الرئيس التونسي، وبعدما وصلت الاحتجاجات في بلاده، إلى عنق الزجاجة، خرج على الأمة، مخاطبا جميع المواطنين، المحتجين منهم والكاتمين الغيظ، بالقول، أن مثل هذه المظاهرات في الشارع تسيء لسمعة البلاد وصورتها في الخارج، وأنها تعيق جلب الاستثمارات الأجنبية، علما أن الغاضبين بحثا عن العمل والخبز، لم يشاهدوا تلك الاستثمارات الأجنبية، وهم جاثمون في بيوتهم كالجثث الحية بلا حراك، خوفا من النظام، أو طاعة له، فقرروا أن يخرجوا للشارع بحثا عنها، لكن النظام التونسي، كغيره من الأنظمة العربية البوليسية، لا يعجبه العجب ولا حتى الصيام في رجب!
سنوات طويلة، والنظام في تونس يخدع الجميع بالقول أن الخبز أهم من الديمقراطية، وأن مناصب العمل المفتوحة للقضاء على البطالة، أكثر جدوى من فتح البرلمانات والمجالس المنتخبة، وقد صدقه عدد كبير من أفراد شعبه، وانحصرت المعارضة في قلة لا حول لها ولا قوة، أما الآن، فيبدو أن النظام، فقد آخر أوراق التوت التي كانت تستر عورته، وظهر جليا، أنه وعلى غرار زملائه في نادي الحكام العرب، أفلسوا عن تقديم الخبز، وعن تقديم الديمقراطية معا، ولم يعد في مقدورهم، صناعة شيء آخر، ماعدا القمع والديكتاتورية والفساد، والملاحقات البوليسية؟!!
الأنظمة العربية لا تستقو إلا على مواطنيها، وتريد منهم، كتم أصواتهم، وإسكات جوعهم، والتخلي عن حقوقهم، في مقابل الدعاء للحاكم وعائلته ومحيطه بدوام العمر، وبالاستمرارية في المنصب، واستقرار الحكم. ألا تستحق مثل هذه الأنظمة، كل ما يحدث لها من عصيان مدني، واضطرابات شعبية، وملاحقات من الخارج، وتهديد بالانقلاب، ومؤامرات ودسائس؟ لقد باتت الآن تستكثر على المواطنين، الحق في العمل، وفي الحياة، بعدما استكثرت عليهم الديمقراطية واتهمتم بالقصور الفكري، ومارست عليهم الوصاية، وقد يأتي الغد بما لم تأت به الأنظمة الدكتاتورية في غابر الأزمان، فتستكثر علينا هذه الأنظمة التنفس والأوكسجين، بعد ما تدخلت حتى في الإنجاب، وهدد رئيس وزراء بلد عربي بوضع شرطيين في كل غرفة نوم لتنفيذ القرار؟!!
ولا غرابة أن احتجاجات سيدي بوزيد، لم تقتصر هواجسها الأمنية والسياسية والاجتماعية، على تونس، وحدها، أو على النظام هناك، والدليل أن عميد الحكام العرب في ليبيا، سارع لنجدة زميله في نادي الرؤساء للأبد، بفتحه الحدود من أجل السماح لشعب تونس بالعمل، وهو في ذلك لا ينقذ زميله وحسب، وإنما ينقذ نفسه، وبقية الأنظمة المرتعشة مما يحدث في تونس، والخائفة أن تقول سيدي بوزيد، هل من مزيد، فتنسحب على البقية وتطيح بجميع قطع الشطرنج؟!!
قادة بن عمار
التعليقات (0)