تأكد خلال الأسبوع الماضي أن حراس السجن المركزي بمدينة القنيطرة (30 كيلومتر شمال العاصمة الرباط) أحبطوا محاولة فرار كان يعتزم القيام بها عشرة سجناء ينتمون إلى تيار "السلفية الجهادية".
وتم اكتشاف محاولة فرار السجناء العشرة على الساعة السادسة صباحا، حين كانوا يحاولون تسلّق سور السجن عبر حبل صنعوه من الأغطية وقطع من الثوب، وليتم بعد ذلك اكتشاف حفرة داخل غرفة أحد السجناء السلفيين الذين حاولوا الفرار، وبالضبط في مكان وجود مرحاض الزنزانة، حيث تبين أن المعتقلين تتبعوا مجاري الصرف الصحي، وهو ما سهّل عليهم عملية الحفر، حيث اتبعوا مسار المجرى المائي فأوصلهم إلى ساحة الفسحة اليومية، ومنها حاولوا تسلّق السور لكنهم وجدوا أنفسهم أمام سور آخر، ولدى محاولة تسلقهم اكتشفتهم دورية لحراس السجن.
ومعلوم أن عددا من شيوخ السلفية الجهادية قد بعثوا برسائل إلى الجهات المعنية من أجل فتح حوار معها على أساس احترام ثوابت الدولة المغربية، وهو ما جعل عددا من التكهنات أن المملكة المغربية قد تدخل في حوار معهم لاعتبارات إقليمية ودولية نجحت في فتح باب الحوار مع التائبين من تيار السلفية الجهادية.
وتساءل مهتمون بالشأن الديني والسياسي حول ماذا كانت هناك علاقة بين إعلان وزير الأوقاف المغربي من أن الدولة لن تفتح باب الحوار مع أعضاء تيار السلفية الجهادية والعملية الأخيرة لمحاولة فرار السجناء الإسلاميين.
ومن جهة أخرى تساءلوا حول ما إذا كانت هناك علاقة لعملية الفرار الأخيرة وموعد الإعلان عن مبادرة المصالحة، التي أوردها الشيخان الإسلاميان المعتقلان أبو حفص عبد الوهاب الرفيقي وحسن الكتاني، حين أعلنا أنهما "سيظلوا على منهج الاعتدال والوسطية ولو قدر لهما البقاء خلف القضبان طول أعمارنا" لخلط الأوراق.. على اعتبرا أنها قد تشوش على مستقبل حوار الدولة وشيوخ تيار السلفية الجهادية، أم أن الفرار كان مجرد مصادفة.
وإذا كان السياسيون والحقوقيون وخبراء القانون وعلماء الدين يرون أن الظروف الآن مواتية لإصلاح أعطاب مكافحة الإرهاب في المغرب، واعتبروا أن عدم إعادة محاكمتهم محاكمة عادلة يقوي فرضية أنهم مظلومون، مما اضطرهم إلى التفكير في الفرار، فإن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي أحمد التوفيق ذهب إلى عكس ذلك، حين أكد أن لا حوار مع أعضاء "تيار السلفية الجهادية في برنامج "حوار" التلفزيوني، وعد هذا التصريح أنه جواب على شائعات كانت الصحف المغربية قد ناقلتها مفادها أن جهات رسمية باشرت حوارات انفرادية مع عدد من شيوخ السلفية الجهادية.
ويعتبر عدد من المحللين السياسيين أن الهجمات الإرهابية ليست نتاج تفاعلات داخلية، وإنما هي محاولة أعضاء السلفية الجهادية للتماهي مع واقع عالمي ودولي، أرادت من خلال تسجيل نوع من التحدي للاستراتيجية العسكرية التي أعلنها جورج بوش على الإرهاب، ولإبراز نوع من التضامن مع حركة طالبان، وبأن هذا التضامن بمحاربة كل المصالح الأمريكية أنا كانت في مناطق العالم، فكانت أحداث البيضاء، كرد فعل متشنج لأعضاء السلفية الجهادية.
وتكاد المنظمات الحقوقية تجمع على ضرورة اعتماد الدولة لـ "مقاربة تصالحية" مع ما يطلق عليهم بمعتقلي "تيار السلفية الجهادية"، وعدم الاكتفاء بالمقاربة الأمنية الصرفة، لأنها خلفت ضحايا كُثر بسبب أعطاب حقوقية شابت تعاطي الدولة لملف "الإرهاب" في المغرب.
ويؤكدون على شرعية مطالب أعضاء السلفية الجهادية بفتح الدولة لحوار مع شيوخ السلفية على خلفية المبادرة التي أطلقها عليها "أنصفونا"، والتي أعدها الشيخ "عبد الوهاب الرفيقي، الملقب ب "أبو حفص"، الذي كان قد اعتقل قبل تفجيرات الدار البيضاء (16 ماي 2003) بتهمة "المسؤولية المعنوية على التفجيرات وكونه أحد شيوخ التيار السلفي الجهادي". وحظيت بموافقة "شيوخ" آخرين هم حسن الكتاني، ومحمد الفيزازي، وعمر أبو الفضل الحدوشي، وقُسمت على ثلاثة محاور أساسية ضمت "مقدمة تاريخية للمراحل التي قطعها هذا الملف"، و"نص المبادرة وأهدافها وشروط الانضمام إليها"، و"التأصيل التشريعي لمبادئها العشرة".
ويرجع تأسيس الجماعة السلفية الجهادية إلى محمد الفيزازي الملقب بأبي مريم (54 عاما) في مطلع التسعينيات، كان خطيبا في مساجد فاس وطنجة، ونازع عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل والإحسان، وخاصة نهج جماعته في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك في كتابه "رسالة الإسلام إلى مرشد جماعة العدل والإحسان"، وانتقد في نفس الكتاب الانتماء الصوفي ومهادنة السلطان.
وينفي مؤسس هذه الجماعة الانتماء إلى "السلفية الجهادية" ويؤكد أنه مسلم يؤدي صلواته في مساجد المغرب، وأن جماعته هي جماعة أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والعبادة والنهج، وليست سلفية جهادية.
وتعد هذه الجماعة إضافة إلى جماعة "الهجرة والتكفير" التي يقودها يوسف فكري (25 سنة) الزعيم الروحي، وجماعة "السلفية الجهادية" التي يوجد قادتها رهن الاعتقال، وقد ارتبط ذكر هذه الجماعات الثلاث بمجموعة من العمليات التي وقعت في مدن الدار البيضاء وفاس ومكناس وطنجة وتطوان والناظور.
وتنزع هذه الجماعات منزعا متطرفا لكونها تنشط سريا عكس الحركات الإسلامية التقليدية المشاركة في الحياة السياسية المغربية عن طريق امتداد في العمل الحزبي أو البقاء في الإطار الدعوي الديني، مثل "حركة التوحيد والإصلاح" الدرع الدعوي لحزب "العدالة والتنمية" و"جماعة العدل والإحسان" الأكثر انتشارا وتنظيما وحركة الدعوة والتبليغ...
وتجدر الإشارة أن المغرب قد اعتقل من تيار "السلفية الجهادية" بالمغرب بمجموعة أفراد متدينين تشبعوا بالفكر الجهادي، وتجاوز عددهم أكثر من خمسة آلاف معتقل، اعتقلوا على خلفية تفجيرات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء و11 سبتمبر 2001 بأمريكا، وتمت محاكمتهم بحسب مقتضيات قانون مكافحة الإرهاب تراوحت ما بين الإعدام والمؤبد ومدد محددة. ومنذ ذلك الحين طفا على سطح النقاش الحقوقي والسياسي بالمغرب عن وجود محاكمات غير عادلة، وتدخلات عشوائية، وظروف غير إنسانية في حق المعتقلين، واعتبرت بعض الهيئات أن الطريقة التي تمت بها المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب كانت متسرعة وتمت في ظروف متشنجة، بل واعتبر البعض هذا القانون بمثابة ترضية لجهات خارجية في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
يرى بعض المحللين السياسيين أن حل ملف السلفية الجهادية لا يجب أن يخضع لمقاربة أمنية فقط، تبحث عن ضمانات شفوية لإخراج المعتقلين من السجن دون الدخول معهم في حوارات فقهية ترسم أساسيات المراجعات الفكرية، مراجعات تتقوى بالدليل الشرعي. ويتخوف أصحاب هذا الرأي من أن يتحول شيوخ الجماعات السلفية إلى سلطة دينية شعبية تربك الشأن الديني المغربي بشكل من الأشكال، إذ سيحسون حينها أنهم قد انتصروا في معركتهم ضد الدولة أو ضد من كان يريد لهم السجن مأوى أبدي.
لكن الكثيرين بما فيهم الدولة نفسها تحس اليوم بالضغط الحقوقي على المغرب بعد حصوله على صفة الوضع الحقوقي، كما أن الأجهزة الأمنية المغربية اليوم تعلم أن الفكر الجهادي في المغرب لا يتعدى الحدود الفكرية، وأن هذه الفئات في عمومها لم تصبح فئات حركية أو جهادية بعد إلا بنسب جد ضعيفة، وذلك نتيجة البنية الثقافة الاجتماعية المغربية وشكل التدين في المجتمع المغربي. وأن تضخيمها أرقام سجناء السلفية الجهادية مسيء لصورة المغرب، ذلك أن من نتائجه سوء الفهم الدولي بأن يصبح كبلد يفرخ الإرهاب، وهو ما يؤثر سلبا على المغاربة المقيمين بالخارج، حيث أصبحوا في أعين المخابرات الأجنبية إما كمبحوث عنهم خارج الوطن بتهمة الإرهاب، أو مخبرين.
ويرى عدد من الحقوقيين أن مسألة تدبير قضية السلفية الجهادية من المقاربة التصالحية أصبح بالأمر الضروري، بناء على تصنيفات موضوعية لمعتقلي الأحداث الإرهابية الذين يوجدون على مستويين، منهم مرتكبو العنف وجرائم قتل باسم "النهي عن المنكر والأمر بالمعروف"، وهؤلاء لا تهمهم "المقاربة التصالحية التي رفع شعارها شيوخ السلفية" وإنما وجب تمتيعهم بحقوق السجناء المنصوص عليها في القانون فقط.
ومنهم "الشيوخ" الذين أدانهم القضاء بالمسؤولية المعنوية عن تفجيرات 16 ماي"، وذلك لأنهم نظروا لتيار السلفية الجهادية وروجوا له، وكذا الذين تم اعتقالهم على هامش الأحداث، والذين ترددوا على أفغانستان أو باكستان، أو استضافهم تنظيم القاعدة على الحدود الباكستانية الأفغانية، أو في معسكرات قندهار.
وترجع عدد من المهمتين أن عدم اقتناع الدولة بحل ملف السلفية يرجع إلى غياب الإجماع على ذلك، حيث يرفض بعض العلمانيين المغاربة إجراء حوار مع أعضاء السلفية، مؤكدين أن المناخ العام لإجراء حوار حول المراجعات الفكرية لأعضاء السلفية الجهادية في هذا الوقت غير متوفر، بدليل أن الجماعات الإسلامية المغربية المنخرطة في العمل السياسي السلمي، لا تملك الجرأة الحقيقية للدخول مع شيوخ السلفية الجهادية في حوار لا بد منه لصالح المجتمع، وهناك من يعتبر ذلك أن الجماعات الإسلامية المغربية المعتدلة ترى أنه من مصلحتها الإبقاء على هذا الوضع، لتبقى هي البديل الأوحد داخل المجتمع.
في حين يرى عدد من الحقوقيين المغاربة أن الوضع اليوم بات يسمح لسحب هذه الورقة الحقوقية من سجل الدولة، كما يعتبرون أن هذا المطلب هو توجه الإدارة الجديدة لبارك أوباما اليوم، التي تحاول تصحيح أخطاء الإدارة السابقة في مجال حقوق الإنسان، إضافة إلى كون عدد من الدول العربية والإسلامية في سعيها للحوار حول مراجعات فكرية مع معتقلي تيار السلفية قد أثمرت نتائج جد إيجابيا واندمج السلفيون بشكل نهائي داخل مجتمعاتهم، بل وتراجعوا عن أفكارهم السابقة. ومن هذه التجارب هناك التجربة السعودية والليبية والمصرية والجزائرية... ومؤخرا أعلن أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز عن عقد جلسات المراجعة الفكرية مع التيار الجهادي، وقال: إن "الحوار مع سجناء التيار الجهادي كان بالغ الأهمية رغم أن البعض أنتقده وشكك في أهميته".
والحق أن الوضع الديني بالمغرب وعلى الأقل في الوقت الراهن غير مستعد لاستيعاب مراجع دينية غير رسمية، قد تزاحمه في تأطير الشأن الديني، خاصة وأن عددا من شيوخ السلفية لهم مواقف معارضة لإمارة المؤمنين، ويرجح أن تكون هذه النقطة الخلافية هي محور فشل المراجعات الفكرية التي انطلقت في السنوات الماضية دون أن تفضي إلى حل.
كما أن من شأن كارزمية شيوخ السلفية بعد خروجهم من السجن أن تشوش على الإجماع الديني المغربي، الذي تم حسمه رسميا من خلال استراتيجية دينية ملكية.
وكان تسعة سجناء مدانين بأحكام ثقيلة في قضايا الإرهاب، سبق لهم حفر نفق أرضي في السجن المركزي بالقنيطرة، الذي يخضع لحراسة أمنية مشددة على مدار الساعة، وتمت عملية الفرار بعد حفر قناة طويلة تحت الأرض تبلغ 25 مترا، وهي المسافة الرابطة بين الزنزانة 46 وحديقة منزل المدير، وكانت العملية أشبه بفيلم هوليودي أخرج بإتقان كبير، ولذلك لقبت الصحافة المغربية الحدث المفاجئ للهروب على اسم الفيلم الأمريكي الشهير»الهروب الكبير« «La grande Evasion» للمخرج جون ستورجس.
وكان معتقل إسلامي في ما يعرف بملف السلفية الجهادية، هو الذي خطط لعملية الفرار المعروفة بالسجن المركزي بالقنيطرة ليلة 7 أبريل لسنة 2008، برر ما أقدموا عليه المحكومين بمدد تتراوح بين الإعدام و20 سنة ظروف المحاكمة التي وصفها بغير العادلة وغير المفهومة.
ومعلوم أن فرارهم جاء بعد إضراب شامل عن الطعام خاضه أكثر من ألف معتقل من معتقلي ما يسمى بـ"السلفية الجهادية" بالسجون المغربية؛ احتجاجًا على ظروف اعتقالهم "السيئة".
وكان المثير في عملية الفرار تلك البيان الذي تركوه مكتوبا على حائط الزنزانة التي فروا منها: «لا للظلم فهو ظلمات يوم القيامة، سلكنا كل السبل وطرقنا كل الأبواب دون جدوى، فلم يبق لنا سوى هذه الوسيلة، نرجو أن تتفهموا هذا الأمر ... لن نؤذي أحدا إلا إذا آذيتمونا... نتمنى ألا تكرر سياسة التعذيب الجماعي... لا أحد من الإخوة -السلفيين الجهاديين- يعلم بأمر هذا الفرار، نحن نتحمل المسؤولية وحدنا، ولا دخل لأي سجين أو موظف بسيط في الأمر... نعتذر لكم عن الإزعاج، هذا هو الحل الوحيد«.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)