بعد قميص ميسي .. هل يأتي البوكيمون؟
مصعب المشـرّف
2 أوغـسـت 2016م
الخدعة والغش المفضوح الطعم الذي إيتلعهما الرئيس عمر البشير بشهية يحسد عليها ؛ حين صدق أن ميسي قد أرسل إليه إحد قمصانه هدية كتعبير عن إعجابه ومؤازرته له ..... هذه الخدعة والغش ما كان لأبطالها من مندوبي مؤسسة Leading Edgeللدعاية والإعلان والعلاقات العامة ..... ما كان لهؤلاء النصابين وعلى رأسهم تلك الشمطاء الماكرة أن يعبروا الموانع البروتوكولية ؛ والوصول إلى داخل مكتب رئيس جمهورية بهذه السهولة ؛ لولا أنه كان لهم داخل القصر شركاء إستراتيجيون ؛ قبضوا من العمولات ما يسيل له لعاب الأفندية في دولة أفريقية فقيرة ....... ولا ندري ما هو الآتي بعد فضيحة القميص و مسرحية الزعامة ؟ .... يبدو أنه لم يتبقى بعد ذلك سوى البوكيمون .
أخطاء مكتب رئاسة الجمهورية لم تعد بخافية على أحد . خاصة في زمن حرية المعلومة وسهولة الوصول إلى الحقائق من خلال إستخدام وسائط المعلوماتية الشائعة.
أخطاء مكتب رئاسة الجمهورية من الغفلة والسذاجة والحماقة بمكان حتى ليخيل إليك أنها من بنات أفكار عمك تنقــو.
فعلوها قبل ذلك عندما جاءت المطربة السورية أصالة للغناء في حفل زواج إبنة ثري سوداني . فأعدت لها الرئاسة إستقبالاً رسميا لم يكن يحلم به شكري القوتلي .... ومن صالة كبار الزوار بالمطار خرجت أصالة في موكب رسمي مهيب معية وزير الإعلام ونصف موظفي وزارته ؛ دون أن يأبه أحد لصرخاتها وتوسلاتها وصيحات زوجها آنذاك (أيمن الذهبي) و طليقها فيما بعد ؛ وهو يستجدي المرافقين ويصحح لهم المعلومة (على طريقة إحنا بتوع الأوتوبيس) بالقول :
- (إحـنـا بتــوع الفـــرح ).
ثم فعلوها في غفلتهم عن تنبيه الجانب المصري بضرورة وضع العلم السوداني خلف مقعد رئيس الجمهورية ..... ورفض تعليق خريطة سياسية تشمل أراضي سودانية محتلة ..... ثم عند إستقبال رئيس الجمهورية لمطرب يقال له إيهاب توفيق إستعـلى الملحق الثقافي لسفارة بلاده أو ممثل له عن مرافقته إلى القصر.
وكثيرون يتهكمون اليوم على وزارة الإعلام والصحف الورقية ، والقنوات الفضائية الرسمية والولائية والتجارية في محاولاتها الساذجة الحجرية العصر إستغفال الشعب .. ويكرر النصح لها بأن تواكب عصر المعلوماتية ؛ فتحترم نفسها قبل غيرها وتتحلى بالقدر اللازم من المهنية على أقل تقدير.
واليوم ومع نمو حجم الفضيحة وتداول الألسنة لها في الداخل والخارج . فقد إنبرى البعض يدافع عن موقف الرئيس البشير وشركاء الداخل .. ويسعى لتجريم الحيزبون مندوبة مؤسسة ليدنج إيدج وحدها .......
مثل هذه التبريرات لا تكفي بالطبع .... حتى لو إفترضنا حسن النية في الضحية ..... المسئولية تقع على عاتق الجميع ... النصابون والمنصوب عليهم ؛ لأن القانون لا يحمي المغفلين ..... ولعلنا نتمثل هنا بقول إبن القيم :
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ..... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.
إختيار إسم لاعب كرة القدم ميسي لم يكن موفقاً لهذا النصب والإحتيال من حيث المبدأ .... فميسي لا يعرف عنه تعاطفا مع مسلمين أو عرب .. بقدر ما أشتهر به من تعاطف مع إسرائيل . وأنه سبق له التبرع بمليون دولار لمصلحة إسرائيل أثناء حربها في قطاع غزة.
كذلك يواجه اللاعب ميسي تهماً بالتهرب الضريبي داخل أسبانيا .. وهي جريمة ستعرضه للسجن لا محالة لو تمت إدانته في المحكمة ....
وبحصيلة نهائية يمكن القول أن ميسي؛ ليس بذلك الشخص الذي يمكن إعتباره مثلاً أعلى أو جديـــر بالإحـترام حتى بالنسبة لعشاق كرة القدم.
لقد طفح الكيل ...... ولم يعد هناك من جدوى للسكوت والتعويل على سلاح النسيان ... فالشعب لا ينسى ....
مضى زمان الصحافة الورقية التي يقرؤها الناس صباحا ؛ ويفرشون عليها طعامهم آخـر النهــار .....
أصبحت الشفافية والتوثيق لكل كبيرة وصغيرة سمة العصر . فمعطيات حرية المعلومة الحديثة جعلت من كل حادثة وخبر متاحاً للقراءة والمشاهدة لسنوات ممتدة عبر الشبكة العنكبوتية.....
لابد من الشروع في إجراء تحقيقات رسمية صارمة لمعرفة ملابسات ما حدث .... ومن هم المتورطون من الجانب السوداني في طبخ هذا الإحتيال الذي نما وتحول إلى فضيحة مدوية ؛ جعل من السودان بكل تاريخه وإرثه الأخلاقي مدعاة للضحك والسخرية على نطاق العالم ....
لقد كان العالم العربي يضحك قبل (صفقة) شراء رئاسة الجمهورية لقميص ميسي المزور ..... كان يضحك من الخليج إلى المحيط على شخصية الصعيدي الذي إشترى التروماي في ميدان العتبة ..... ولكنه اليوم يقف مذهولاً مندهشا من هول ما جرى في الخرطوم .....
وحتما سيكون لهذه الحادثة ما بعدها من منتجات فنية كوميدية ساخرة ؛ بعد أن تنسحب الدهشة وتترسـب أملاح الكارثة والفاجعة في ثنايا الذاكرة ، وتتحول إلى إنطباع راسـخ.
تعدد حالات النصب والإحتيال التي تعرض لها الرئيس عمر البشير. وتلك التي سيتعرض لها مستقبلاً لامحالة إن إستمر الحال على هذا المنوال ؛ يستدعي للذاكرة بعضا من العبقرية التي كان يتمتع بها الرئيس السوري الراحل (حافظ الأسد) ؛ عندما إستدعى جهاز أمن دولته ومخابراته ، وأمرهما بأن يتم التدقيق على مقابلاته ومراقبة سكناته وحركاته والتصنت على مكالماته هو قبل غيره ..... فكان أن عاش مستوراً مهاباً ومات محترما.
ولعلنا هنا ولمقتضيات هيبة البلاد ومصداقيتها التي يمثلها المواطن الجالس على كرسي رئاسة الجمهورية ... فلربما نرى أنه قد آن أوان إستحداث روتين بقوانين ولوائح تمنع تفلت مكتب رئاسة الجمهورية ولجم هذه العشوائية . حتى لو أدى الأمر إلى وضع هذا المكتب تحت رقابة وتدقيق أجهزة المخابرات الوطنية .... وبما يحول دون تمرير أمثال هؤلاء النصابين إلى مكتب رئيس الجمهورية . أو خرق البروتوكول والمساس بهيبة المنصب على هذا النحو من البساطة والسهولة المثيرة للقلق.
واقع الأمر فإن أكثر ما يخشاه البعض يتمحور في أن هناك سماسرة في الوسط ممن لا يهتم سوى بما يصب في جيوبهم من الهدايا الثمينة .. والعمولات التي سيحصلون عليها من النصابين الدوليين والعرب والأفارقة ، نظير مساهمتهم في تسهيل وصولهم لشخص رئيس الجمهورية . بعد إقناعه بأن الأمر سيكون له الأثـر في تلميع صورته أمام الرأي العام المحلي والأفريقي والعالمي . وبما يساهم في تمزيق مذكرة القبض والجلب الصادرة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية ؛ بشأن إتهامات تتعلق بالإبادة الجماعية وإنتهاك جقوق الإنسان في إقليم دارفور.
لقد فعلت هذه المذكرة بالرئيس عمر البشير (على المستوى الشخصي) ما فعلت .... وهي تتفاقم وتضغط عليه نفسيا كلما تقدم به العمر ... وهي وإن كانت مصيبة على المستوى الشخصي . فإن مصيبتها على السودان أعم وأعظم.... والولايات المتحدة بوجه خاص ترفض الإنصات لمقولات وحجج بأن العقوبات إنما يعاني منها الشعب وحده .... فهي في المقابل على قناعة بأن هذه العقوبات من شأنها أن تستنهض الشعوب ؛ وتدفعها إلى الثورة على أنظمتها السياسية الحاكمة.
متى يدرك الرئيس البشير أن كل ما يأتي إليه به النصابون من حلول ومقترحات . وحيل للخروج من مطب المحكمة الجنائية الدولية والفكاك من الحصار إنما هو محض هراء ؟
هناك اليوم من يعول على (إثارة) إتهامات بتلقي شهود الإتهام أمام المحكمة الجنائية الدولية رشـاوى .... أو أن هناك رشاوى من مصدر مــا تلقاها مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية .... وأنه بالإمكان إلغاء الإتهامات الموجهة للرئيس البشير .
هذه المحاولة لن تجدي فتيلا .. فإذا كان هناك شهود إتهام سيعترفون على الملأ بأنهم تلقوا رشاوي لإدانة البشير . فإن ذلك سيثير الشكوك ؛ ويعزز احتمالات أنهم تلقوا رشاوي من الحكومة السودانية لتغيير أقوالهم وعكس شهادتهم السابقة.
ثم أنه لا يمكن أن تكتسب مثل هذه الإستنتاجات بتلقي الشهود رشاوى ... لايمكن أن تكتسب حجة قانونية قابلة للطرح والإستدلال ما لم يتم إثارتها داخل أروقة المحكمة أمام منصة القضاء.
وهو ما يعني بشكل مباشر أن تظل المحكمة الجنائية الدولية قيد التواجد والإنعقاد ... ويضاف إلى ذلك أن المحكمة ستطلب في هذه الحالة حضور ممثلي الدفاع أمامها للنفي .... وقبول المحكمة الجنائية حضور ممثلي الدفاع للنفي لا يكون إلا بعد إلقاء القبض على المتهم .... ثم وبحضور (المتهم) شخصياً ، والجلوس في قفص الإتهام داخل قاعة المحكمة في لاهاي.
ثم أن على الشهود الذين سيعترفون بأنهم تلقوا رشاوى بغية توجيه الإتهامات للرئيس عمر البشير .... على هؤلاء الشهود أن يثبتوا لهيئة قضاة المحكمة الجنائية الدولية في هذه الدعوى .... عليهم أن يثبتوا أنهم تعرضوا لضغوط تهدد حياتهم للإدلاء بشهادات زور ... وإلا فإن إعترافهم بأنهم تلقوا رشاوى مالية سيعرضهم تلقائياً للمحاكمة والسجن......
إحتمال إنسحاب الدول الأفريقية من عضوية المحكمة لن يؤدي إلى حلها ؛ لأنها وببساطة لم تكن هي التي شكلتها ... وليست هي التي تنفق عليها.
وحتى لو جرى حل هذه المحكمة اليوم فإن قرار الحل لن يسري على تاريخ سابق ... وبالتالي فإن جميع الدعاوى الماثلة أمامها اليوم ؛ سيتم تحويلها إلى محاكم جنائية أوروبية أخرى ترتبط فيما بينها بعلاقات وأطر ضمن منظومة الإتحاد الأوروبي المحكمة التنسيق... وهو ما يعني بالضرورة إذعان كل دولة عضو في هذا الإتحاد لتنفيذ مذكرات قبض وجلب صادرة من محكمة جنائية في دولة أخرى من الدول الأعضاء في هذا الإتحاد.
وفي كل الأحوال فإن على الرئيس عمر البشير (شخصياً) أن يدرك أنه يواجه تهماً أمام محكمة جنائية تستلزم حضوره أمامها .... وليس أمام محكمة مدنية يستطيع أن يكتفي بتوكيل محامي للدفاع عنه في غيابه.
ويتبقى بعد كل هذا الإشارة إلى الإحتفالية التي أقامتها إحدى المؤسسات الأكاديمية الأثيوبية ومنحت خلالها عمر البشير أوسمة ، وخلعت عليه لقباً بالزعامة الأفريقية ..... ويثور هنا تساؤل حول موقع هذه المؤسسة التعليمية بوصفها مؤسسة أكاديمية وطنية أثيوبية محلية ولا علاقة لها بالإتحاد الأفريقي .... وحيث لم يصدر قرار رسمي بهذا الشأن من مؤتمر لقمة أفريقية .. وهو ما يفسر خلو الإحتفالية من تمثيل رسمي قاري ؛ ناهيك عن حضور رؤساء أفارقة ... لا بل وأحجم رئيس الوزراء الأثيوبي عن المشاركة فيها ، وإنشغل بدلاً عن ذلك بإستقبال وتلقي أوراق إعتماد بعض سفراء الدول الأجنبية في بلاده.
على البعض من البلهاء ومنتجات إذاعة صوت العرب والتعليب الإعلامي العربي الناصري النمطي إدراك أن الظروف الإجتماعية والسياسية التي كانت بالأمس قد زالت اليوم ... وأن القناعات التي تكونت خلال حقبة الخمسينات من القرن الماضي قد أكل الدهر عليها وشرب ... فلم يعـد هناك وجود أو حاجة لزعـامات بقدر ما باتت الشعوب والكيانات تبحث عن قيادات واقعية منتجة بمقاييس مهاتير محمد ؛ تحقق إنجازات في مجالات التنمية المتعددة . والنهوض بقدرات المجتمع تجاه أهداف ؛ وغايات مرصودة دقيقة محسوبة ، لاتحتمل الوعود العجفاء أو تكتفي بالعنتريات والخطب الرنانة ..... والتهديد والوعيد خلف مكبرات الصوت بمحاربة طواحين الهواء ..
ولعلنا هنا نتساءل أيضا عن مغـزى نأي حلفاء عمر البشير من الإسلاميين في حزب المؤتمر الوطني ونظام الإنقاذ عن الإطلالة البهية ، والمشاركة في استقبال رئيس الجمهورية عند عودته حاملً لقب الزعامة من أديس أبابا ... وحيث تحملت خزينة ولاية الخرطوم وحدها التمويل ، وأعباء الحشد والتنظيم على يد واليها الفريق عبد الرحيم محمد حسين.
التعليقات (0)