الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق كان قد طالب وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» في مارس عام 1972 بتأسيس جمعية تحمل اسم «جمعية اكتشاف ورعاية العلماء» لتعمل تحت إشراف الوزارة في عملية البحث عن الطلاب النابغين في الدول النامية ورعايتهم وتسفيرهم إلي أمريكا لاستثمارهم في مجال البحث العلمي، وفي شهر ديسمبر من نفس العام جاءت إلي مصر أول بعثة من الجمعية تحت غطاء السفارة الأمريكية في «القاهرة والإسكندرية» وتم اعتماد أفراد البعثة وعددهم عشرة أشخاص كباحثين في الجامعات المصرية طبقاً لاتفاقية التبادل العلمي بين البلدين، وخلال الفترة من عام 1972 وحتي اليوم تمكنت «الجمعية» من تسفير أكثر من خمسة آلاف شاب مصري تخرجوا في الجامعات المصرية بتقدير ممتاز، منهم من أصبح عالماً مشهوراً ومنهم من اكتفي بالبحث العلمي والنجاح في الاكتشافات العلمية دون البحث عن الشهرة.
وطبقاً لما جاء بملف تحريات السلطات الأمنية المصرية حول نشاط جمعية «اكتشاف ورعاية العلماء الأمريكية» عقب رصد عملها في مصر في فبراير عام 1973 وهو الملف الذي حمل رقم 17 حصر أمن دولة لعام 1973»: فإن البعثة المكونة من عشر أساتذة جامعيين أمريكيين برئاسة البروفسير ويليام ستوارت، تولت البحث عن الطلاب النابغين في جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية، وتمكنت الجمعية من تسفير أول دفعة من الطلاب الخريجين في شهر يناير عام 1973 وعددهم خمسة طلاب وهم: «محمد إبراهيم أيوب» خريج كلية طب قصر العيني و«أسامة خالد سعيد» خريج كلية العلوم جامعة القاهرة وأنور فؤاد البدري خريج كلية الهندسة جامعة عين شمس وضياء خليل البكري خريج كلية العلوم جامعة الإسكندرية، وجميعهم من خريجي دور مايو عام 1972، وتم تفريقهم فور وصولهم إلي نيويورك كل طالب في جامعة بعيداً عن الآخرين، وتمكن فريق العمل المبعوث إلي مصر من قبل الجمعية من تسفير أكثر من خمسة آلاف طالب متفوق يعملون حالياً في التدريس وفي البحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم من هو مشهور ومعروف دولياً ومنهم من هم ليسوا علي درجة كبيرة من الشهرة، ومن بين هؤلاء المشاهير الدكتور فاروق الباز مدير أبحاث الفضاء في بوسطن والدكتور فوزي اسطانوس خبير التخدير والدكتور محمد شقير خبير الزلازل وتقوية التربة والدكتور ماجد أبو غربة المتخصص في كيمياء المنتجات الطبيعية والدكتور عبدالمحسن قنديل الخبير في هندسة هوائيات ميكانيكا المواقع والدكتور إسماعيل السيد مبارك الخبير في الهندسة الإنشائية في مصر والدكتور علي حامد أستاذ وراثة الجينات والدكتور إسماعيل سراج الدين خبير العلوم السياسية، حيث توجهوا إلي السفارة الأمريكية بالقاهرة عام 1972 وقدموا أوراقهم وطلبات استكمال الدراسة في أمريكا وتم تقديم جميع التسهيلات لهم، وبالفعل سافروا في غضون أسبوعين.
وتقول أوراق التحريات أيضاً: إنه بحلول عام 1980 كان إجمالي الطلاب المتفوقين الذين سافروا إلي الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الجمعية الأمريكية حوالي 2250 طالباً، وبحلول عام 2008 وصل عدد الطلاب الذين سافروا عن طريق الجمعية إلي خمسة آلاف طالب في حين وصل عدد الطلاب المسافرين لاستكمال دراستهم بشكل حر حوالي 71 ألف طالب.
وجاء أيضاً بملف تحريات القضية: أن مدير إدارة مباحث أمن الدولة آنذاك رفع مذكرة حول نشاط الجمعية وأفرادها في مصر إلي وزير الداخلية ليقوم برفعها إلي رئيس الجمهورية عن طريق رئيس الوزراء، وعقب اطلاع الرئيس السادات علي المذكرة أشر عليها بعبارة «استمرار المتابعة دون التعرض» وجاء بخانة الملاحظة بالمذكرة التي حملت رقم «131/ت بتاريخ 25 يوليو 1973» أن الرئيس السادات وافق علي عمل البعثة في مصر معلقاً بأن الخديوي محمد علي كان يرسل الأطفال إجبارياً بعد خطفهم من أسرهم إلي أوربا لكي يتعلموا ويعودوا إلي مصر للمشاركة في النهضة، لذلك رأي السادات أن سفر هؤلاء الشباب إلي أمريكا فيه فائدة لمصر في المستقبل.
وجاء أيضاً بأوراق التحريات أن الرئيس مبارك عام 1985 أشر علي مذكرة التحريات رقم «271/ت بتاريخ 11 فبراير 1985» المعروضة عليه بنتيجة التحريات حول الجمعية بنفس العبارة التي أشر عليها الرئيس السادات عام 1973، وجاء في خانة الملاحظات «استمرار المتابعة دون العرض علي الرئيس»، واستمرت التحريات من وقتها وحتي اليوم دون العرض علي الرئيس مبارك لاعتبار أن الجمعية لا تمارس عملاً مخلاً أو يضر الصالح العام أو الأمن القومي المصري.
وطبقاً لدراسة قامت بها الجامعة العربية عام 2005 فإن مصر خسرت خلال الثلاثين عاماً الماضية أكثر من مليار دولار بسبب هجرة عقولها العلمية، حيث بينت الدراسة أن عدد الكفاءات والعقول المهاجرة من مصر وصلت إلي 350 كفاءة مصرية في كندا، و80 في أستراليا و 35 في بريطانيا، و36 في فرنسا و25 في ألمانيا و14 في سويسرا و40 في النمسا و90 في إيطاليا و12 في أسبانيا و60 في اليونان، وهم حالياً علماء كبار لهم شأنهم الدولي، في حين أن أعداد الطلاب الذين مازالوا في مرحلة الدراسة في هذه الدول بالآلاف.
التعليقات (0)