مذ أعلنت وزارة الثقافة المصرية بقيادة وزيرها المتشوق إلى اليونسكو "فاروق حسني" جوائز الدولة التقديرية التي تمنح للذين يقومون بأعمال مخلصة وجليلة في مجالات الفكر والعلم وغيرها كلفتة تقدير باسم الشعب للباحثين والعلماء والمفكرين..
وشداً على أياديهم وتكريماً لهم ..
فإن وزارة الثقافة وقد وقعت – منذ زمن- في قبضة وتحت سيطرة من جعلوا أهواءهم قبلتهم .. ومطامعهم بوصلتهم .. وذواتهم غايتهم .. فقد انحرفت ومن ثم انجرفت لتسير وفق أهواء أناس لا يمكن ولا يجوز ولا ينبغي أبداً أن يكونوا في موقع الطليعة ولا موضع الريادة ليتحدثوا باسم مصر وشعب مصر..
لأنهم بذلك قد ضربوا المثل السيئ لهذا الشعب الصبور المفضال.. فقد ارتكبوا المخازي.. واقترفوا الخطايا باسم مصر وشعبها .. وربما كان ذلك يتم دون علم أو دراية أو اهتمام من الشعب.. وهذا ما جعلهم يستمرئون ضلالهم ويسدرون في غيهم وقد حسبوا أنهم في مأمن من مكر ربهم وفي مكمن من محاسبة شعبهم لهم ..
إلى أن جاءت القاضية وحلت القاصمة .. حينما أرادوا أن يغازلوا أعداء أمتهم وخصوم عقيدتهم ليفتحوا لهم الطريق لمرامهم ولو على حساب الأمانة التي ائتمنتهم أمتهم عليها فخلعوا آخر قطعة كانت تستر سوأتهم وتحجب عورتهم ..
أرادوا أن يثبتوا لأسيادهم أنهم على طريق تفكيك الأمة من أوتاد عقائدها الراسخة وتذويبها في دوامة اللاهوية وطمس تاريخها والطعن في ثوابتها لبث عوامل الطعف والتحلل فيها لتصير بعد ذلك لقمة سائغة تلكوها أفواه المتربصين وهم كثر ..
وقع اختيارهم على رجل من المستحيل وفي أسوأ الظروف أن تتجه نية أكثر المصريين الوطنيين تشاؤماً أن يكون محل تقدير شعب مصر ..
فهو رجل غير محسوب على الإطلاق ضمن الذين يبغون خير بلدهم أو شعبهم أو دينهم أو عقيدتهم ..
وذلك لآرائه المعروف عنها الشذوذ والغائب عنها الانصاف والحاضر فيها الكثير والكثير من المطاعن في أشد الثوابت التي يشك الانسان في نفسه ولا يشك فيها.
رجل له آراء تهدم العقيدة وتجتثها من جذورها باسم البحث العلمي والفكري .. ومع ذلك لا يلتفت إليه أحد إلا من في قلبه مرض أو في صدره غرض أوغره من دين الاسلام أو العرب وتاريخهم وعروبتهم فيجد عنده ضالته ..
من هنا .. وعندما أعلن عن اختيار من يدعى" الدكتور" سيد القمني لجائزة الدولة التقديرية وهي جائزة رفيعة تصدر باسم شعب مصر مصحوبة بمكافأة مالية قدرها مائتي ألف جنيه.. لم يدر غالبية الشعب عن مغزى هذا الاختيار شيئا خاصة في ظل انفصال وانفصام الشعب عن حكومته عامة ووزراة ثقافته خاصة وعدم اهتمامه بهما في شيئ ..
إلا أن أهل العلم والفكر والمثقفين وأصحاب الرأي قد جزعوا وفزعوا من هذا الاختيار ومغزاه ومعناه وقرأوا بعين الفراسة الرسالة التي يرمي إليها .. فهنا كان اعتراضهم الذي تصاعدت وتيرته وتزايدت حدته وانتقلت شرارته لتشعل عقولا وراء عقول ..
فتم تسليط أضواء البحث والتحري والتقصي عن ذلك "القمني" فتأكدوا من فداحة المصاب وجلل المصيبة .. واستخرجوا من أقوال وأعمال القمني ما يؤكد أنه رجل ليس من حيث القدر على مستوى هذه الجائزة ولا من حيث المبادئ ولا من حيث الكفاءة ولا من حيث التوجه ولا من حيث العقائد ..
فتعالت الاعتراضات ليس لكشف "القمني" أو تكفيره أو قتله ولكن لكشف أرباب الأمر في وزارة الثقافة الذين انحرفوا عن الأمانة التي حملها إياهم الشعب .. وصدرت الفتاوى والآراء والبيانات المعارضة بشدة لاختيار القمني لجائزة الدولة التقديرية .. وفي تسليط الضوء عليه انكشف وبما لا يدع مجالا لثمة شك أن شهادة الدكتوراة التي يحملها والتي تعتبر ركنا ركينا في وزنه وفي اختياره للجائزة وفي كفاءته في البحث العلمي أو الفكري .. ثبت أنها شهادة مزورة وأنه ارتكب بذلك جريمة التزوير والتدليس وإدخال الغش على جهات حكومية وإدارية وعلى الشعب المصري ووزارته التي أعطت الجائزة لاسم الدكتور سيد القمني ..
وطبعاً لأن للقمني وتوجهه أنصار ومعاونون ومطبلون ومزمرون..
فقد قاموا بحملة شعواء بلا هداوة لتلميع القمني وإلباسه غير لباسه وإظهاره بصورة النبي الذي لا كرامة له في وطنه وبأنه المنقذ والمخلص وقائد من قواد التنوير وأحد حملة مشعل إنقاذ الأمة من المتخلفين والإرهابيين والظلاميين وما حلا لهم من ألقاب يصمون بها المعترضين على منح الجائزة للقمني وليس على القمني في شخصه.. فهو لا يمثل مثقال ذرة من تأثير في محيط بقطر خمسة أمتار حول جسده .. وقد عابوا على المعترضين أنهم لم يقرءوا للقمني بينما هم أيضا لم يقرأوا للقمني ولم ينفوا عنه " بالدليل" ما نسب إليه من آراء وأقوال تمرق بقائلها من الدين مروق السهم من الرمية ..
ولقد انبرى الزميل المدون (زين الدين الكعبي) في خطوة مفاجئة بنشر مقال له بعنوان (إبداع القمني المزعوم) تناول فيه بالتحليل " المجرد" كتاب " الحزب الهاشمي" لسيد القمني وهو من أشهر أعماله بل هو الركيزة المشار إليها كأساس من أسس منحه جائزة الدولة التقديرية ..
خلع "زين الدين الكعبي" – معلناً ذلك- قبل أن يلمس ذلك الكتاب كل علامة للانحياز أو التحامل.. وتجرد في قراءته وأشرك القارئ معه في كل خطواته وعرضه لنصوص وفقرات الكتاب الرئيسة .. وطريقة استقرائه. وتحليله واستنتاجه.. وربط المقدمات بالنتائج .. ووضع كل ما سبق أمام عين القارئ والمراقب ليتقصى عما إذا كان "الكعبي" موفقاً في تحليله أم أنه حاد عن جادة الصواب ..
عرض "الكعبي" للمقولة اللقيطة التي دبج بها وبني عليها القمني هراءه وهي قول منسوب لعبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم ( اذا اراد الله انشاء دولة خلق لها مثل هؤلاء . " قالها عبد المطلب بن هاشم " ) وأبان الكعبي أنها بلا سند أو أصل يمكن الارتكان عليه .. كما تقصى "الكعبي" نظرية القمني في أن عبد المطلب والهاشميين كانوا يخططون لوحدة عربية في القرن السادس الميلادي وأنهم ظلوا يعملون لها حتى أتمها محمد حفيد عبدالمطلب تحت اسم الاسلام ..
وكم كان "الكعبي" رائعاً في نقده وانتقاده وتحليله وتوجيه ضربات التوبيخ بعد إيراد كافة ما تسنى له من أدلة تاريخية ونصية وعقلية ونقلية على هزال وخيابة مزاعم "القمني" وكذلك الأمر في موضوع الكعبة وما زعمه القمني من أن بني هاشم أرادوا حصر الريادة في الحج - والرفادة في السقاية – وهم في سبيل ذلك قضوا على الكعبات المتفرقة والموازية لكعبة بني هاشم بمكة لتكون القبلة والرمز الذي ستتوحد عليه الدولة القومية التي يصبو إليها الهاشميون ..
فإذا بالكعبي يشد عقولنا ويسلب انتباهنا عندما يدلل على تفاهة وتهافت منطق القمني بأن النبي لم يحالف أهله الهاشميين في مشروع دولتهم القومية بجعل الكعبة قبلتهم بل ذهبت القبلة بأمر إلهي لا قرشي صوب المسجد الأقصى لتفسد مشروع الدولة القومية الهاشمية التي أنشأها وهم القمني وأخترعها خياله الخائب بلا سند من تاريخ أو دليل أو عقل ..
إن تناول مقالة الكعبي هنا سيظلم "الكعبي" . أخشى أن أشوهها باختصاري أو بابتساري إياها..
ليس لأحد يبتغي الوقوف على الحق أو ينشد الحقيقة .. أو يريد النصفة لدينه ولعقيدته سوى أن يقرأ مقال "زين الدين الكعبي " ويتابع تحليله لما تيسر له من تناول كتاب القمني " الحزب الهاشمي" ..
وكلامي هنا لأهل الثقافة من العلمانيين والتنويريين وشيعتهما.. قلتم أن "القمني" منارة بحث .. وشعلة تنوير .. ومنقذ للأمة من غياهب الظلام والتخلف .. وأنزلتم أعماله منازل الغاية في البحث العلمي والأكاديمي والفكر المستنير ..
سؤالي .. ما قولكم فيما سلكه "الكعبي" في تحليله للقمني ؟؟..
أوليس الكعبي يفوق القمني وعياً ويقظة وإدراكاً وفهماً وسرداً ومنطقاً وحجة ؟
أوليس "الكعبي" قد استخدم ذات أدوات "القمني" في البحث والتقصي والاستقراء والاستنتاج وانطلق مع القمني من نقطة بداية ثابتة ثم انتهى إلى غير ما انتهت إليه مزاعم القمني؟
بل أظهر "الكعبي" وبجلاء ما سبق أن أكد عليه الظلاميون والإرهابيون من قبله من أن "القمني" يلوي عنق النصوص وينحو بها إلى غير مرادها .. ويخرجها من سياقها ويقترف الجرم المعلق بخيط رفيع بحيث إذا أحاط به طوق الاتهام نسب القول لغيره ونزع الجرم عنه بالتقية كما قال "الكعبي" وسبقه إلى ذات الفهم "عبد العراقي" و"شمس محمد" وغيرهم كثيرون إلى ذلك ..
ولقد انتهى "الكعبي" أخيراً إلى ذات ما انتهى إليه من قبله جميع من أدانوا القمني وأثبت الكعبي كما أثبت من قبله مطاعن ومغامز وملامز "القمني" في الدين والعقيدة والنبوة والرسالة ..
فهل "الكعبي" بذلك يمكن ضمه إلى قافلة الظلاميين والإرهابيين ؟ ..
وإلى الذين يعلمون "القمني "ويعلمون "الكعبي" من منهما بربكم الأحق بالجائزة لو كانت الجائزة بيمينكم ؟
"الكعبي" لا يحمل – على ما أعتقد درجة الدكتوراة- ولم يدعِ لنفسه درجة علمية .. ولم يحشر نفسه في زمرة قادة ورموز العلماء وكبار البحاثين .. ومع ذلك أنتج بحثاً وعرض تحليلاً – بصرف النظر عن توافق نتيجته مع اعتقادنا- وضع القمني في حجمه الصحيح وأبانه في صورة لا يحسد عليها هو ولا مناصروه الذين لم يردوا الكعبي بثمة رد أو يخطئوه بثمة خطأ أو يصوبوه بثمة تصويب ..
فيبقى "الكعبي" بما سرده وما انتهى إليه في محل الاعتماد والصحة ..
ويبقى القمني ومناصروه على الجانب الذي نظر إليه كل منصف ..
وفي النهاية ..
أقولها ولو على مستوى مدونات إيلاف وعالمها ..
إن زين الدين الكعبي بمقاله هذا.. وبتحليله.. وبفهمه .. وبسرده .. اتفقنا معه أو اختلفنا عليه بالأمس أو حالياً أو بالقادم..
فإنه يستحق وعن جدارة جائزة التقدير والكفاءة على الأقل أدبيا ومعنوياً..
وكوني لم أعلق على مقالته فإنني آثرت أن أكتب بشأنه مقالاً متفرداً ..
فإنه بحق أجدر عندنا بأن نوليه بعضاً من قدره .. وكفانا ما أهدرناه من قبل من مقالات عن غثاء ذلك القمني وهرائه..
التعليقات (0)