الرجل العظيم هو من يتحمل نتائج عمله
هتلر
في حيزي التعيس هذا، كنت قبل أسابيع عديدة قد أشرت إلى العدد الكبير من المستشارين و المكلفين بالدراسات الذين يعملون برئاسة الجمهورية. لا أعرف كم هو عدد هؤلاء بالضبط، لكن ما أنا متأكد منه هو أنه إذا ما صنّفنا أولئك الموظفين السامين في الدولة، ضمن الخبراء، فان عدد خبراء الجزائر لا يمكنه أن يكون إلا ضخما إذا ما أضفنا إليه كل تلك الرؤوس التي تطلّ علينا من حين لآخر عبر بوابة قناة " الجزيرة" و التي يقدّم أصحابها على أساس أنهم خبراء و مديري مراكز دراسات إستراتيجية و "ضرب كبير" آخر من هذا العيار.
لكن، عندما أتابع ما يجري في بلدي، و أكتشف مع نهاية شهر أوت أن وزارة التربية لم تستقر بعد على رأي نهائي بخصوص رزنامة دراسة تلاميذ مختلف الأطوار، بسبب نهاية الأسبوع الجديدة، أتساءل عن المكان الذي يختبأ فيه أو الجحر الذي رُمي فيه كل أولئك الخبراء !
كان الأسبوع الجزائري ينتهي بيومي الخميس و الجمعة، فأصبح ينتهي بالجمعة و السبت... فضاعت البوصلة و اختفى القبطان و لا أحد يعرف ماذا سيحدث للسفينة !
يوم واحد تغير في نهاية أسبوعنا، فعل فينا ذلك !
من الاستقلال إلى 1976 كانت أسابيع الجزائري تنتهي بالسبت و الأحد. لا أعرف ماذا حدث بالضبط كي يقرر الرئيس الراحل هواري بومدين تحويل نهاية الأسبوع من السبت و الأحد إلى الخميس و الجمعة؟ يُقالُ أن بومدين أراد فقط أن يعبّر عن إسلاميته، فقدّس الجمعة و جعله يوم راحة كي يتفرّغ العباد خلاله لأداء صلاة الجمعة التي تعتبر عيدا بالنسبة للمسلمين... هذا ما يُقال، لكني لا أعرف مدى صحة ما قيل، غير أن ما أنا متيّقن منه هو أنه لم يحدث أي خلل في ذلك الوقت بسبب ذلك التغيير. كل شيء تم ببساطة و هدوء كما لو أن لا شيء وقع.
من 1976 إلى 2009، ظلت أسابيع هذا البلد تنتهي بالخميس و الجمعة. لا أعرف ماذا جرى بالضبط كي يُرغم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على إعادة النظر في نهاية الأسبوع. كانت الإشاعة قد سبقت منذ سنتين أو ثلاث سنوات، و كان الجزائريون يرتقبون حدوث تغيير على نهاية الأسبوع. الإشاعة كانت تقول بأنه و لأسباب اقتصادية مصرفية بحتة ستعود نهاية الأسبوع كما كانت قبل 1976، أي السبت و الأحد.
الإشاعة كانت تقول أيضا بأن نهاية الأسبوع التي أقرها بومدين ( الخميس و الجمعة) كانت سياسية و بسببها تتكبد الجزائر خسائر مالية لا حصر لها، و لذا بات من الضروري تصحيح الموقف، من خلال إعادة نهاية الأسبوع السابقة أي السبت و الأحد... هكذا كانت الإشاعة تقول.
لكن الذي حدث في نهاية المطاف هو أن بوتفليقة لم يكن مستعدا للتعامل لا مع نهاية الأسبوع التي واكبها بن بلّة و بومدين، و لا مع تلك التي عرفت و عرفها بومدين و الشادلي و بوضياف و علي كافي و زروال، فأتحفنا بـ"ويكند مايد اين بوتفليقة" ! "... الجمعة و السبت.
نهاية الأسبوع كما أرادها بوتفليقة نصفها حليب و نصفها الآخر قهوة (حتى لا أقول شكلاطة). الخميس أصبحنا نتاجر فيه مع البنوك الأجنبية علنا نربح بضعة دولارات أو هكذا يُحكى لنا، و الجمعة يوم صحيح أننا كنا نريد أن نتاجر فيه هو كذلك مع المصارف الأجنبية، لكننا ضحّينا به من أجل التجارة مع الله.. جميل.
إلى حد الآن، ما من مشكلة... فكما كان و لا يزال من حق كل شخص يرأس الجزائر أن يعدّل الدستور، فقد أضفنا حقّا آخر لكل رئيس جديد، و هو الحق في تغيير نهاية الأسبوع. و من يدري، ربما، يقرر الرئيس الذي سيـأتي بعد ما بعد بوتفليقة أن يمتعنا بنهاية أسبوع تبدأ يوم الخميس و تنتهي يوم الأحد. لا يهم، فهذا أمر نورمال و النورمال في العرف الجزائري لا يعني أبدا أنه طبيعي. لكن، غير النورمال هي تلك العبارة التي تقول: كل قطاع يكيّف نهاية أسبوع العمل فيه حسب خصوصيته و مقتضياته !
العبارة قيلت عندما اختلطت الأمور على الجماعة في عدة قطاعات و خصوصا في قطاعي التربية و التعليم العالي !
سبحان الله العظيم !... ماذا يعني، كل قطاع يكيّف نهاية أسبوعه كما يريد ؟! هل نحن نعيش في جمهورية واحدة أم أن كل قطاع يُعدُّ جمهورية قائمة بذاتها ؟! هل سبق لأي واحد منكم أن سمع مثل هذا الكلام في أي واحد من بلدان العالم بما فيها البلدان الإفريقية المتخلّفة التي نضحك عليها و لكننا نقيم لها مهرجانا كلفته 500 مليار ؟
أنا واثق بأن هذه التساؤلات ليست بجديدة عنكم لأن كل واحد منكم كان قد طرحها دون شك و هو يسمع بأن كل قطاع حرّ في اختيار نهاية أسبوعه ! كما أنني متيّقن من أنكم و أنتم تطلّعون على مثل هذا الكلام، قد استنتجتم بأن الجماعة فشلت مرة أخرى، و أخرى.. و أخرى.... و أخرى. و هذه المرة فشلت في نهاية الأسبوع!
بصراحة، و بكل سذاجة، كيف يستطيع الجزائري البسيط أن يقتنع بأن شؤون البلد المصيرية الكبرى، من شاكلة النفط و الغاز و احتياطي الصرف، و أموال البنك المركزي و باقي البنوك و ما إلى ذلك من مسائل حسّاسة يخضع تسييرها لخبراء و استراتيجيين .. و حكماء، عندما يكتشف نفس ذلك الجزائري البسيط أن الجماعة " داخت لها" في نهاية الأسبوع ؟!
بصراحة، و بنفس السذاجة، من يتجرأ بعد اليوم على القول للجزائري البسيط: اطمئن يا أخونا ، ففي هذه البلاد أدمغة و خبراء ؟ كيف يطمئن أخونا، و الأدمغة و الخبراء عجزوا عن تغيير نهاية الأسبوع دون مشاكل ؟!
لو كان في هذه البلاد خبراء، لما أقررنا، ترتيبات قانونية لجلب المستثمرين الأجانب ثم تراجعنا عنها بدعوى أننا اكتشفنا عيوبا مضرّة بمصالحنا الاقتصادية في التدابير الأولى، ما جعل بعض أولئك المستثمرين الأجانب يحزم أمتعته و يعود من حيث أتى، بينما يتأهب البعض الآخر منهم لفعل نفس الشيء بعدما وجد نفسه يدور في حلقة مفرغة و متاهة لا مخرج منها.
لو كان في هذه البلاد خبراء، لما سمحنا للبنوك، أجنبية كانت أو وطنية بمنح القروض الاستهلاكية للمواطنين، ثم نخرج فجأة أمام العالم و نقول: لقد ندمنا على ما فعلنا، و من الآن فصاعدا يُمنعُ منعا باتا على أي بنك أجنبي أن يمنح أي قرض استهلاكي لشراء سيارة مثلا، بدعوى أننا اكتشفنا في القوانين السابقة، عيوبا تهدد السيادة الوطنية... ثم نعود و نقول: من الممكن للبنوك فقط أن تمنح القروض العقارية... ثم نعود و نقول: القروض الاستهلاكية عموما ليست ممنوعة، لكن فقط إذا ما كانت موجهة لاقتناء منتوجات جزائرية الصنع... و يعلم الله، ماذا سنقول عن هذا الموضوع بالذات في الأيام القادمة ؟ مع العلم أننا نكتشف في القروض الاستهلاكية التي تمنحها البنوك الأجنبية، عيوبا تهدد السيادة الوطنية، لكننا لا نخاف على ذات السيادة الوطنية عندما نستقدم شركة أجنبية لتراقب ما يحدث في موانئنا !... لكن من يعرف أفضل من " الخبراء" ؟ فهؤلاء قالوا: لا خوف على السيادة الوطنية من شركة أجنبية تراقب كل ما يدخل موانئ البلد و ما يخرج منها !
لو كان في هذه البلاد خبراء، لما حدث ما حدث مع رفيق مومن خليفة... أموال جنونية، لا أحد يعرف قيمتها بالعملتين الوطنية و الأجنبية تبخّرت. و في الأخير لم نجد ما نقول أفضل من أننا اكتشفنا عيوبا في قانون النقد الذي يسمح بإنشاء بنوك خاصة و الذي تم سنّه في عهد رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش ؟!
لقد تأكدت أكثر بأن الجزائر يسيّرها خبراء، عندما سألت قناة " الجزيرة" منذ أيام قليلة وزيرنا للسياحة الشريف رحماني عن أسباب التخلّف السياحي في الجزائر، و سبُل الخروج من ذلك التخلّف، فراح الرجل يبشّر خلق الله في العالم بأن الجزائر سيكون لها مستقبلا " ميترو" و " ترمواي" ! حينها قلت " برافو" عليك يا رحماني.. لقد أصبت الهدف يا دڤدوڤ... اعتبارا من الصيف القادم إن شاء الله سيأتينا السياح من الولايات المتحدة و أستراليا، و هولندا و فرنسا و بريطانيا و سويسرا و ألمانيا و من كل حدب و صوب، ليتسلّون.. " ليلعبون" بالميترو و الترمواي !
السلام عليكم.
منشور في أسبوعية أسرار الجزائرية/ العدد 254
التعليقات (0)