بعد هجرة العقول العراقية نتيجة الارهاب
هل يشهد البلد هجرة التجار النزيهين؟
تحقيق/ شيركو شاهين
sher_argh@yahoo.com
بين هارب ومستعد للهرب يمضي التاجر العراقي ايامه القادمة في تصفية ما امكنه تصفيته من قدرات مالية استعدادا لتحويلها واخراجها الى خارج العراق بعد ان ضاقت به سبل العيش الامن في بلده، مستفيدا من مساحة الحرية الموجودة في اسواق دول الجوار، وهذا طبعا على حساب تدني الحالة الاقتصادية للبلد وتضاعف تراجع استثمارت ابنائه مقابل استثمارات الاجانب فيه، هذه الحالات خلفت عواقب وخيمة عديدة على المجتمع العراقي قد تبدأ بالبطالة ولاتنتهي بسقف محدود.
وسط هذه الاحوال الصعبة عمدنا الى التعرف على اراء مجموعة خيرة من التجار واصحاب رؤوس الاموال للوقوف على حال وامكانية ايقاف هذا التداعي المزري لاقتصاد البلد.
نسف البنى الاقتصادية
هذا ما بدأ به وعبر عنه ببساطة الحاج عبد الكريم العامري(62عاما) وهو من تجار الجملة في مجمع الكناني في الشورجة، وعلق بعدها على الموضوع قائلا: لم ينل التاجر العراقي حريته في العراق مطلقا، حتى حالة الاستقرار التي يدعي بها البعض في العهد السابق لم تكن خالية من المنغصات المختلفة التي كنا نواجهها يوميا، فعلى سبيل المثال لا الحصر كنا حين نرغب في الحصول على شروط مناقصة او عروضها للتقديم عليها نحتاج الى اشخاص من حملة جنسيات غير العراقية، وخاصة العربية منها للوساطة في الحصول عليها لان الكثير منها كانت تمنح للشركات العربية كالاردنية والمصرية ونهاية بالسورية على حسابنا طبعا ونستلمها منهم بعد ذلك من الباطن، وبالنسبة لي كنت قد عينت اجيرا يحمل الجنسية السودانية وظفته خصيصا لينوبني في مثل هذه الامور، هذا كان حال التاجر والمقاول العراقي.
وبعد زوال النظام السابق تأملنا ككل الطيبين خيرا في المستقبل على امل الوصول الى الافضل لكن للاسف جاءت الحظوظ متدنية في هذا المجال، وذلك بتزايد حمى الارهاب والتراجع البارز لسلطة الدولة وعدم الايفاء ولو بالنزر اليسير من وعودها التي قطعتها على نفسها لاعادة فرض الامن والامان في ربوع العراق، مما انعكس سلبا على الحياة عامة والاقتصاد خاصة، فحرائق الشورجة وما تبعها لابرز المراكز التجارة في العاصمة ادت الى خسائر مادية ثقيلة لرؤوس الاموال وبما يعادل ملايين الدولارات وهذا ليس بالامر الهين والذي يمكن تعويضه على مدى الامد القريب، لذلك فان التاجر العراقي فضل حصر نشاطه المادي في احدى دول الجوار مثل سوريا او عمان على ان يعيش بين مطرقتي الموت وسندان الخوف في بلده.
-واستكمالا لكلام الحاج عبد الكريم يضيف جاره السيد بكر العمري قائلا:
ان التاجر اساسا يصنف في النظم الاقتصادية على انه رأس مال متحرك، وهذا رأس المال كالزرع الخير لاينبت الا في ارض صالحة وبدون هذه الارض لن يكتب له النمو مهما كان الزرع خيرا، ولكن يبقى الاهم من هذا ايماننا بدورنا في الواقع الاقتصادي ونموه في بلادنا لما تملكه من ارتباطات اجتماعية تحتم علينا الاحتهاد والتفاني لتنمية الاستثمارات داخل العراق ولكن وللأسف الشديد يمكن القول ببساطة ان هناك مؤامرة كبرى على اقتصاد هذا البلد وتلعب فيه دول كبرى واياد خفية دورا بارزا في هذا المجال، وهناك امثلة كثيرة على هذا الكلام.
فالتاجر العراقي في النظام السابق كان اذا رغب في الاستثمار في خارج العراق يجد العديد من المعوقات القانونية في هذا المجال والذي تضعه دول وحكومات تلك الدول على رأسها كمثال الاردن والامارات، بالرغم من ان الحكومة العراقية كانت تضع العديد من التسهيلات لتدفق تجارهم الى بلادنا وتسهل لهم العديد من الاستثمارات والتي تعود عوائدها الى بنوكهم وليس الى بنوكنا مثل طبع الكتب المدرسية والدفاتر وحتى ورقة الحصة التموينية كانت تطبع في سوريا كمثال بسيط على ذلك، وطبعا الغايات في ذلك كانت معروفة.
ولكن اليوم وفي الوقت الذي نجد فيه التاجر محاصرا بالارهاب من جانب ومن الحكومة من الجانب الاخر والتي تثقل كاهلنا عام بعد اخر بشتى انواع الضرائب والرسوم وغيرها الكثير من سمات سوء الادارة الاقتصادية، ويضيف:- وسط هذه الازمات تفتح الينا الابواب على مصرعيها من قبل دول تعلن استفادتها من هذه الازمة وسهلت للعراقيين شروط الاستثمار واهمها حق العراقيين في العمل في دولها مثل ماهو موجود الان في عمان وهذا لم يكن موجودا في عهد النظام السابق واترك للقارئ الكريم ان يتمعن في عواقب مثل هذه القوانين بالنسبة لدولة مثل العراق ومن ثم بعد هذا كله تسال لماذ يسافر العراقي الى الخارج.
السيد (لزكين علي)-52عاما- تاجر قطع غيار للسيارات(السنك):- الاقتصاد العراقي اعتقد انه لن تقوم له قائمة على المدى القريب بعد هذا المستوى المتدني للوضع الامني الحالي، ومثلا على ذلك في نفس هذا الشهر من العام الماضي كنت استلم يوميا شحنة او اكثر احيانا من من مواد وقطع غيار السيارات كوني احد تجار الجملة، ولكن اليوم انا لا استلم الا كل اسبوعين او ثلاثة وجبة واحدة وذلك طبعا يعود الى في الاساس الى مقدار تراجع الطلب على البضائع عامة وكما هو معروف فان اساس البيع والشراء هو العرض والطلب من قبل البائع والمشتري.
فالمعابر الحدودية ونقاط الكمارك فيها تفرض علينا رسوما لم ينزل الله بها من سلطان وخارج نطاق القانون(اي بدون وصولات قبض) وطبعا هذا كله يجري امام رجال الامن (الشرطة) دون رادع قانوني او اخلاقي، واشمل في هذا الخصوص جميع المعابر دون تمييز بين كوردستان او الجنوب، وقد اضطررت في احد المرات ان اشحن بضاعتي من بلغاريا الى العراق عبر خليج العقبة وتحملت تأخر الشحنة على حساب ادخالها من المعبار الشمالية ومن خلال تركيا، هذا الى جانب تردي الحالة الامنية وعدم تأمين طرق النقل بشكل دائم بين بغداد وغالبية المحافظات المحيطة بها ادى الى ان تكون بضاعتنا مهددة منذ لحظة خروجها من المصدر لحين وصولها فضلا عن تعطيل دور مؤسسات التأمين على البضائع في العراق، وغير هذا الكثير مما دفعنا انا وغيري للانكماش على واقعنا ونقل اموالنا لغرض استثمارها في الخارج.
ان مايحز في النفس فعلا هو اجبارنا وبدون ارادتنا على هجرة اوطاننا للبحث عن فرص في دول تقدمت وتطروت على حساب راس المال العراقي.
اتذكر اول مرة دخلت عمان قبل عقد التسعينات وانفتاحها التجاري على العراق كيف كانت غالبية شوارعها غير مبلطة وحتى المبلطة منها كانت رديئة وانظر الى حالها اليوم، ولا اقول هنا سوى حسبي الله ونعم الوكيل.
السيد (غضبان السيد مهاوش-55عاما-) صاحب شركة لاستيراد المولدات الكهربائية في (عقد النصارى) يقول: اي تجارة واي عمل هذا الذي يغرينا بالبقاء وسط اتون هذه النار التي عمدت الى التهام الغث والسمين في هذا البلد المبتلى في مضمار الصراعات الدولية والحزبية وحتى المذهبية منها والقومي، فبضاعتنا التي هي رأس مالنا نستوردها بمئات الالف من الدولارات ولكن تسقط بين ايدي قطاع الطرق خاصة في الطرق الرابطة بين بغداد والبصرة فضلا عن قتل وكلائنا وسواق السيارات ومن ينجو منهم اليوم لايعود الى مثل هذا العمل من جديد، فضلا عن ارتفاع اجور النقل والتي اثرت بشكل سلبي على سجل الاعمال واسعار المادة المقدمة الى المستهلك، فوفود العربات تضاعفت الى اكثر من خمسة اضعاف في مدة قصيرة نسبيا لمثل هذا التحول، وكانت حجة الحكومة هو حاجة العراق الى دخول منظمةالتجارة العالمية وهذا بنظري خطأ فادحا ترتكبه اي حكومة في هذه الفترة العصيبة فالمملكة العربية السعودية ورغم حالة الازدهار الاقتصادي وبحبوحة العيش التي ينعم بها الفرد وارتفاع مستوى الدخل فيها الا انها لم تدخل الى مثل هذه المنظمة الا قبل ثلاث سنوات وارجو عقد مقارنة بسيطة بين الحالين، هذه النقاط وغيرها اكثر النقاط التي اثرت في مجمل النشاط التجاري للبلد في رد فعل سلبي في رغبات الاستثمار في اوطانهم مما دفعهم الى ترك اوطانهم الى اجل غير مسمى.
اراء اخرى
اذا كانت الاراء السابقة تعبر اراء اصحاب رؤوس الاموال في الواقع الاقتصادي فان لبقية التجار اراءهم ايضا في المشكلات التي اخذوا يأكلون معها ويشربون.
فالسيد (حيدر حميد-38عاما-) صاحب احد الاسواق الكبيرة في حي الكرادة يقول: لايمكن احصاء عدد المشكلات والصعوبات التي تزلزل كيان التاجر العراقي على اصابع اليد فالتاجر الذي لاتخضعه مافيا الفدية (المرتبطة بطريقة او بأخرى بالارهابيين لتمويل توجهاتهم المنحرفة) او مايطلق عليهم بالعامية (العلاسة) ليسلب محله او داره، هذا الى جانب زعزعة العامل النفسي لكي يزيد عنها البلاد فبين تزايد الفوضى الامنية وتددها في خطط امنية لاطائل من اتستحداثها سوى اذى المواطن تزداد الاغتيالات وسط جحيم الانفجارات للعبوات الناسفة والسيارات المفخخة التي لم تعد تستثني منها العراقيين عن الامريكان(هذا اذا كان اكو امريكان) لا لشيء سوى ليتسلل الخوف بعد ذلك الى القلوب، فنترك لهم الوطن (بصوفه وبحليبه واحنه الممنونين) وعدم التفكير بعدها بالعودة على الرغم من صعوبة الامر في الواقع، على الاقل لحين استقرار الوضع الامني.
السيد (حسين الراوي-32عاما-) صاحب محل لبيع اجزة الاتصال الخلوي (الموبايل) في الحارثية يقول:
لن تعود الثقة الى التارج العراقي بواقعه وبلده الا بعودة الثقة بين السلطة والشعب فغياب الثقة والمصارحة بين المسؤول والسائل في وطننا اساس البلاء فيما نتعرض اليه اليوم كل يوم، فالامان عنصر اساس في ديمومة الحركة التجارية في بلدان العالم والحالة التي نعيشها اخذت لاتطاق لسلسلة حالات القلق المتواصل، فقبل ايام معدودات تم اختطاف احد ابناء عمومتي وحين سعوا للتشكي في احد مراكز الشرطة سألهم الضابط المسؤول لذلك المركز عن محل سكناهم وحين اخبره بشرهم خيرا ان (علاسة) هذه المنطقة (طيبين) لانهم لايقتلون رهائنهم بل يتقاضون فدية فقط وبعدها يطلقونهم!! وفعلا وبعد ايام معدودات اتصل بهم الخاطفون وطالبوا بفدية قدرها(20000) الف دولار، والحمد لله فقد اعادوه الى اهله حيا بعد ان اوسعوه ضربا واهانة، وبسبب هذه المنغصات وغيرها تدفع بالكثيرين لمغادرة البلاد والرحيل عنها مع افراد اسرتي لاني لا احتمل ان اتعرض انا او احد ابنائي لمثل هذا الموقف، وطبعا (للصبر حدود).
وسط اسواق اليوم
في احدى المجمعات التجارية في الكرادة والتي لم يبق منها سوى اطلال ماكانت تملأ به في السابق استعلمنا من احد وكلاء هذه البناية عن اصحاب هذا المجمع ولم هو اليوم فارغ تماما من محتواه فاجاب فأجاب بالقول: هذا المجمع يعود للحاج(...) والذي غادر العراق قبل اكثر من عام بعد ان حاول النفر الضال لاكثر من مرة خطفه واغتياله وبعد فشلهم عمدوا الى اختطاف احد ابنائه ولم يتمكن من استرجاعه رغم انه دفع فدية عنه قدرها (40000) دولار، ومن ذلك اليوم سافر ولم يعد حتى يومنا هذا.
واضاف بعدها بالقول: ثلاث سنوات واكثر والحال في ترد ولا وجود لا تحسن ولا هم يحزنون) فالامان في الاسواق العراقية كما هو في العراق متعثر بقدر كبير، وللعلم فان هذا المجمع وغيره الكثير كان مسؤولا عن تشغيل المئات من الشباب العاطل الذين لم تتمكن الحكومة من استيعاب قدراتهم.
واقول اخيرا اذا استمر الحال على ماهو عليه فان الخاسرين في البلد كثر ولكن من المؤكد ان المستفيدين في الدول التي يهاجر اليها التجار اكثر وهم بعدها الرابح الاكبر من هذا الحال.
السيد (سمير كاظم-35عاما-) صاحب محال الاخوين في سوق الالكترونيات في الشورجة يقول:
التجارة هي مهنة ابائي ومن قبلها جدي (رحمهم الله) وانا من خلال عملي في هذه المهنة والتي تجاوزت طولها النصف قرن لم يمر علي حال اسوأ مما هو عليه الان ولا اعتقد بعدها انه مر على تاريخ مثيل، فما تعلمناه نظريا وعمليا في هذا المجال ان الاقتصاد الناجح يكمن اولا في دعم الحكومة للتاجر المحلي ورؤوس الاموال في الداخل، وثانيا تسهيل دخول الاستثمارت الاجنبية من الخارج، وهذا برأيي سيؤدي الى تنامي الموارد الكمركية للمنافذ الحدودية العراقية اذا ماحسبنا حجم التبادل بين الصادر والوارد. وهذه السياسة المبسطة اعتمدتها الكثير من الدول التي لاتتوفر لديها ثروات نفطية ونجحت في تنمية اقتصادها نجاحا باهرا.
ولكن في العراق يسير الاقتصاد بالاتجاه الخاطئ(بالمقلوب) لما يشهده السوق يوميا من انتكاسات نتيجة استهداف مجموعات العصابات والتي تحولت اليوم الى مافيات للشركات الكبرى واغتيال مديريها او قتل التجار وتهديدهم بشكل او بأخر فضلا عن حالات حرق المجمعات التجارية مثل (الشورجة)، وكذلك هناك نقطة اخرى هامة ادت الى مالت الامور عليه الا وهو دور الاعلام التحريضي والذي مارس دور اكيدا في تشويه عامل الاستقرار ولو الجزئي في محافظات شتى من العراق، حيث امكانيات الاستفادة منها في بناء جذور استثمارات قوية خاصة في محافظات البصرة.
كما ان الحكومة لاتزال غير واعية لدور الاقتصاد في انتشال الواقع العراقي من هذه الهوة التي هو فيها.
خلاصة القول
لايمكننا هنا اخيرا وفي اي حال من الاحوال الانتقاص من حق اصحاب رؤوس الاموال في هجرتهم الى خارج البلد بعد ان تحولوا الى فرائس سهلة النيل في غابة يتسلط فيها المفسدون على الشارع العراقي فيسفكون الدماء حيث حلوا وحيث اقاموا، وبعد ان كان التاجر العراقي محاصرا من الخارج يعيش اليوم حصارات لاقسى واشد ينبع من الداخل دافعا به الى الخارج.
نشر بتاريخ ((04/11/2006))
التعليقات (0)