براءة " شيماء " تُغتال في الممر الضيّق ..!
الممر الذي لا يتجاوز عرضه المتر ونصف المتر طويل نسبيا ،
وفي نهايته مكان اُعد لانتظار المراجع دوره للدخول إلى الطبيب ، ويسمى الاستراحة ، وهو مكان واحد لجلوس الرجال والنساء ، وقد قسم إلى مكانين صغيرين متجاورين يفصل بينهما " بارتشن " أنيق .
طول الممر " المرصع بالسيراميك " الناعم أتاح لشيماء القادمة مع والدها من " كاونتر " الاستقبال باتجاه " الاستراحة " حيث سبقتهما أمها إلى هناك .. أتاح لها فرصة الحركة واللعب .. تمسك بيد أبيها اليمنى تارة وتارة أخرى تقفز لتمسك بيده الشمال ، وتخطو حينا خطوات قليلة إلى الأمام بالقفز على قدم واحدة ! وتسير حينا آخر خلف والدها ممسكة بتلابيب ثوبه في نشوة طفولية ! فهي لم تكتسب بعد شيئا مما يجول في خلد والدها من أفكار ضيقة كضيق ذلك الممر ترتب لما سيكون عليه الوضع بعد قليل حينما يقتربا من " الاستراحة " . ولم تدرك شيماء أنها لم تمارس " نطنطتها " الطفولية إلا لأن الممر كان خاليا من المارة " الرجال " وإلا لما تأخر ما كان ينتظرها والذي لم يكن في حسبانها ! .
القسم المخصص لجلوس النساء والذي تجلس فيه والدة شيماء كان يلي شيماء ووالدها في نهاية الممر ، لكن ما يبدو هو أن والد شيماء قد غفل قليلا ، ربما كان يفكر في أمر ما فنسي ( الترتيب ) الذي كان يعد له أثناء سيره مع أبنته شيماء بطول الممر - وهو الترتيب الذي منح شيماء مع خلو الممر قليلا من الوقت لتلهو وتلعب ! - ..
لقد نسي الرجل ما كان يخطط له وفق قناعات أكتسبها وترسبت في ( قعر ) عقله ، حتى أنها من سطوة سيطرتها على أفكاره لم تشفع لطفولة شيماء ، وكانت سببا قويا لعاقبة لم تكن تدركها .
إذن ، بسبب تلك ( الغفلة ) تقدمت قدما الرجل قليلا نحو قسم الرجال حتى جاوز الفاصل بين قسمي النساء والرجال . وكانت شيماء ما تزال تمارس لهوها إلا أنها في تلك اللحظة التي تنبه فيها والدها لخطأه ( الكبير !) كانت تمسك بيده اليمنى .
توقف .. نظر إلى الجالسين في قسم الرجال وقد توسط مدخله إلا قليلا ! .. رآني ومعي أثنين آخرين لا أعرفهم .
وفي تلك اللحظة الخاطفة ، ولقرب المسافة ، رأيت بدقة ما حدث له .
الرجل بدأ وكأن صعقة كهربائية ضربت جسده وتحديدا وجهه الذي تعددت ألوانه من هول ما تنبه له .. فقد تنبه فجأة أن :
امرأة ( سافرة ) كانت تمسك بيده ، لم تكن ترتدي عباءة أو " طرحة " أو غطاء ، فكان شعرها الأسود الناعم يتراكقص كمهرة جموح فوق متنها ، وكانت ترتدي فستانا أنيقا يغلب عليه اللون الزهري ويصل إلى ما تحت الركبتين بقليل ، ومن تحته جرابان بيضاوان و" جزمة " بيضاء كذلك .
لم يكن تقدير ما لمّ بالرجل من " صدمة " .. لم يكن صعبا على كل من يراه في تلك اللحظة .. وبالتالي لم تكن تلك الصرخة المدوية مستغربة منه !
لقد نهر ( المرأة السافرة ! ) بصوت قوي وكلمات لا يكاد يفهم منها إلا تأنيب فتاة ناضجة حين لا تكترث لوجود الرجال أمامها وهي في كامل زينتها !
فما كان من تلك ( المرأة السافرة ) إلا أن امتثلت لصرخته القوية لتنظم في انكسار للنساء وهي ترتجف من شدة الرعب المفاجئ !!
تركي سليم الأكلبي
Turki2a@yahoo.com
التعليقات (0)