لم يحسن السيد الرئيس الانصات ..ولا الاستماع الى النداءات الكثيرة والمتتالية التي تطلب منه النزول عن خشبة المسرح السياسي اليمني ..ولم يمتلك تلك الفطنة التي يدعيها والتي تؤهله استيعاب صيحات الاستهجان والصفير الصادر عن الجمهور المتبرم الملول..فالتقمص الطويل لدور الرئيس المحبوب المترع بدعاء وتصفيق الجموع المساقة لساحات التهريج..جعله يغفل عن علامات عدم الرضا التي بدأت تلوح على ملامح المخرج مقطب الجبين المتأفف من اداءه المضجر المكرور في الفنتازيا الطويلة التي دارت ودارت معها الحياة السياسية في اليمن ولعقود عجاف..
لم يحسن الرئيس الاستماع الى النصح ولا الارشاد ولا الوعيد..ولا الى التحذير الذي حرص السيد عبد اللطيف الزياني على ان يكون شديد الوضوح وهو يهمس به في اذنيه ..ولكنه لم يفهمه..ولم يستوعب منه الا ما اثار في نفسه عزة زائفة تجاه ما عده تطاول على المقامات العليا مطالبا باعتذار لم يحصل عليه مطلقا..
لم يكن على الرئيس ان يمضي بدوره الى النهاية..خصوصا بعد ان جاء الامر بالنزول هذه المرة من المنتج مباشرةً..وكان عليه ان يقبل الامضاء على فسخ العقد بالقلم الذهبي اللامع البراق المرصع بالعهود والوعود والذي قدم اليه على طبق من فضة الدعة والحياة المترفة الانيقة الخالية من الملاحقات والمسائلات مع الاهل والخلان في رحلة استجمام طويلة على احد شواطئ البحر الاحمر او اي البحار الاخرى الملونة..كان عليه ان يقبل ذلك القلم الجميل والسخي قبل ان يضطر الى التوقيع على الوثيقة نصف المحترقة والملطخة بالسخام ببصمته المخضبة بالدماء..
كان على الرئيس ان يفهم بان الحال لم يعد نفس الحال..وان الجدار الذي كان يتكأ عليه اخذ يبتعد رويدا رويدا نافضا يده من حكم لم يعد لديه من ينادمه..وعن يد تراخت قبضتها عن الارض الشاسعة اليباب..وانه لم يعد من المستساغ ان تغض القوى الاقليمية النظر عن تدفأه على النيران التي اشعلها في ارض وشعب اليمن والتي من الصعب ان يكون هناك من يخاطر بامتداد شررها الى اذيال ثوبه.. تلك القوى التي اتفقت ان لا تكون الحرية من علامات هذا الزمان..وان لا مجال للمغامرة بدولة مدنية على الحدود حتى ولو بالتضحية برأس الرئيس..ذلك الرأس الذي كان الفقرة الاولى في مبادرة كتب عليها القدر واصرار الرعاة ان تبقى تدور في حلقات لا متناهية حتى عادت الى الحياة عن وقع الشظايا التي احرقت جسد وجنان وروع الرئيس ودفعته لرحلة حج الى الشمال رافعا يديه صائحا اما من توبة يا اهل الخليج..
لا شك ان مرحلة انطوت من تاريخ اليمن الذي لم يكن يوما بالسعيد..ولن تكون هناك من عودة للرئيس علي عبد الله صالح الامن خلال المبادرة الخليجية كترتيب لا يخلو من بعض ثمالات البروتوكولية التي تتطلب تعديل بسيط على النص يستبدل خروج الرئيس عن طريق التوقيع الاحتفالي المصحوب باطلاقات المدفعية الى التقاعد المبكر لاسباب صحية ونقل اليمن من اليد المحاصرة بالشوارع الضاجة الثائرة الى يد المجهول المبشر بصراعات متطاولة على الكلأ والنفوذ والاسلاب وتراث الغزو القديم المقيم المتطاول حتى يعد لليمن رئيس جديد..
ولكن وفي خضم كل ذلك الدخان.. يبقى هناك عنصر في هذه المسرحية قد لا يكون المخرج ولا المنتج يملكون الكلمة الفصل فيه..وهو ما قد يكون خارج حسابات الحقل والبيدر والرقم العصي على النص المنظم للزمان والعقدة والحل والمكان..الا وهو الجمهور الذي من المبكر جدا التبشير بقبوله دور الخاسر الاكبر في هذا الزعيق العقيم وكل تلك المعادلات العجولة..ذلك الجمهورالذي يمثله الشباب اليمني الثائر الذي يبدو انه تعلم الكثير عن الالم الباهظ الذي يتوجب عليه ان يدفعه ثمنا لاسرافه في الاعتماد على احزاب المعارضة والافراط في شخصنة الصراع ودفنه في قمقم عبارات الرحيل وتراجع عبارات الحرية والدعوة الى الدولة المدنية امام صور الزعماء..ذلك الجمهور الذي ما زال يمسك بقوائم الطاولة وما زال يمتلك القدرة على قلبها على الفرقاء مطالبا باجابات على اسئلته الصعبة عن الذي يخبئ لارض اليمن من امور وعن الذي يحاك لشعبها الذي لا يخلو من الرجال الرجال..ومن الذي اعطاهم هذا الحق..وعلى السؤال الاهم عن لمصلحة من التعتيم على من اغتال الرئيس؟؟
التعليقات (0)