الأنظمة العربية لا تستفيد من الدروس و التجارب التي بدأت تصنعها شعوب المنطقة تباعا. بل إن كل نظام يوهم نفسه بأنه مختلف عن غيره، وأن رياح التغيير لن تجد طريقها إليه...و في كل الحالات يتكرر نفس السيناريو الذي بدأ من تونس. و في كل الدول التي شهدت انتفاضات شعبية حتى الآن، لا تتردد الأنظمة البوليسية في قمع شعوبها و استخدام آلتها الحربية لكتم الأصوات المطالبة بالتحرر و الإنعتاق.
هذه الأنظمة فاقدة للشرعية، لذلك كان العنف و الترهيب و التخويف جزءا من استراتيجيتها دائما. لكن خروج المارد الشعبي من رماده أربك جميع حساباتها، لأنها اعتقدت ( كما اعتقد الجميع) أن صمت هذه الشعوب سيستمر طويلا. و لما تحطم حاجز الصمت و تحركت أمواج الغضب الهادر في كل مكان، لم تتوان قوى القمع عن استخدام كل أشكال العنف ضد المحتجين العزل. حدث ذلك في تونس و مصر، و في كل مرة كان يسقط فيها مزيد من الشهداء برصاص قوات الأمن كانت إرادة الحياة تزداد قوة و إصرارا على إسقاط الطغاة... إنتهى الدرسان التونسي و المصري، و توجهت بوصلة الثورة إلى ليبيا و البحرين و اليمن ثم سوريا. لكن لا شيء يثبت أن قادة هذه الدول قد استوعبوا ما جرى في التجربتين السابقتين. و هكذا كان القاسم المشترك بين كل هذه الأنظمة في تعاطيها مع التحركات الشعبية التي تعرفها يتجلى في التنافس على قتل أكبر عدد ممكن من المواطنين الذين يبحثون عن العزة و الكرامة. و من المؤكد أن العقيد الليبي قد نال شرف الفوز في هذه المنافسة حتى الآن. و هو أهل لهذا الوسام مادام عميد الحكام و ملك الملوك... لكن، و في كل الحالات الأخرى لا يمكن للغليان الشعبي أن يواجه بدون رصاص. فهو اللغة الوحيدة التي يحسن النظام العربي النطق بها بكل طلاقة.
أمام الكاميرات، ومن أجل امتصاص الغضب الشعبي و محاولة الإلتفاف على مطالب الجموع المحتجة، يندفع المسؤولون ليبشروا شعوبهم بالإصلاح و البناء الديموقراطي و غيرها من المفاهيم الرنانة. و في الميدان لا يجد المواطن البسيط أي تجل لوعود الإصلاح. فلا صوت يعلو على صوت الرصاص. إنه " كلام الليل الذي يمحوه النهار " . لذلك فإن الأزمة الحقيقية في العالم العربي هي أزمة " ثقة ". و لا يمكن لأي أحد أن يثق في وعود الإصلاح التي يطلقها الحكام، لأن نية التغيير تتطلب القطع بشكل نهائي مع ممارسات القمع البوليسي التي اعتاد النظام الرسمي العربي أن يلجأ إليها كلما اشتد عليه الخناق. و إلا فكيف يمكن أن يصدق مواطن سوري أو يمني أو ليبي... هذه الوعود و هو يرى دماء إخوانه تسيل أنهارا في الشوارع و الميادين العامة؟. كيف يمكن للشعوب أن تصدق هذه الوعود إذا كانت الوقائع تكذبها جملة و تفصيلا في درعا و صنعاء و اجدابيا...؟. لقد ولى زمن العصا و الجزرة ( أو الوعد بالجزرة ). و لا يمكن للقوة أن تستقيم مع الحق. إنهما على طرفي نقيض. و هذا ما لم يستطع ذكاء النظام الرسمي في العالم العربي أن يستوعبه حتى الآن. أما المواطن المغلوب على أمره في كل " بلاد العرب" فقد أدرك أخيرا أن الحقوق تؤخذ غلابا. لذلك فهو لم يعد ينخدع بالمساحيق التي يتجمل بها النظام لكسب وده. لقد آن أوان التغيير. و لا يمكن لأي جبروت أن يوقف زحف ربيع الشعوب.
لقد اختارت الأنظمة العربية أن تكون نسخا باهتة لبعضها البعض. و اختارت الشعوب العربية أن تكون نسخا طبق الأصل لبعضها البعض أيضا، لكنها هذه المرة نسخ تفيض حياة و إصرارا على نيل المطالب بالفعل لا بالتمني. محمد مغوتي.28 /03/2011.
التعليقات (0)