من أخطر البدع التي أراها الان؛ والتي يؤلمني رؤيتها، ورأيتها تصدر من بعض أعداء الابتداع: بدعة عيادات العلاج بالقرآن ...
فقد اتخذ بعض الإخوة الملتزمين، لأنفسهم مكانا يأتيه الناس ليتطببوا على يديه، أو يأتوه طالبين منه أن يزورهم، ليُعالج مريضا عندهم.. وبعض هؤلاء يقع في محذورات: كأن يضع يده على أماكن في المرأة على رأسها أو صدرها أو بطنها أو جنبها، حتى ولو بحائل.. ومثل هذا لا يجوز قطعا.
ومن تتبع حال النبي صلى الله عليه وسلم، والأحاديث التي وردت فيها الرقى، تجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي نفسه وأزواجه وأحفاده، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ، مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَذْهِبِ الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا" فَلَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ، أَخَذْتُ بِيَدِهِ لِأَصْنَعَ بِهِ نَحْوَ مَا كَانَ يَصْنَعُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ يَدِي، ثُمَّ قَالَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاجْعَلْنِي مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى" قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ قَضَى.
كما كان إذا زار مريضا أو جاءه مريض- كما في الصحيحين- دعا له بنفس الدعاء قائلا: "اللهم أَذْهِبِ الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا"، فصارت من سنته صلى الله عليه وسلم أن يدعو زوار المريض للمريض.. دون أن يطلب منهم الدعاء..
فكان صلى الله عليه وسلم يذهب للمريض يريد أن يعوده في مرضه، وتأتي الرقية عرضًا.. ويكون ذهابه صلى الله عليه وسلم لمن يعرفه، لا يذهب لكل إنسان كما يفعل من اتخذ هذا الأمر مهنة، إن لم يطمع في كسب مال طمع في كسب الجاه والاحترام والتقديس..الخ، وانضم لهذا السلك بعض المبتلين بالتدخين، وسوء الأخلاق في بيوتهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يرقي أي مريض يأتيه، وانما كان يدل بعض من يأتيه كيف يرقي نفسه، ففي صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل باسم الله ثلاثا. وقل سبع مرات: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" فعلَّمه النبي كيف يرقي نفسه، ولم يقل له تعال أرقيك..
وبعضهم كان يدله على بعض ما يتداوى به، مثل شرب العسل كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسقه عسلا" فسقاه، ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال: "اسقه عسلا" فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق الله، وكذب بطن أخيك" فسقاه فبرأ.
وأنا لا أنكر أن يقرأ الناس بعضهم على بعض، لكني أنكر أن يتخذ بعض الناس هذا العمل شغلا ويعرفون به!!
ومن المؤكد الذي لا خلاف عليه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفتح عيادة أو ينشئ مستشفى يعالج فيه الناس بالقرآن، بل كان يعلّم المسلمين مراعاة سنن الله عز وجل في الأسباب والمسببات، ويقول: "ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله" ويقول: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برئ بإذن الله".
وجاءه رجل يشكو إليه أنه مفؤود. أي: مصاب في فؤاده، أي: كبده وقلبه، فأمره أن يذهب إلى الحارث بن كلدة الثقفي، فإنه يتطبب . ولم يقل له: تعال أعالجك بالقرآن!
التعليقات (0)