وأخيرًا قال شعب مصر العربي كلمته، وفاز مرشح الإخوان برئاسة مصر، وأصدر المجلس العسكري قوانين مقيدةً نشرها في الحال في الجريدة الرسمية من شأنها أن تحد كثيرًا من صلاحيات الرئيس في كل الأمور الحيوية الحساسة المصيرية، بعد أن كان هذا المجلس قد اتخذ قرارًا من قبل بحل مجلس الشعب المصري المنتخب.. إن تسلسل الأحداث في مصر، ولا سيما في ما يتعلق بنتائج انتخابات الإعادة التي تفوق فيها مرسي على شفيق بفارق بسيط يشير بوضوح إلى التكافؤ بين الرجلين، وبالتالي بين التيارين المتنافسين في الشارع المصري، كما يشير بوضوح إلى هذا الانقسام الحاد، والتفاوت الشديد بين وجهات النظر السياسية والاجتماعية والفكرية، وكافة التوجهات بين فئات الشعب المصري.. ولئن جاءت هذه القراءة واضحة في انتخابات الإعادة هذه، فإنها كانت كذلك في انتخابات الدورة الأولى عندما تفوق مرسي على شفيق بفارق بسيط أيضًا، وعندما جاء حمدين الصباحي في المرتبة الثالثة، وأبو الفتوح رابعًا، والتي لم يتمكن فيها أحد من إحراز نسبة الحسم، فكانت الدورة الثانية، وكانت أيضًا هذه النتائج عندما التقى مرسي وشفيق فيها وجهًا لوجه، الأمر الذي عكس هذا التباين في توجهات الناخبين، وعزز من مكانة المجلس العسكري، وشدد من قبضته على سير الحوادث والأحداث في مصر.
لو كان ما حدث في مصر من تقارب بين هذين المرشحين المتنافسين على الرئاسة قد حدث في بلد أوروبي لما شكل ذلك خطورة على الوضع الأمني، ولكن الوضع في مصر مختلف، فالمراقبون باتوا يخشَون الفتن التي قد تعصف بمصر نتيجة هذه التباينات والتناقضات، ونتيجة هذا التقارب في عدد الأصوات، ونتيجة هذا الاحتقان السياسي، والتراشق الكلامي، وتبادل الاتهامات، والدعوة إلى الاعتصامات والاحتجاجات التي دعت إليها جماعة السادس من ابريل، استنكارًا لهذه القوانين والإجراءات التي بادر المجلس العسكري لاتخاذها من أجل تقييد الرئيس الجديد، والحد من صلاحياته.
إن ما حدث ويحدث في مصر، وما قد يحدث فيها أيضًا من تطورات، وتوترات قد يكون حافزًا للبحث عن حل، وقد يكون دافعًا للبحث عن مخرج يجنَّب مصر شرور الفتن، ويحميها من عاديات الزمن، ويقيها مآزق الانقسام، ويصونها من نتائج الشقاق، ويبعد عنها شبح المتسلطين الحالمين بحكمها، والتصرف بمصيرها، والعودة بها إلى الأحوال التي سادتها، وفرضت عليها خلال أكثر من ثلاثة عقود خلت، وخلال أكثر من عقد قبل ذلك أدى إلى هذه العقود الثلاثة.. وما دام الأمر كذلك، وما دام الوضع خطيرًا إلى هذا الحد الذي يراه كثير من المراقبين والمحللين السياسيين، ونراه نحن هنا في فلسطين، نظرًا لتأثيره المباشر على قضيتنا الفلسطينية، قضية العرب الأولى والمركزية كما كان يقال منذ اكثر من ستين عامًا، وما دام هذا الوضع الخطير بحاجة إلى من ينزع فتيله المتفجر قبل أن نقرع سن الندم، ولات حين مندم، فإن على الرئيس الجديد المنتخب أن يعمل من أجل احتواء الموقف، ونزع فتيل هذه الأزمة، بل هذه الفتنة التي تطل برأسها على مصر أُمَّ العرب.. على الرئيس المصري محمد مرسي أن يوسع قاعدة الحكم في مصر، وأن يعزز هذا الحكم الجديد، وأن يرفده بكثير من مصادر القوة التي تمكّنه من العمل، وتمكنه من الاستمرار، وتمكنه من خدمة مصر، وخدمة كل أقطار العروبة.
يحسن مرسي صنعًا إذا هو كلف (أبو الفتوح) بتشكيل الوزارة، ويحسن صنعًا إذا هو أقنع حمدين الصباحي ليكون نائبًا أول لرئيس الجمهورية، ويحسن صنعًا إذا هو أقنع شخصية مسيحية قبطية لتكون النائب الثاني لرئيس الجمهورية (وبهذا نكون قد تجاوزنا ما حدث عام أربعة وخمسين، ونكون أيضًا قد تجنبنا شرور الفتن الطائفية) ويحسن صنعًا إذا هو تحلى بالحد الأقصى من رباطة الجأش، وهدوء الأعصاب، وإذا هو تحلى بالحد الأقصى من التسامح والحزم، وإذا هو تحلى بالحد الأقصى من الوعي، والشعور بالمسئولية، والعمل بروح الفريق الواحد، وإذا هو عمل على بناء مؤسسة للرئاسة في مصر تمثل كل المصرين، وتضع الضوابط والقوانين والإشارات والمؤشرات والمنطلقات والخطوط الحمراء والصفراء والبرتقالية أيضًا لتصرفات كافة المسئولين في الدولة من القاعدة إلى القمة، ومن أصغر مواطن في البلد إلى رأس الدولة الذي لا يمكن أن يكون كبيرًا جديرًا بالمنصب إلا بمقدار ما يمثل من أبناء هذا الشعب المصري، وأبناء هذا الشعب العربي، وأبناء هذه الأمة الإسلامية الواحدة من أقصى المغرب العربي إلى ما وراء أندونيسيا، والمنتشرة على مساحة من الأرض تبلغ ثلاثة وثلاثين مليونًا من الكيلومترات المربعة، وتضم في رحابها ربع سكان هذا العالم، وأكثر من سبعين بالمئة من مياهه وثرواته وخيراته.
التعليقات (0)