لم أكن يوما من هوات متابعة برامج مسابقات الـ SMS لأني كنت أعتبرها – وما زلت – برامج تسعى لاستنزاف جيوبنا عن طريق استجداء ذكي لعواطفنا الوطنية أو الجهوية أو القبلية ، وقد بقيت صامدا في وجه تلك البرامج أشاهد جزءا منها خلسة قبل أن يكتشف ضميري خيانتي فيأنبني فأخرج . بقيت هكذا وبقيت جداراتي الدفاعية صامدة حتى عام 2007 مع التجربة الأولى لبرنامج أمير الشعراء عندها تهاوى خطي الدفاعي الأول تحت قصة عشق مدفونة للقصيدة العربية الفصيحة .
المهم سقط خطي الدفاعي الأول وبصعوبة شديدة أبقيت الخط الثاني متماسكا وأنا أرى ابن وطني محمد ولد الطالب وهو يتقدم بخطى ثابتة لمراحل متقدمة من المسابقة ، كانت بوارج التقديم الذكي للبرنامج وعبارات الوطنية تدك يوميا جيبي المتآكل الاستنزاف أوقيات قليلة قد تكون بقيت خطئا هناك ، إلا أن تلك الطلقات - وإن نجوت أنا منها - دفعتني لاستجداء آخرين من أجل التصويت لشاعرنا ، من أجل أن يبقى اسم وطني يرفرف عاليا في سماء الشعر .
انتهى ذلك الموسم الرائع وحصدنا المركز الثاني بجدارة بعدما أنهكت جيوب مواطنينا وجيوب الدولة بعدما تكلف الرئيس ( الديمقراطي ) سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله باستنزاف ثروة وطن جائع لجيب قناة متخمة ، عاش الفريقان إذا نزوة نصر غير أخلاقي ، وطن بالمركز الثاني على صعيد الثرثرة ، وقناة متخمة بأموال فقراء وجياع استنزفتها تحت عباءة الوطنية ، وعشت أنا في انتظار الموسم الثاني وأنا على استعداد تام لهدم خطي الدفاعي الثاني بنفسي عند بداية الموسم ، لولا أن الله سلم ..
بعد انتظار طويل جاء الموسم الثاني لكنه كان باهتا ولم استطع أن أتابع حلقتان منتظمتان من المسابقة فضلا عن صرف مبلغ فيها ، عاش وطني نصره في هذا الموسم وحاز المركز الأول ، وعشت أنا إحباطا من مستوى المسابقة ، وعاشت القناة مفاجئة حزينة من مستوى استنزاف جيوب المواطنين العرب في عام الأزمات المالية .
في هذا العام أيضا بدأ تلفزيوننا الوطني في تقليد كامل لبرنامج أمير الشعراء ببرنامج البداع ، عاش هذا البرنامج أوج نجاحه في عامه الأول على غرار سيده أمير الشعراء ، أنهك جيوب المواطنين المنهكة أصلا في عامه الأول ، لكنه تذوق الفشل الذريع – على غرار سيده أيضا – في العام الثاني ، وتوالت البرامج المنهكة للجيوب في عامها الأول والمنهكة هي في عامها الثاني من النغمة الذهبية إلى المداح .
ولأني كنت متابعا شغوفا لبرنامج المداح في عامه الأول ، وكان لدي تخوفي المبرر من أن يصيب نسخة هذا العام لعنة الموسم الثاني من برامج الـ SMS في تلفزيوناتنا العربية ، لكن – وللمفاجئة – لم يكن هذا الموسم يعاني من هبوط في مستوى المتسابقين ، لكن الهبوط الحاد كان في مستوى لجنة التحكيم ، فقد رسم الرائع الدد محمد الأمين السالم لنفسه في الموسم الأول خطا رائعا في النقد ، حيث بدأ في تصحيح المعاني والألفاظ التي لا تليق بمقام النبوة ، وكذلك تصحيح الوزن ، لكن متسابقي هذا العام كانوا أذكى من لجنة التحيكم فوعوا درس الأمس ، فلم يكن أمام الدد وهو ( ول أزواية ) إلا أن يختم مدحة كل مداح بهذا رائع ، الألفاظ مناسبة والوزن مكتمل ، وهي عدوى انتقلت بسرعة للفنان محمد ولد الميداح ، الذي أضحت إضافاته النقدية لهذا الموسم محدودة جدا .
كان أسوء ما في نسخة هذا العام هو غياب الكمويدي والناقد أحمد طوطو في بداية الموسم ، إلا أن استبداله بشخص ليحاول تقليده هو أسو قرار اتخذه القائمون عل البرنامج ، فبدى ابراهيم وهو الشخصية الجديدة في هذا الموسم تائها وهو يحاول أن يتمسك بخيوط من شخصيته الخاصة ، ويحاول باستماتة أكبر أن يقلد جزاء من حركات الفنان الكمويدي ، فكان بذلك الإصدار العاشر من طوطو بدل أن يكون الإصدار الأول من نفسه ، تماما كما يحكى في تراثنا الموريتاني عن الغراب الذي حاول تقليد مشية الحدءة فلم يستطع ونسي مشيته فبقي يتأرجح لا إلى هاؤلاء ولا إلى هاؤلاء ، عاد أحمد طوطو إلى الطاولة المزدحمة بالنقاد الخالين من أي إضافات نقدية تجذب المشاهد للمتابعة وتبرر درجات لجنة التحكيم ، لكن ألق الكميدي في الموسم الأول لم يعد بعودته هذا الموسم.
هي إذا لعنة العام الثاني في برامج استنزاف الجيوب ، خسرها أمير الشعراء والبداع بهبوط في مستوى المشاركين عندما انتصر الـ SMS على اللمحة النقدية الحيادية فعزف الكثيرون عن المشاهدة ومن باب أحرى التصويت ، وخسرها المداح بهبوط في مستوى لجنة التحكيم وعدم اتضاح الرؤية النقدية للقائمين عليه ، تعددت الأسباب والفشل مصير العام الثاني .
لكن الفجيعة الأكبر تكمن في ألا يدرك القائمون على هذه البرامج فشل العام الثاني من مسابقات الـ SMS ويستمرون في الإنتاج حتى آخر الحلقات ، والأمَر من ذلك أن يحتالوا على المتسابقين ويمتنعوا عن تسجيل الحلقة الأخيرة – حلقة الجوائز – كما هو الحال في النغمة الذهبية وشاعر الرسول والمداح .. وفي القائمة كل ما كان يبثه تلفزيوننا الوطني من هذه البرامج خلال العام الماضي .
استقيموا يرحمكم الله
التعليقات (0)