الظـــاهــر بيـــــبرس استطاع أن يطرد الصليبيين من جميع مدن الشام
تحول الظاهر بيبرس عندما أمسك بيده كل خيوط الحكم في مصر والشام أن يصبح شخصيته أخري.. تحرص علي الاصلاح الداخلي، وتحرص علي تحرير أرض المسلمين من كل من يريد أن يتربص بها الدوائر، ويكمل انتصارات صلاح الدين علي الصليبين، ويخلق واقعا جديدا، جعل فيه كل ملوك وحكام الدنيا يحترمون هذا القائد المنتصر العظيم بيبرس.
كان بيبرس شديد الإيمان بأن العالم الاسلامي يمكن أن يقوم بأدوار هائلة في العالم، وأن يتصدي ملكها من يريد به سوءا، ولديه من الأمكانيات ما يؤهله لأن يسود العالم، ويجبره علي احترامه، ولم لا وقد هزم الصليبيين عندما أرادوا احتلال مصر وأسر ملك فرنسا لويس التاسع، وفدي نفسه بفدية كبيرة اختلف المؤرخون في تقديرها، ووضع جيش مصر التتار في حجمهم الطبيعي، وأنزلوا بهم هزيمة منكرة : »عين جالون«.. وحققوا كثيرا من الانتصارات علي الصليبيين في الشام، وبدأ هؤلاء المغتصبون يحسبون للمسلمين ألف حساب، بعد أن أذاقوهم المر والهوان.
وبعد أن قاموا ما قاموا به من سفك للدماء، ونهب الأموال، وانتهاك للحرمات.. انهم جرعوهم من نفس الكأس عندما اتحدت كلمتهم تحت راية صلاح الدين وقطز وبيبرس.
>>>
ان بيبرس يري أنه مازالت هناك بقايا من الصليبيين في الشام، وهناك أيضا شراذم للتتار في العراق، وأن عليه أن ينهي هذا الوضع المؤلم، لتشرق الشمس علي أرض المسلمين وقد تحررت من كل البقع السوداء علي ثوبها الأبيض.
أخذ بيبرس يناديء الأمارات اللاتنية التي أفاقت علي دقات طبول الحرب الذي يريد أن يشنها عليه بيبرس.. وهنا تقدمت هذه الأمارات تعرض الصلح بشروط قبلها بيبرس، فقد وجد فيها ما يرضي العالم الاسلامي.. فليس في معاهدة الصلح هذه ما يشين العالم الاسلامي، ولكنه فطن لحقيقة الأمر بعد ذلك.. فإن هذه الامارات اللاتينية ما طلبت الصلح وبشروط يقبلها بيبرس، إلا لأنها تريد هدنة تلتقط فيها الأنفاس، حتي يأتي إليها المدد سواء بالسلاح أو الرجال من أوربا وعندما جاء العتاد والرجال بدأ هؤلاء الغزاة يتنصلون من اتفاقهم مع بيبرس، وفطن بيبرس لهذه الحقيقة، وتقدم بجيشه نحو عكا.. وكانت عكا محاطة بخندق لحمايتها من سهام المسلمين، وهنا أمر بيبرس بردم هذا الخندق وهاجم عكا، وتوغل إلي شوارعها بعد أن فتح أبوابها، وأذاق المدافعين عنها طعم الموت.. وأنزل بيبرس هزيمة نكراء بالصليبيين في عكا، وأخذ بعد ذلك في حربهم طوال عشر سنوات لم تلن له فيها قناة، حتي أيقنوا أنهم أمام عدو صاحب إرادة حديدية، فهو المغامر الجريء الذي لايخشي الأعداء، ويحقق دائما الانتصار تلو الانتصار.
>>>
وها هو يحقق الانتصار تلو الانتصار..
ينتصر علي (بوهمند) حاكم انطاكية وينتزع منه حمص، ويحاصر (صفد) وتسقط في يديه، ويتجه إلي (يافا) ويحقق انتصارات مذهلة ويضطر الصليبيون في (أنطاكية) إلي الهرب منها بعد تقدم بيبرس نحوها غير هباب ولاوجل، فإذا بها تنهار أمام ضرباته الموجعة رغم أنها محصنة تحصينا ضخما، ولم يبق للصليبيين أمام هجماته المروعة إلا أن يلوذ الصليبيون في بعض الحصون الضئيلة، والتي ليس لها خطر يذكر علي جيوش المسلمين.
>>>
واتجه »بيبرس« صاحب الانتصارات المذهلة ليضع حدا (للتتار) الذين مازالوا في بلاد الرافدين يحاولون إزالة عار هزيمتهم في (عين جالوت) فيتخالفون مع الصليبيين، يشدوا أزرهم، ويناوشون جيوش المسلمين عندما يهاجم المسلمون الصليبيين وعلي حد تعبير الدكتور محمد رجب البيومي وهو يتحدث عن مسيرة الظاهر بيبرس وإنجازاته في كتابه (مع الأبطال).. يتحدث عن هذا التحالف بين التتار والصليبين علي عهد بيبرس، وكيف تصدي لهم (بيبرس) في عهد (هولاكو) وبعده نجله (أياكا) واذاقهم بيبرس طعم الهزيمة في (البيرة) وفي غيرها من المعارك. ويقول:
: وقد مات هولاكو وأعقبخ نجله (أياكا) فسار علي سنة والده في عداء مصر ومحالفة الصليبيين بل أنه توسع كثيرا في هذا الميدان.. فصاهر امبراطور القسطنطينية وتزوج ابنته، وأرسل الوفود إلي بابوات روما وأباطرة أوربا ليضمهم إلي صفه في الكفاح المشترك العنيف، وكانت بينه وبين المسلمين معارك شديدة كان النصر في أكثرها لبيبرس، ولكنه كان نصرا غاليا يكتسب في طريق وعر وشاق، ولاتقطف ثمرته المستعصية دون نضال مرير.
وقد تخللته رغبات خادعة، في الصلح والتهاون كان يضطر إليها الظاهر اضرارا ليقوم بهجوم مفاجيء علي معاقل الصليبيين ثم لايلبث أن يشم رائحة الخيانة التتارية ليرتد سريعا إلي ميدانه الشاق الكريه، وقد أرسل إلي الظاهر أحد أمرائه يقول:
: أنا بحمد الله ما خصصنا عنكم براحة ودعة، وما أنتم في ضيق ونحن في سعة، وليس بيننا إلا من يباشر الحروب وينقل الأحجار، وقد تساوينا في هذه الأمور، وليس ثم ما تضيق به الصدور.
ولعمير لتلك رسالة تنطق بالبلاء والجهد، وتصور الكفاح المستميت الذي يقوم به الجيش الاسلامي في كل ميدان حتي ما يجد متنفسا وادعا يعقب بعد الراحة والهدوء، وصدق القائل لولا المشقة ساد الناس كلهم.
ويحدثنا الباحث الدكتور محمد رجب البيومي عن جهاد بيبرس ضد طائفة الإسماعيلية الارهابية التي وقفوا ضده، وكان من المفروض أن يقفوا معه باعتبارهم من المسلمين، ولكن بيبرس احتال حتي اقتحم حصونهم وشرد عصيانهم، وضم كثيرا منهم إلي صنعه، وكان الأولي بهذا الجهد الجاهد أن ينصرف إلي أْعداء الاسلام لو فهم الإسماعيليون أسرار دينهم، وخضعوا لما يوجيه من اتحاد وأخوة، ولكن روح الاسلام قد جهلها الإسماعيليون، واستشفها زعيم مغولي هو الملك المسلم (بركة خان) فأرسل جنوده لمساعدة الملك الظاهر ضد ابن عمه هولاكو، وحارب المغول بعضهم بعضا، لكنهم كانوا فريقين مختلفين.
فريق لمس هواية الإيمان فاستضاء بنوره.
وفريق غرق في الوثنية المظلمة في بحر لجي بنشاه موج من قوته مج من فوقه سحاب ماطر.. وابتهج المسلمون باخوانهم في الدين ابتهاجا.
01/09/2010 10:28:18 ص
Bookmark and Share
كتبها: مأمون غريب
التعليقات (0)