مواضيع اليوم

بروتوكولات حكماء صهيون.. أكذوبة تأبى النسيان

اسرائيل .

2010-12-21 15:57:51

0

بروتوكولات حكماء صهيون.. أكذوبة تأبى النسيان


بمناسبة مرور مائة عام على هذه الخرافة التي تأبى النسيان... منذ تفتقت عنها اول مرة عبقرية شريرة.. ما تزال تتلاقفها دور النشر وتتناقلها المحافل الأدبية والمنتديات ومحطات التلفزة والمدونات والجامعات... كيف ومتى اختلقت هذه الأكذوبة... ولأي غرض.. وكيف انتشرت في ارجاء العالم وبلغت أصقاع الارض... من هي تلك الشخصيات المجهولة التي لعبت دورا حاسما في ابتداع هذه الفرية..... وكيف واين كانت تعمل.... ولحساب من ...؟؟ اليك عزيزي القارئ الحكاية من بدايتها... وبدون رتوش ... نقدمها لك كما لم تقرأها من قبل .... من خلال قراءة في كتاب جديد للقاضية الاسرائيلية هداسا بن عيتو .....

أكذوبة تأبى النسيان.. مؤلف جديد للقاضية الاسرائيلية هداسا بن عيتو.. هو نتاج بحث وتقصي وتنقيب استمر ستة اعوام.. يتناول أسطورة ظلت عصية على النسيان ... بروتوكولات حكماء صهيون .. هذه الخرافة التي ولدت من رحم وثيقة مزيفة لغرض التحريض على اليهود في روسيا القيصرية ، فما لبثت ان انتشرت كالنار في الهشيم لتتحول الى أداة دعائية وتعبوية سحرية عملت على تهيئة النفوس تمهيدا للقضاء على اليهود .. وما تزال تلعب دورا في زماننا الحاضر من قبل افراد وهيئات ودول على حد سواء في خدمة مآرب وأهواء سياسية تصب في معاداة الشعب اليهودي ودولة اسرائيل ..

كثيرون في عالمنا ما زالوا ينظرون الى بروتوكولات صهيون بوصفها دليلا قاطعا على رغبة اليهود في السيطرة على العالم ، او ما اصطلح على تسميته (المؤامرة الصهيونية).. ورغم كل ما نشر من حقائق وبراهين تدحض هذه النظرية بشكل يقطع الشك باليقين، الا ان نظرية المؤامرة تظل مستساغة عند السواد ، من مثقفين وعوام ، يلوكون هذا الكتاب المزيف ، كتاب البروتوكولات ، باعتباره حقائق ساطعة .. من هنا تأتي الأهمية الكبيرة لكتاب هداسا بن عيتو الذي نُشر لغاية الآن بتسع لغات.. اما الحقائق التي تضمنها الكتاب فمبنية على بحث علمي هو نتاج جهد شخصي قامت به القاضية بن عيتو ، وهي التي اعتادت طوال فترة عملها كقاضية على فحص الأدلة بالعدسة المكبرة .. ها هي الان تستعرض هذه الحقائق بلغة سلسة ومن خلال مؤلف أدبي رائع نال اعجاب الكثيرين وانهالت عليها الاطراءات من كل حدب وصوب فيما اعتبر كتابها ضمن الكتب التي تسترعي الانتباه ..

اما المحافل والمنتديات الدولية فليست بغريبة عن القاضية هداسا بن عيتو وهي التي مثلت اسرائيل في اكثر من محفل ، واكثر من منتدى عالمي ، ليس آخرها الامم المتحدة ومنظمة اليونسكو ، وشهدت بنفسها أصنافا من الهجوم على اسرائيل من قبل اناس لم يتورعوا في اسناد أقاويلهم وحججهم الى بروتوكولات صهيون باعتبارها الدليل القاطع والمرجع الحاسم على رغبة اليهود في السيطرة على العالم.. اما بن عيتو وعلى الرغم من اعتقادها الراسخ بزيف هذه البروتوكولات ، غير ان طبيعة عملها كقاضية كانت تحتم عليها الخوض في المذكرات وفحص الحقائق قبل ان ترد على مثل هذه الادعاءات..

هنا كانت الحادثة التي غيرت مجرى حياتها .. فخلال لقاء عابر لها مع بعض المحامين في مدينة بيرن السويسرية ، شاءت الصدفة ان تتعرف على حيثيات وملابسات احدى المحاكمات التي جرت في بيرن عام 1934 لاحد القادة النازيين المحليين بتهمة نشر البروتوكولات.. ومن باب الفضول قررت القاضية الخوض في تفاصيل هذه المحاكمة ، الامر الذي ساقها في آخر المطاف الى اجراء بحث كامل وشامل جعلها تتخلى بشكل نهائي عن عملها كقاضية والتفرغ لموضوع البروتوكولات بعد سنوات بلغ عددها 31 عاما أمضتها في جهاز القضاء ..

وتروي هداسا بن عيتو عن ترحالها بين دول العالم تقضي الساعات الطوال في اقسام الارشيف العامة والخاصة ، تلتقي مع أحياء تارة، يزودوها بما يتوفر لديهم من معلومات ، وتارة أخرى تلتقي مع أبناء او أحفاد لأشخاص قضوا تاركين وراءهم مستندات وسجلات ذات عظيم قيمة أخفوها في اماكن بعيدة عن الاسماع والابصار.. وهنا كانت المفاجأة الاولى ... ان مؤلف البروتوكولات الاول لم يبتدعها من بنات أفكاره .. بل هي سرقة أدبية .. كاتبها الاصلي هو محام فرنسي يدعى موريس جولي نشر كتابا بدون اسم العام 1864 .. رغبة منه بتحذير الشعب الفرنسي من مغبة تولي الطاغية نابليون الثالث حكم البلاد.. لذا حرص ان تكون لغة الكتاب حافلة بالاستعارات والمجازات.. اما مضمون الكتاب فهو وصف لحديث يدور في الحياة الآخرة بين ميكافيلي ومونتسكييه ، وكلاهما مشهود له بالفكر والرأي لدى الجماهير الفرنسية.. اما ميكافيلي فالمثالية عنده تتجلى بحكم الفرد الذي يمتلك من القوة ما لا حدود له.. فهو يحاول من خلال حواره مع مونتسكييه التحرري إقناعه بضرورة إخضاع العالم لنهج جديد ومحدد... ثم يشطح جولي فيسهب، على لسان ميكافيلي طبعا، في توصيف خطة محكمة محبوكة الخيوط وواضحة المعالم والتفاصيل لسيطرة الحاكم على العالم.. بل اكثر من ذلك نراه يفرد فصولا يتناول كل منها مجالا معينا فتراه يفرد فصلا يشرح كيفية السيطرة على الصحافة ، وآخر يتناول موضوع السيطرة على الشرطة ، ثم يأتي بعدها القضاء، وقطاع العمل، والسوق المالية، حتى انه يصف كيفية اشعال الفتنة واعمال العنف المدبرة لغايات محددة تكون ضرورية لتحقيق اهداف وغايات عينية وفق قاعدة (الغاية تبرر الوسيلة).. وهنا نصل الى محاكمة بيرن عام 1934 والتي تخللها عرض لكتاب جولي، ليتبين بان ما يقرب من ثلثي ما يسمى (بروتوكولات حكماء صهيون) التي كتبت في وقت لاحق، قد تم نسخها بطريقة القص واللصق من كتاب المحام جولي بتبديل الادوار فيقوم مؤلف البروتوكولات بتورية الاسماء والمقاصد الاصلية واستبدالها بشخصيات جديدة.. ليحل اليهود محل الحاكم الديكتاتور بوصفهم اي اليهود من يريد السيطرة على العالم ..

اما زمن تأليف كتاب بروتوكولات حكماء صهيون فيعود الى السنوات الاخيرة من القرن الـ 19 اشرف عليه عملاء من الشرطة السرية الروسية التي كانت تأتمر بأمر القيصر نيكولاي الثاني.. ويحتوي الكتاب على 24 فصلا يتفرد كل منها بموضوع معين.. ويجتهد الكاتب بتقديم هذه الفصول للقارئ باعتبارها بروتوكولات حقيقية توثق جلسة وهمية لهيئة وهمية يصفها الكاتب باعتبارها حكومة يهودية سرية وعالمية... اما فصول الكتاب فكل فصل منها عبارة عن خطاب يلقيه كبير القوم او السيد على مسامع الحضور ويسمى كبيرهم هذا بـ (حكيم صهيون).. فيسهب في تبيان الطريقة التي سيستولي من خلالها اليهود على العالم شارحا لهم المقاصد والفلسفة التي تقف من وراء هذه الخطة الجهنمية باعتبارها تجليا لمقاصد الديانة اليهودية التي تقوم على حق القوة على غرار نظرية ميكافيلي.. من هنا يكون المنشد الاخير الذي يتمثل بتعيين رجل يهودي واحد يحكم العالم مبررا لكل وسيلة من شأنها ان تسهم في تحقيق هذا المبتغى.. ان هذه الفلسفة المختلقة من بنات افكار الكاتب هي الاساس الذي بنيت عليه هذه الفرية التي تسمى بروتوكولات حكماء صهيون والتي لقيت رواجا لم يشهد له مثيل ومحورها ان اليهود يثيرون القلاقل والبلابل والثورات والفتن والحروب والاضطرابات اينما حلوا وارتحلوا ، وينشرون الامراض والارهاب كل ذلك لغرض واحد يتمثل بتحقيق أهدافهم الشيطانية ...


اما طريقة وصول عملاء الشرطة السرية الروسية الى هذه الوثيقة المزيفة ، فقد وقعت في ايديهم خلال متابعتهم، عن طريق عملاء لهم، لنشطاء شيوعيين في باريس كانوا يدأبون على الاعداد للثورة البلشفية التي كان غرضها الاطاحة بالقيصر الروسي نيقولاي الثاني والقضاء على سلالة رومانوف الشهيرة .. ونجد في كتاب هداسا بن عيتو وصفا دقيقا لطريقة عمل هؤلاء العملاء الروس واستخدامهم لتلك الوثائق المزيفة التي وقعت في قبضتهم وارتباطهم بالنخب الفرنسية من خلال لقاءات كانت تتم في أقبية وصالونات سياسية تمتلكها أديبة فرنسية مالكة لصحيفة فرنسية، هذه الأديبة التي كانت زوجة قائد شرطة باريس.. وكان ان حضر هذه اللقاءات الصالونية شخص اصبح ضيفا دائما في هذه اللقاءات سيكون له دور رئيس فيما بعد في صياغة هذه الفرية المسماه بروتوكولات صهيون، والتي كانت ركيزة اساسية لأدانة الضابط اليهودي في الجيش الفرنسي الفرد درايفوس ، قبل ان تثبت براءته فيما بعد بتدخل كاسح وحاسم من الأديب اميل زولا ..

وقد ساعد في نجاح هذا التقصي الذي قامت به هداسا بن عيتو ان روسيا فتحت امامها بعض أرشيفاتها، ذاك بخلاف روسيا الامس، الشيوعية، التي أوصدت هذه الاراشيف باحكام.. الامر الذي كشف امام ناظري الكاتبة وثائق ومخطوطات عمرها يزيد بقليل عن مائة عام ، خطت بريشة ، وتضمنت مراسلات كان يجريها عملاء روس نشطوا في باريس مع قادة الشرطة السرية في روسيا ، هذه المراسلات التي تكشف بشكل يسمو فوق كل شك بان هذه البروتوكولات انما هي تزييف متعمد تم اخراجه الى الشعب على هذا النحو بغية اقناع القيصر والشعب الروسي على حد سواء بان الذين يعملون في الخفاء ويخططون للثورة انما هم اليهود ... وبهذا الشكل يتم تحويل الغضب باتجاه اليهود، تزامنا مع قمع معارضي القيصر ..

وتماشيا مع مقولة حين عرف السبب بطل العجب ، سوف نفهم الان لماذا نشرت هذه البروتوكولات في روسيا وليس في بلدها الاصلي فرنسا ، كما اننا بتنا ندرك الان الغاية الاساس من اختلاق هذه البروتوكولات وفبركتها وانتاجها بهذا الشكل من قبل الشرطة السرية الموالية للقيصر ...

ولا يفوتنا ان نذكر بان كتاب هداسا بن عيتو ليس كتابا تاريخيا بالمعنى الدارج ، ذاك رغما عن تضمنه فصولا تصف وقائع تاريخية ، ومثل بقية فصول الكتاب تنحاز هذه الفصول ايضا الى البحث العلمي والتدقيق المنهجي ، مع العلم ان مؤلفة الكتاب هي قاضية رفيعة المستوى ومشهود لها في الامانة العلمية ، الا ان فصول الكتاب هذه صيغت كقصة درامية لا تخلو من الاثارة .. كما لا تخلو من أدوار تمثيلية ، كتلك التي تختص بالمشهد الروسي ، فنراها تخوض في مشاهد حية ، وتختلس النظر الى ما يدور في كواليس القصر الملكي ، والدور الذي لعبته الكسندرا زوجة القيصر ، واطوارها الغريبة ، والدور الذي لعبته أختها اليزابيثا زوجة حاكم موسكو ، والادوار التي لعبتها نساء القصر ، والامور الغريبة التي كانت تحصل في دير اوبتينا بوستين ، ذلك الدير الذي كان مقر احد الرهبان المتعصبين الذي كان يعيش مع زوجته وعشيقته .. وكان هذا الراهب ويدعى سرجي نيلوس هو اول من نشر كتاب بروتوكولات حكماء صهيون باللغة الروسية في العام 1905 ..

كما أفردت المؤلفة وصفا لطريقة استخدام هذه البروتوكولات في حسم صراعات سياسية داخلية في روسيا ما قبل الثورة .. وتسخيرها لتأليب الدهماء والرعاع ضد اليهود الى درجة إغواءهم لارتكاب مجازر ضد اليهود ، ذلك التحريض الذي أسفر عن كل تلك المذابح الشهيرة بحق اليهود في مطلع القرن العشرين .. وتروي لنا المؤلفة كيف تم العثور على احدى نسخ البروتوكولات قرب سرير الملكة الكسندرا بعد الكشف عن مقتل عائلة القيصر في مدينة يكترينبيرج بأيدي البلشفيين..

واذا كان البعض قد ظن بان استخدام هذه البروتوكولات الشيطانية سيتوقف إثر سقوط النظام القيصري، فان ظنه قد خاب ، ذاك ان هذه البروتوكولات بدأت تزحف الى اوروبا ومن ثم الى امريكا بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية ومنها تتسللت الى دول اخرى ... لنجد ان المؤلفة قد أفردت فصولا تشرح من خلالها انتقال هذه البروتوكولات من بلد الى آخر ، والأثر السلبي الذي اخذت تحدثه خارج الحدود الروسية ، وصولا الى المعارك القضائية التي كانت هذه البروتوكولات محورا لها .. ومع نهاية الحرب ، وبعد ان استقر الامر للبلشفية خلال فترة ما بعد الثورة التي أطاحت بسلالة رومانوف .. وتفرق شمل الضباط الروس الذين كانوا يخدمون في الجيش الابيض المهزوم فتشتتوا في اصقاع العالم ناشرين بروتوكولات صهيون في كل مكان ، في محاولة منهم، انتقامية، للترويج لدور يهودي وهمي وخارق في تحريك خيوط الثورة الروسية بل وتدبير امر الحرب العالمية الثانية وبالتالي مسؤوليتهم المباشرة عن ملايين القتلى .. ومحذرين ومنذرين ان ما جرى في روسيا يمكن ان يتكرر في اي مكان في العالم ... ما جعل ترجمة هذه البروتوكولات تشهد ازدهارا ورواجا غير مسبوق فتح الطريق امامها الى بلدان العالم .. وركب موجتها العاتية عظماء امثال هنري فورد في الولايات المتحدة واساطين الصحف في بريطانيا لزيادة الارباح من الصحف ، لتصل البروتوكولات حتى الى اليابان !!

وكفعل متوازي لانتشار البروتوكولات نشطت محاولات دؤوبة لتفنيدها وبيان زيفها ومواضع بطلانها .. وفي السنوات التي تلت عام 1921 كانت قد نشرت ثلاثة ابحاث تدحض بالدليل صحة هذه البروتوكولات ، قام بها ثلاثة اشخاص ، في امكنة وازمنة مختلفة ، علما انهم جميعا ليسوا يهودا : الاولى هي كاترينا ردزيفل، وهي أميرة روسية كانت عشيقة لقائد الشرطة السرية، هربت خلال الثورة إلى الولايات المتحدة الأمريكية .. والثاني هو ارموند دي شايله، وهو باحث فرنسي في علم اللاهوت سافر الى دير اوبتينا بوستين لغرض اجراء البحث وعاش هناك فتعرف على الراهب سرجي نيلوس وشاهد الوثيقة الاصلية المزيفة بأم عينه ... وثالثهما هو فيليب جريبس وكان مراسلا لصحيفة التايمز اللندنية في استانبول ، بادر الى شراء النسخة الاصلية لكتاب موريس جولي من لاجئ روسي وأثبت مسألة السرقة الأدبية لاول مرة .. علما ان هؤلاء الاشخاص الثلاثة لم تحصل بينهم أية معرفة سابقة او لاحقة ، وقد نشروا تقاريرا هي عبارة عن سلسلة مقالات كلّ في صحيفته ، الفرنسية والامريكية والبريطانية ، وجميعهم خلصوا الى ذات النتيجة ومفادها ان يدا عابثة زورت البروتوكولات ونسبتها الى اليهود ..

هنا نصل الى مرحلة حاسمة، ومحطة فارقة، من مراحل استخدام هذه البروتوكولات ... ذاك هو عام 1933 ، مع تسلم النازية مقاليد الحكم في المانيا وصولا الى سقوطها في العام 1945 .. فكانت البروتوكولات سلاحا فتاكا بيد هتلر وحزبه النازي .. بل قبل ذلك التاريخ بكثير ... كان هتلر قد فطن الى هذا السلاح في كتابه (كفاحي) الذي نشر في العام 1922 .. وقد تبنى الحزب النازي البروتوكولات كأداة اعلامية ناجعة للتحريض على اليهود في اطار حربه الاعلامية الشعواء ضد الشعب اليهودي .. وباستخدام هذه الوثيقة المزورة استطاع النازيون ان يرسخوا في الوعي الشعبي وهماً اسمه الخطر اليهودي على أمن المانيا والعالم .. من خلال صياغة فكر شعبي يتأسس على معاداة الشعب اليهودي ويشرعن البطش باليهود الى حد القضاء عليهم في اوروبا نهائيا ... كل هذا موثق وبالأدلة والأسانيد في كتاب هداسا بن عيتو ..

وبالتوازي مع الاحداث السابقة الذكر ، تضافرت الجهود الحثيثة لكشف حقيقة هذه البروتوكولات .. خصوصا وانه بات واضحا بان الجماعات النازية التي اخذت تنتشر في انحاء العالم طفقت تستخدم هذه البروتوكولات في برامجها الدعائية .. الامر الذي حدا باليهود للجوء الى الوسيلة الوحيدة المتاحة وهي رفع دعاوى قضائية ... فنجد في كتابنا مدار البحث (أكذوبة تأبى النسيان) للمؤلفة والقاضية هداسا بن عيتو، تناولا لبعض هذه الدعاوى التي لا تخلو من الاثارة ، وفي مقدمتها محاكمة جرت في مدينة بيرن في سويسرا ، وأخرى حصلت في مدينة صغيرة تدعى جرامستون في جنوب افريقيا ، وكلاهما في العام 1934 .. وتحتفظ مؤلفة الكتاب بكافة الوثائق المتعلقة بهاتين المحاكمتين من محاضر محكمة وافادات شهود ومجموع اوراق مذكرة الدعوى والدفاع اضافة الى وثائق مؤرشفة تكشف خفايا وخبايا ترتبط بمجريات المحكمة، كذلك قرارات الحكم الصادرة بتجريم استخدام البروتوكولات وكشف زيفها وبطلانها .. ذلك بعد الاستماع الى شهود عيان تم التأكد من مصداقيتهم وصحة اقوالهم ، ومن خلال عرض للمداولات حافل بالاثارة ...

وتبرز هذه المحاكمات كمحطة فارقة في الكتاب ، وتكشف جوانبا من شخصية المؤلفة التي تسخر تجربتها القضائية الفريدة وبراعتها التحليلية الفائقة لتأخذ القارئ في رحلة بين دهاليز المحكمة وقاعة المرافعات وجلسات المحامين في غرف يملأ ارجاءها الدخان، ويصغي القارئ مع الكاتبة الى شهادات مشفوعة بالقسم لرجالات دولة من روسيا من بينهم اعضاء في المجلس الوزاري المصغر التابع للقيصر ، اضافة الى قيادات من المعارضة الروسية ، وصولا الى أولاءك الذين خبروا مسألة التزوير عن قرب وفي أوانها ، والشخص اياه الذي دفع الاموال للمزورين ثمنا قبضوه مقابل وثيقتهم المزورة.. كما تحتفظ المؤلفة بأرشيف كامل لممثل الحزب النازي في سويسرا ، ينزع القناع عن اساليب المزورين الذين تعرضوا لشكاوى تم تداولها في محكمة بيرن ، ويكشف دور الحزب النازي في المانيا وتأثيره على مجريات سير المحكمة .. ويضع الكتاب امام القارئ توصيفا حيا لكل من كان ذو صلة بتلك المحاكمة ، من مدعين ومتهمين ومحامين، ووصفا دراميا مميزا لشهادات خبراء تم استدعاءهم سواء من قبل المحكمة او الادعاء والمحامين...

والى جانب كل هذا ينقل لنا الكتاب وصفا لاشخاص ومؤسسات تناولت البروتوكولات بالبحث والدراسة ونشرت عصارة ما توصلت اليه من نتائج وعبر اجتمعت كلها حول حقيقة واحدة مفادها ان البروتوكولات المنسوبة الى حكماء صهيون ما هي الا وثائق مزورة .. ولا يتوقف هذا التقصي عند الاحكام القضائية بل يتعداه الى ابحاث جادة ورصينة نشرت في اماكن شتى وحازت على انتشار واسع... تذكر منها المؤلفة ذلك البحث الذي نشر في غمرة الحرب العالمية الثانية خلال العام 1942 أجراه مؤرخ محايد ، ليس يهوديا ، من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، ووقع عليه 15 أستاذا جامعيا من شتى الجامعات الامريكية ... كما أودعت المؤلفة في كتابها عبارات مقتبسة من تقرير نشرته لجنة معينة من قبل مجلس الشيوخ الامريكي مكونة من تسعة نواب من مجلس الشيوخ تم تعيينهم العام 1964 لغرض فحص بروتوكولات حكماء صهيون ، وجاء في تقريرها الختامي، وبلهجة لاذعة، ونبرة حادة، لا تقبل التأويل، بان البروتوكولات انما هي وثيقة مزورة.. مضيفة انها في الوقت ذاته تحمل خطرا ليس لليهود فقط بل للعالم أجمع ...

اما الفصل الاخير من الكتاب فيتناول مسألة استخدام البروتوكولات خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية .. ومرة اخرى يصحو العالم على حقيقة ان هذه البروتوكولات ما تزال عصية على الموت والنسيان.. فعلى الرغم من كل الابحاث والدراسات التي دحضت صحة هذه البروتوكولات وأظهرت زيفها ، وعلى الرغم من ان العالم بات يعرف بامر استخدام هذه البروتوكولات واستغلالها بشكل بشع من قبل الحزب النازي ، وعلى الرغم من كل الأدلة والبراهين التي تشير الى دور هذه البروتوكولات في المحرقة النازية التي أبيد خلالها ستة ملايين يهودي .. الا ان انتشار البروتوكولات ومواصلة نشرها باعتبارها وثيقة أصلية وحقيقية لم يتوقف للحظة بل شهد توسعا وازديادا لتنشط اعمال الترجمة لهذه البروتوكولات من جديد في كافة ارجاء العالم ... وما تزال هذه البروتوكولات مع ما اقترن بها من اساطير وقصص خرافية تستخدم في عصرنا الحاضر ويتم تطويعها من قبل الساسة بشكل سافر ولغايات مصلحية، ليس فقط للتشهير بالشعب اليهودي بل للنيل من دولة اسرائيل ايضا .. الامر الذي يضفي أهمية خاصة على كتاب هداسا بن عيتو كونه كتابا يتوخى الامانة واظهار الحقيقة ويتناول هذه المسألة بشكل مستفيض وغير مسبوق ...

وما من شك باننا نولي هذا الكتاب أهمية خاصة ونتطلع الى ترجمته الى اللغة العربية، خصوصا وان بروتوكولات حكماء صهيون باتت من الاساطير والحكايات الخرافية واسعة الانتشار في العالمين العربي والاسلامي ، حيث النسخ والطبعات الجديدة لهذه الخرافة تصدر تباعا وتعمل دور النشر ساعات اضافية لاشباع فضول العوام والمثقفين على حد سواء وتطالعنا كل يوم طبعات جديدة اكثر تشويقا واثارة من ذي قبل ، في مصر وسوريا وايران وغيرها من البلدان.. وكلها تستلهم كتاباتها من تلك الوثيقة (الاصلية) التي دونت اول مرة، لكن مع اضافات ومقدمات وتحليلات واستنتاجات لها اول وليس لها آخر ، فهي تتغير وتتلون تبعا للظروف والمكان والزمان .. ومن نافلة القول إن هذه البروتوكولات ما زالت تستغل يوميا بشكل جائر لخدمة اغراض ومأرب سياسية ليس آخرها التحريض على دولة اسرائيل والطعن في الحركة الصهيونية ونشر البغضاء تجاه الشعب اليهودي وتهويش الشعوب العربية والاسلامية تجاه كل ما هو يهودي واسرائيلي، ليس في بلدان الشرق الاوسط وحسب بل يتم تصدير هذا الأفك عربيا باتجاه الجاليات العربية والاسلامية في انحاء العالم فيتلقفها كل من هب ودب وتعبث بها الايادي وتستغلها أيما استغلال .. وفي الكثير من الاحيان تقوم شخصيات كبيرة ومعروفة واساتذة جامعات ورجال دين بالتقديم لهذه الطبعات الجديدة مضفية عليها لمسات جديدة من (خبرتها) في الشأن الاسرائيلي.. وتحرص هذه الجهات دائما على اخراجها بحلة جديدة يستسيغها العوام مستخدمة آخر ما ابتكره العلم في مجال التقنيات ولا يفوت دور النشر اضفاء مسحة من (المصداقية) و (الشفافية) على طبعاتها الجديدة ، متوخية (أقصى درجات النزاهة)... كل هذا لغرض بلوغ ابعد الحدود للنيل من اسرائيل وصرف الشعوب والرعية عن جلاديها من خلال تهويشهم على اليهود واشغالهم بالدولة الاسرائيلية .. وتطالعنا كل يوم (صرعة) جديدة وصيغة مستحدثة للبروتوكولات تعددت الوانها والجهات التي تقف من وراءها لكن غايتها واحدة وهي النيل من اسرائيل...

بأمل ان تسهم النسخة العربية لكتاب هداسا بن عيتو في تصويب نظرة القارئ العربي من ناحية هذه البروتوكولات المزعومة التي أتت أكلها في البلدان العربية خلال عشرات من السنين ....

ودمتم سالمين من الخرافات والبروتوكولات





التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات