة التي قضاها الطنطاوي هي الأطول في تاريخ رؤساء ومشايخ الأزهر منذ تأسيسه علما بأن المتوسط هو 7 سنوات ....
وعلى الرغم من تفرد ظاهر الطنطاوي خلال الزمان المعاصر إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن الأزهر قد تعرض من قبل وخلال عصر المماليك وضعف الدولة الإسلامية إلى العديد من المحن التي وضعت مصداقيته على المحك ، وقللت من دوره وقناعات الخاصة والعامة من المسلمين بجدواه في معرض إصدار الفتاوى المرتبطة بالممارسات والمواقف والقرارات السياسية.
بل ولا نزال نذكر كيف أن نابليون بونابرت قد حاول النيل من هيبة الأزهر ومكانته في قلوب المسلمين حين دخله بخيوله وجعله فترة مخزنا للعلف وإسطبلا للدواب التي يستخدمها جيشه
ومن الرؤساء الذين لجأوا إلى الأزهر في سبيل الحصول على زخم روحي كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1956م خلال العدوان الثلاثي عندما ألقى خطاب حماسي له من هناك لجمع وحدة الصف وقدح نيران الجهاد ضد العدوان .......
ولكن كان لجوء جمال عبد الناصر للأزهر الشريف في لحظات كهذه له ما يبرره ويحمده كونه كان وسيلة للدفاع عن الأرض والعرض وإستقلال ومستقبل شعب وأمة خلال فترة نضالية مصيرية أفلح في عبورها رغم التضحيات بسلام . وساهمت بعد ذلك في إرساء بناء لبنات قيم ومعايير ومثل وطنية وقومية جديدة سواء داخل مصر أو في العالم العربي والإسلامي قاطبة ..... وحيث لا يمكن للمغرض أن يدعي بأن عبد الناصر كان يستغل الأزهر لتمرير سياسات وأجندة خنوع وهزيمة نفسية وإنتكاسة أخلاقية مثلما جرى بعد ذلك خلال عهود لاحقة .......
ومن جهة أخرى فقد كان للرئيس السابق أنور السادات تجاذبات ومصادمات معروفة ليس مع الأزهر فحسب بل حتى مع مرجعية الكرازة المرقسية بالأسكندرية خلال سعيه لتمرير زيارته للكنيست الإسرائيلي وإتفاقيات كامب ديفيد مع مناحيم بيجين...... والطريف أنه في الوقت الذي أفلح فيه مع الأزهر إلا أنه سجل فشلا ذريعا في محاولته مع البابا شنودة الثالث بابا الأسكندرية الذي قاوم كافة الضغوط الساداتية والخارجية ورفض أن "يبصم" على فتوى قبطية تساير إتفاقات كامب ديفيد أو حتى زيارة السادات للكنيست وكذلك السلام مع إسرائيل ، دون حل للقضية الفلسطينية ..... وهو موقف صلب للبابا شنودة الثالث سيحفظ له على مدى التاريخ.
...............
وبالعودة إلى رئيس الجامع الأزهر الراحل محمد سيد الطنطاوي فإن من أهم المحطات التي سيذكرها له التاريخ تحت بند علاقة المسايرة والخنوع بين الفقيه والسلطان ؛ أنه وإن لم يصدر فتوى صريحة بتأييد الغزو الأمريكي للعراق (كما كان متوقعا) ... إلا أنه وبطريق آخر وفي 3 فبراير 2003م اقال الشيخ علي أبو الحسن رئيس لجنة الإفتاء من منصبه لسبب أنه أصدر فتوى بمعارضة الغزو الأمريكي للعراق وتحليل قتل الجندي الأمريكي وإعتبار من يقتل في هذه الحرب من المقاومة شهيدا.
......................
في 3 ديسمبر 2003م إستقبل في مكتبه "الشريف" وزير الداخلية الفرنسي آنذاك "ساركوزي" وأعلن مساندته ودعمه وتأييده له في حظره إرتداء الحجاب والنقاب في مدارس ومعاهد فرنسا التعليمية الحكومية . معتبرا أن ذلك شأنا داخليا فرنسيا .. وهو ما أدى لاحقا إلى صدور قرارات أخرى مناهضة للإسلام في الغرب ومنها على سبيل المثال منع بناء المآذن في سويسرا وإفصاح القوى العلمانية مؤخرا عن تأييدها لإصدار قرار مماثل في فرنسا وبقية الدول الأوروبية ؛ على الرغم من أنها في المقابل تصمت صمت العاهرات في حضرة بوليس الآداب . ولا تعارض تشييد أبراج للكنائس أو الكنيس اليهودي في الأراضي الأوروبية العذراء البكر "الطاهرة".
..................
لاحظ اليدان والمعرفة التامة لمن يصافحه من خلال تعابير الوجه التي لا تنم عن دهشة
كذلك تشرف محمد سيد الطنطاوي وحرص على مصافحة شيمون بيريز رئيس إسرائيل بإبتسامة عريضة وحرارة منقطعة النظير وبكلتا يديه خلال مؤتمر حوار الأديان اللذي عقد بالأمم المتحدة في نوفمبر 2008م...... كما جلس مع هذا الذئب العجوز في منصة واحدة خلال مؤتمر آخر لحوار الأديان عقد بكازاخستان في يوليو 2009م على الرغم من تلوث يـد هذا المجرم الصهيوني بدم المسلم الفلسطيني واللبناني ومن قبلهم المصري . ومن أبرزها تورطه بشكل مباشر في مجزرة قانا .... ومن ثم فإن الطنطاوي بتصرفه هذا وبإجماع رأي المسلمين في الشرق والغرب قد إستباح قيم العقيدة وإستهزأ بدماء المسلمين ومشاعرهم وذهب أبعد مما هو مطلوب منه خاصة وأن 97% من الزعماء العرب لم يضعوا ايديهم حتى الآن في يد زعماء الصهاينة أمام كاميرات التلفزة والصحافة الورقية على أقل تقدير حفاظا على مشاعر شعوبهم وتعبيرا عن مقاومتها ورفضها للسياسة الإسرائيلية الإجرامية العنصرية والعدائية وأطماعها الخفية والمعلنة بشكل مباشر تجاه الشعب الفلسطيني ودول الطوق العربي سواء الذي وقــّع أو لم يوقـّـع بعد ...... وعليه فإنه وإن كانت السياسة تقتضي بعض التنازلات البروتوكولية هنا أو هناك . فإن الدين والعقيدة على العكس من ذلك لا تحتمل مثل هذه التنازلات والمساومات حتى إذا كانت شكلية......
وحين طولب محمد سيد الطنطاوي في مجلس الشعب المصري بالإعتذار أصابه الكبر وزعم أنه لم يكن يعرف شكل شيمون بيريز .. وهو تبرير ساذج وعذر اقبح من الذنب .. فإذا كان الإسلام يطلب من المسلم العادي التحلي بالكياسة والفطنة والتأني فحقيق على من يجلس على كرسي رئاسة مشيخة الأزهر أن يتحلى بالحد الأعلى من الفطنة والكياسة وحسن التدبير ، ولا يمد يديه بحرارة وإبتسامة ليضعها في يد الرائح والغادي (وكأنه متسول يقف أمام باب الجامع الأزهر ) وهو يعلم علم اليقين أنه داخل أروقة مؤتمر يعج بأعضاء من الصهاينة والمحافظين الجدد المتربصين.
......................
وفيما يتعلق بقرارات سياسية أخرى لن ينسى التاريخ فتوى الطنطاوي بشأن تأييده قرار الحكومة المصرية إقامة الجدار الفاصل العازل المحاصر للشعب الفلسطيني العربي المسلم على الحدود بينها وبين قطاع غزة عام 2010م بتمويل وإشراف هندسي أمريكي مباشر ورقابة إسرائيلية .... وليته وجد تبريرا مستساغا ومبلوعا أو مهضوما ومقنعا .. ولكنه إنكفأ على نفسه وبرر فتواه بأن الجدار حماية لمصر "ضد أعدائها" ......... وهي عبارة لم يتجرأ حتى زعماء مليشيات الكتائب اللبنانية "بشير الجميل" أو "إيلي حبيقة" في نعت الفلسطينيين بها طوال فترة الحرب الأهلية الضروس في لبنان.
..........
ومن طرائف فتاوى الطنطاوي المضحكة المبكية تلك الفتوى التي اصدرها بتاريخ 8/10/2007م بجلد الصحفيين والتي أصبحت مثارا للتندر والسخرية من كافة الأوساط في أركان الكرة الأرضية ....ومن بين ما تحفظه الذاكرة من ردود أفعال داخل مصر ما أورده الكاتب الإسلامي "فهمي هويدي" في مقال له يسخر من هذه الفتوى المَسْخـَرَة حين تساءل عن "أسباب صمت الأزهر إزاء عدد من القضايا المهمة في مصر ومنها إدانة التعذيب وتزوير الانتخابات وإحتكار السلطة والأغذية الفاسدة والمبيدات المسرطنة" مشيرا إلى حالة إنعدام الثقة في شهادة شيخ الأزهر.
.................
وفي أكتوبر من عام 2009م سخر الطنطاوي من فتاة تلميذة في المرحلة الإعدادية الأزهرية لأنها ترتدي الحجاب وأصدر أوامره بإجبارها على خلعه..... وقد ذهل العالم الإسلامي بهذا "الفيلم الهندي" الذي جرى إخراجه وتمثيله في الأزهر. واستغرب كون أن شيخ الجامع الأزهر (الذي بلغ وقتها سن ألـ 80) يتفرغ للسخرية من وتعنيف تلميذة ترتدي الحجاب ؛ ويغفل عن تقريع الراقصات والطبالين في كباريهات شارع الهرم أو الثنائي اللعوب "سعد الصغير ودينا " في الغناء الهابط والرقص الخليع أمام مدخل سينما كايرو في وسط البلد.
.....................
على اية حال فإنه وكمحصلة لعهد رئاسة الراحل الطنطاوي لمشيخة الجامع الأزهر التي إمتدت طوال 14 سنة فإنه يمكن تلخيص كل ذلك في الآتي:
1) أنه أسهم بشكل مباشر في زعزعة ثقة المسلمين بمصداقية الأزهـر كمرجعية دينية......
2) أنه أسهم بشكل مباشر في تقليل هيبة الجامع الأزهر.
3) ولهذه الأسباب يلاحظ إنتقال المرجعية الدينية إلى تجمعات وجمعيات دينية حرة سواء في الدول الإسلامية خارج نطاق العالم العربي أو داخل نطاق العالم العربي بقيادة رجال دين مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والبعد عن الغرض ومسايرة السلطان ومنهم على سبيل المثال الشيخ يوسف القرضاوي القطري الجنسية.
4) لوحظ كذلك إنتشار ظاهرة الدعاة من خارج حوش الأزهر أو من يطلق عليهم دعاة القطاع الخاص وإلتفاف الناس حولهم ومن أشهرهم عمرو خالد خريج كلية التجارة والذي كان يعمل محاسبا.
5) أنه أدى إلى نكوص الجهلة من عامة الشباب المسلم للإنصات إلى فتاوى المتشددين والتكفيريين . بعد أن أصبحت كل فتوى صادرة من الأزهر مشكوك في نزاهتها وعلاقتها بالسلطان وسواء أكانت على حق أو باطل فقد إختلط الحابل بالنابل وكفى.
وفي الختام وبعد الصلاة على سيد الخلق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ... نحمد الله عز وجل أن رسوله الكريم حين حباه ربه بالعلم الواسع وكشف له عن كثير من الغيبيات أن قال في حديث ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى." رواه البخاري.....
وحيث بالفعل لم تشهد هذه المساجد المقدسة الثلاثة طوال تاريخها أية تنازلات في جانب العقيدة والدين من جانب مشايخها أو تدخلات حكومية لربطها خلف عربة السياسة وجعلها مفرخة للفتاوى سيئة السمعة والمهزوزة المضللة حيثما شاءت سياساتها ومصالحها وحسب ما يجري ويستجد أو إتفق.
التعليقات (0)