بسم الله الرحمن الرحيم
قال عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلما تسليما}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بي أكثرهم علي صلاة». وقال صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلت عليه الملائكة مادام يصلي علي فليقلل عند ذلك أو ليكثر».
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأكمل التسليم على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين إلى يوم الدين وبعد...
اعلم أيها الأخ المؤمن بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم جاءت في النداء الرباني للمؤمنين {إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلما تسليما}. سورة الأحزاب. ولها فوائد كثيرة لا يعلم حصرها وقدرها إلا الله سبحانه وتعالى الذي ربط تلك الفوائد بتلك الصلوات على حبيبه الأكرم. ونذكر جملة منها تذكرة قال تعالى: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} (الذاريات).
ولقد قدمنا بمباحث تتضمن لزوم الأدب مع سيدنا رسول الله وتعظيمه، ومحبته، اقتصرنا فيها على أخبار الصحابة الكرام معه.
لزوم الأدب مع النبي
كان الصحابة رضي الله عنهم في المقام الأسني من توقيره وتعظيم أمره ونهيه، والمبادرة إلى ما يندبهم إليه، وكانوا يخفضون أصواتهم عنده ولا ينادونه كما ينادي بعضهم بعضا، وكان كلام أحدهم معه كأخي السرار أي كالمتحدث بسر.
لما أوفدت قريش عروة بن مسعود الثقفي يوم الحديبية - قبل أن يسلم - إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا تسقط منه شعرة إلا استبقوا إليها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدون إليه النظر، رجع إلى قريش فقال لهم: (يا معشر قريش! إني جئت كسرى في عظمته، وقيصر في سلطانه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه). (المرجع: قبسات من نور النبوة - الشيخ عبدالفتاح ابو غدة - الشيخ أحمد عز الدين البيانوني)
وإذا أردت أن تقف على نموذج من الأدب أسمى من هذا وأرفع، فاستمع إلى العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سأله الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا أكبر أو أنت؟» قال: أنت أكبر وأكرم، وأنا أسن منك(1).
وروى الحافظ بن حجر(2) عن سعيد بن يربوع المخزومي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أينا أكبر، أنا أو أنت؟» قال: أنت أكبر وأخير مني، وأنا أقدم منك سنا.
هذا هو الأدب الحق الذي ينبغي للمسلم أن يتحلى به، ويعرفه لرسول صلى الله عليه وسلم حيا وميتا.
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم:
روى العلماء في تراجم الصحابة والتابعين وسيرهم مآثر باهرة في تعظيمهم للنبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره،. فمن ذلك ما نقله القاضي عياض(3) أن رجلا جاء إلى سعيد بن المسيب فسأله عن حديث وهو مضطجع، فجلس وحدثه، فقال له الرجل: وددت أنك لم تتعن - لم تترك راحتك - فقال: إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مضطجع.
قال القاضي: وكان الإمام مالك بن أنس لا يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو على وضوء إجلالا له، ولما ناظره أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع صوته في المناظرة، قال له: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله أدب قوما فقال: {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي}، ومدح قوما فقال: {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم}. وذم قوما فقال: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون}(4)، وإن حرمته صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، فاستكان - أي خضع - لها أبو جعفر.
ومن أبرز مظاهر تهظيمه صلى الله عليه وسلم: الصلاة عليه كلما ذكر، وقد أخبرنا الله تعالى أنه يصلي عليه وملائكته، وأمرنا بذلك أيضا، فقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} (56) (الأحزاب 56).
وصلاة الله تعالى وصلاة ملائكته على رسول الله صلى الله عليه وسلم معناها ثناؤه سبحانه، وثناء ملائكته عليه، وتمجيده صلى الله عليه وسلم، والعناية به، وإظهار شرفه، والإشادة بذكره وفضله، والإعلاء من حرمته وشأنه، وليس بعد هذا تعظيم أو ثناء.
وفي صلاة الله تعالى وملائكته عليه، وتكريمه إياه في خطابه، ما يدعونا إلى المبادرة بالثناء عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر، اقتداء بالله تبارك وتعالى، وموافقة لملائكته الكرام.
فنحن إذن أولى وأحق بتعظيمه والثناء عليه، لما نالنا من بركته صلى الله عليه وسلم ويمن سفارته، وهو الذي أنقذنا الله به من الضلال إلى الهدى، وأخرجنا من الظلمات إلى النور.
وقد أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى كيفية الثناء عليه فيما رواه كعب بن عجرة أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة؟
فقال: «قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد»(5).
محبة النبي صلى الله عليه وسلم:
وأجل مظهر ظهرت فيه تلك الحقيقة الأحبية لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم: هم أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، وقد سئل: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلينا من أموالنا وأولادنا، وآبائنا، وأمهاتنا، وأحب إلينا من الماء البارد على الظمأ).
وتحققوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده، والناس أجمعين».
وبقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما..» الحديث. وقد بذلوا نفوسهم إيمانا به صلى الله عليه وسلم وحبا فيه.
من ذلك:
قصة زيد بن الدثنة، كما رواه أصحاب (السير)، ورواها البيهقي عن عروة قال: (لما أخرج المشركون في مكة زيد بن الدثنة من الحرم ليقتلوه بالتنعيم - لأنهم كانوا لا يقتلون في الحرم تعظيما له - وقد اجتمع في الطريق خبيب وزيد بن الدثنة، فتواصيا بالصبر والثبات على ما يلحقهما من المكاره.
قال أبو سفيان بن حرب - وهو يومئذ مشرك - قال لزيد بن الدثنة: أنشدك بالله - أي: أسألك بالله - يا زيد: أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك، تضرب عنقه، وأنك في أهلك - أي: آمنا من القتل.
فقال له زيد: والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة، وإني جالس في أهلي!.
فقال أبو سفيان: ما رأيت أحدا من الناس يحب أحد كحب أصحاب محمد محمدا!).
قال الحافظ الزرقاني: وفي رواية: أنهم ناشدوا بذلك خبيبا.
ومنها ما في (المسند) عن أنس رضي الله عنه: (أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه يتترس به، وكان راميا، وكان إذا رمى رفع صلى الله عليه وسلم شخصه ينظر أين يقع سهمه، ويرفع أبو طلحة صدره ويقول: هكذا بأمي أنت وأبي يا رسول الله لا يصيبك سهم!
نحري دون نحرك! وكان أبو طلحة يسور نفسه - أي: يجعل نفسه سورا - بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إني جلد - أي: شديد - يا رسول الله، فوجهني في حوائجك، ومرني بما شئت).
ومنها ما رواه البيهقي وابن إسحاق كما حكاه في (الشفا) وغيره - أن امرأة من الأنصار قد قتل أبوها وأخوها وزوجها، شهداء يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقالت لما أخبرت بذلك: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأرادت بذلك السؤال عن سلامته وبقائه، وعبرت بذلك تأدبا، وفي بعض النسخ: قالت: ما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قالوا: خيرا هو بحمد الله كما تحبين.
أي: هو سالم منصور مظفر.
فقالت: أرونيه حتى أنظر إليه.
فلما رأته صلى الله عليه وسلم قالت: كل مصيبة بعدك - أي: بعد سلامتك ورؤيتك - جلل - أي: هين حقير.
ومنها ما روى الطبراني عن عائشة رضي الله عنها، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلا - وهو ثوبان أو عبدالله بن زيد صاحب قصة الأذان أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من أهلي ومالي، وإني لأذكرك فما أصبر حتى أجيء إليك. أي: فيطمئن قلبي وتقر عيني. وإني ذكرت موتي وموتك فعرفت إنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلتها لا أراك - أي: لأنك في مقام لا يصل إليه غيرك.
فأنزل الله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا}(6) فدعا به النبي صلى الله عليه وسلم - أي: طلب حضوره - فقرأ الآية عليه.
فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا تطيب نفوسهم ولا تقر أعينهم إلا بمشاهدته صلى الله عليه وسلم حبا فيه وإيمانا به! صلى الله عليه وسلم.
فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
(1) سبب القرب من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة:
عن أبي أمامه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثروا علي من الصلاة في كل يوم الجمعة، فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة. قال الحافظ المنذري: رواه البيهقي بإسناد حسن.
وقال الإمام ابن حجر الهيتمي: إن الإكثار لا يحصل إلا بتفريغ أكثر أوقات العبادة لها (أي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم) ويحتمل بأنه يظهرها حتى يعرف فيها بين الناس.
(2) إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سبب لنيل شفاعته:
روى الطبراني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة.
وأورده كذلك السيوطي في الجامع الصغير ورمز لحسنه.
(3) إن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم زكاة للمصلي وطهارة له:
روى ابن شيبة وأبو الشيخ وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإن الصلاة علي زكاة لكم».
وروى ابن أبي عاصم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي، فإن الصلاة علي كفارة لكم. فمن صلى علي صلى اله عليه عشرا».
ففي الحديث الأول بيان بأن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم زكاة للمصلي، ومن المعلوم أن الزكاة تشتمل على معنى النماء والبركة والطهارة، كما هو الشأن في زكاة الأموال فإنها تنميه وتطهره.
وأما الحديث الثاني ففيه أن الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم هي كفارة، وهي تدل على محو الذنب وآثاره من نفس المذنب ومن صحيفته.
(4) أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تقوم مقام الصدقة من الأجر والثواب لذي العسرة:
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ربما كسب رجل مالا من حلال فأطعم نفسه، ورجل يكون له مال فيه الصدقة فقال - أي الرجل الأول - اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنه له زكاة» قال ابن حجر الهيتمي رواه أبو يعلى وإسناده حسن.
(5) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لكفاية هم الدنيا والآخرة.
روى الطبراني بإسناد حسن عن محمد بن يحيى بن حيان عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رجلا قال: يارسول الله اجعل ثلث صلاتي عليك. قال: نعم إن شئت، قال: الثلثين؛ قال: نعم إن شئت. قال: فصلاتي كلها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك.» والصلاة هنا بمعنى الدعاء.
(6) أن الصلاة عى النبي صلى الله عليه وسلم هي سبب عظيم في البراءة من النفاق والبراءة من النار:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، ومن صلى علي عشرا صلى الله عليه مائة، ومن صلي علي مائة كتب الله تعالى له بين عينيه براءة من النفاق وبراءة من النار، وأسكنه الله يوم القيامة مع الشهداء. عزاه الحافظ المنذري إلى الطبراني في الصغير قال: وفي إسناده إبراهيم بن سالم بن شبل الهجيمي لا أعرفه بجرح ولا تعديل وقال في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه إبراهيم بن سالم بن شبل الهجيمي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(7) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب عظيم في قضاء الحاجات في الدنيا والآخرة:
روى الحافظ ابن منده وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي كل يوم مائة مرة قضى الله له مائة حاجة: سبعين منها لآخرته، وثلاثين منها لدنياه» قال في جلاء الأفهام بعدما أورده: قال الحافظ أبو موسى المديني: هذا حديث حسن.
(8) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تفتح أبواب الخير وتنفي الفقر:
روى البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: من قرأ القرآن وحمد الرب وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم واستغفر ربه فقد طلب الخير من مظانه.
(9) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم نور للإنسان على الصراط المستقيم يوم القيامة:
روى أبو سعيد في كتاب (شرف المصطفى صلى الله عليه وسلم) أنه صلى الله عليه وسلم قال: صلاة علي نور على الصراط يوم القيامة).
وروى الديلمي بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «زينوا مجالسكم بالصلاة علي فإن صلاتكم علي نور لكم يوم القيامة».
(10) أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمان لصاحبها من أهوال يوم القيامة ونجاة له.
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا أيها الناس إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم علي صلاة في دار الدنيا، إنه قد كان في الله وملائكته كفاية إذ يقول الله {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية، فأمر بذلك المؤمنين يثيبهم». ذكر السخاوي في القول البديع وقال: أخرجه التيمي في الترغيب له والخطيب، وأورده الإمام السبكي بإسناده في الطبقات.
(11) أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب عظيم في مغفرة الذنوب ومحو الخطايا:
روى النسائي والطبراني عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي من متي صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليها بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه بها عشر سيئات.
قال الطبراني رجاله ثقات وأخرجه أيضا البيهقي والمنذري في الترغيب.
(12) أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب عظيم في نزول الرحمة:
روى البزار عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم، ثم يقفون وأيديهم إلى السماء إلى رب العزة تبارك وتعالى فيقولون: ربنا أتينا على عباد من عبادك، يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول الله تبارك وتعالى، غشوهم رحمتي، فهم الجلساء لا يشقي به جليسهم». أورده المنذري في الترغيب وذكره في الدرر المنضود وقال: أخرجه البزار بسند حسن.
(13) أنه من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر اسمه عنده:
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي بلغتني صلاته وصليت عليه، وكتب له سوى ذلك عشر حسنات».
رواه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به.
وروى البزار عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى وكل بقبري ملكا أعطاه اسماء الخلائق، فلا يصلي علي أحد إلى يوم الدين إلا أبلغني باسمه واسم أبيه: هذا فلان بن فلان قد صلى عليك».
رواه أبو الشيخ وابن حبان والسيوطي في الجامع الصيغر بألفاظ متقاربة.
(14) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب عظيم في زيادة محبة العبد للنبي صلى الله عليه وسلم
روى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة» رواه ابن حبان في صحيحه.
فأولى الناس بحبه صلى الله عليه وسلم وبقربه وبشفاعته الخاصة صلى الله عليه وسلم هو أكثرهم عليه صلاة.
ومن مذهبي حب النبي وآله وللناس فيما يعشقون مذاهب
(15) أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب في تذكير المنسي:
روى الديلمي عن عثمان عن أبي حرب الباهلي مرفوعا «من أراد أن يحدث بحديث فنسيه فيلصل علي، فإن في صلاته علي خلفا في حديثه، وعساه أن يذكره».
(16) أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب لدخول صاحبها تحت ظل العرش يوم القيامة:
روى الديلمي عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: ثلاث تحت ظل العرش يوم القيامة: من فرج عن مكروب من أمتي، وأحيا سنتي، وأكثر الصلاة علي. أنظر شرح الزرقاني على الموطأ والدر المنضودوعزاه بعضهم لفوائد الخلقي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه كما أفاد الحافظ السخاوي.
(17) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعم خيرها ونورها لجميع المسلمين والمؤمنين:
أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إيما رجل من المسلمين لم يكن عنده صدقة فليقل في دعائه: اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وصل على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنها زكاة».
(18) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب عظيم في إجابة الدعاء:
روى الحافظ عبدالرزاق بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا أراد أحدكم أن يسأل الله تعالى فليبدأ بحمده والثناء عليه بما هو أهله ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل بعد فإنه أجدر أن ينجح أو يصيب».
قال الحافظ السخاوي: أخرجه أبو علي بن البنا والديلمي في مسند الفردوس.
(19) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب في نيل الثواب العظيم المضاعف
عن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه مرفوعا: قال: من صلى علي صلاة كتب الله له قيراطا، والقيراط مثل أحد».
عزاه السيوطي في الجامع الصغير لعبدالرزاق في الجامع رامزا لحسنة.
قال العلامة المناوي في شرح هذا الحديث: أي مثل جبل أحد في عظم القدر وهذا يستلزم دخول الجنة، لأن من لا يدخلها لا ثواب له.
(20) من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله تعالى عليه:
روى مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه شهرا.
(21) من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلت عليه الملائكة:
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة، فإنه أتاني جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال: ما على الأرض من مسلم يصلي عليك مرة واحدة إلا صليت أنا وملائكتي عليه عشرا».
قال الحافظ المنذري: رواه الطبراني. وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة.
قال المنذري: رواه أحمد بإسناد حسن، وقال في الدر المنضود: وحكمه الرفع إذ لا مجال للرأي فيه.
(22) من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم كان له ذلك عدل عشر رقاب أعتقها لوجه الله تعالى:
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى علي مرة كتب الله تعالى له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفعه الله عشر درجات، وكن له عدل عشر رقاب» قال المنذري: رواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة.
(23) أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب في مغفرة الذنوب وذلك على حسب إيمان المؤمن وحبه وإخلاصه في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم: روى ابن أبي عاصم والطبراني عن أبي كاهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا كامل من صلى علي كل يوم ثلاث مرات. وكل ليلة ثلاث مرات، حبا وشوقا إلي كان حقا على الله أن يغفر ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم». وقد أورده المنذري بصيغة روى وذكره في جلاء الأفهام بإسناده.
(24) إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تستغفر لصاحبها وتؤانسه في قبره:
فعن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد صلى علي الصلاة إلا خرج بها ملك حتى يجيء بها وجه الرحمن عز وجل فيقول ربنا تبارك وتعالى: اذهبوا بها إلى قبر عبدي تستغفر لصاحبها وتقر بها عينه» رواه الديلمي في الفردوس.
فينبغي لمن جلس في مجلس أن لا يقوم من مجلسه حتى يذكر الله تعالى ويصلي فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن لم يفعل ذلك فسوف يكون ذلك المجلس عليه حسرة يوم القيامة وندامة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما جلس قوما مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم. قال الحافظ المنذري: رواه أبو داود والترمذي واللفظ له قال: حديث حسن ورواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والبيهقي.
«ترة = حسرة».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا الله عز وجل فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب. كما في جلاء الأفهام لابن القيم والقول البديع للسخاوي.
قال ابن حجر الهيتمي: إنهم يتحسرون على ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف لما فاتهم من ثوابها، وإن كان مصيرهم إلى الجنة، لا أن الحسرة تلازمهم بعد دخولها.
لذا ينبغي للمسلم أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ما استطاع، فإن في الإكثار منها والموظبة عليها خيرا كثيرا وفضلا كبيرا كما مر في الأحاديث السابقة فمن فوائد الإكثار منها الحصول على الشفاعة الخاصة من النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أن العبد يلقى ربه عز وجل وهو راض عنه، ومنها أن المكثر يكون في ظل العرش، ومنها القرب من منزلة النبي صلى الله عليه وسلم ومنها أن الله تعالى وملائكته يصلون عليه ومنها أنها الدليل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم، اللهم اجعلنا من المحبين الصادقين لحبيبك الأكرم صلى الله عليه وسلم فضلا منك ونعمة بلا ابتلاء ولا محنة.
اللهم صلي علي سيدنا محمد كما أمرتنا أن نصلي عليه، وكما تحب أن يصلي عليه، وكما هو أهله عندك، وعلى آله وصحبه وسلم، وعلينا معهم أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
اللهم اشرح بالصلاة عليه صدورنا ويسر بها أمورنا وفرج بها همومنا واكشف بها غمومنا واغفر بها ذنوبنا واقض بها ديوننا واصلح بها أحوالنا وأقض بها حاجتنا في الدنيا والآخرة إنك غفور رؤوف رحيم يا أرحم الراحمين، وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا والحمد لله رب العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
روى النسائي عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه: أن أعمى قال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف لي عن بصري، قال: «فانطلق فتوضأ ثم صلي ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف عن بصري، اللهم شفعه في».
وقال: فرجع وقد كشف الله عن بصره(7).
الهوامش:
المرجع: قبسات من نور النبوة. الشيخ عبدالفتاح أبو غدة والشيخ أحمد عز الدين البيانوني
(1) رواه السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء) (ص21).
(2) في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) (2/51).
(3) في كتابه (الشفا) (2/34-38).
(4) الحجرات.
(5) رواه البخاري (19/126). ومسلم (4/126) وغيرهما.
(6) سورة النساء آية 69.
(7) رواه أحمد والترمذي وابن ماه والحاكم وصححه.
موقع المستنير
التعليقات (0)