مواضيع اليوم

بدا لها أنَّهُ الاثنان معاً

يوسف القدرة

2009-03-08 20:19:52

0

بدا لها أنَّهُ الاثنان

معاً

يوسف القدرة 

 

 

..وجَلسَتْ تَضْغَطُ بِكفِّها على حُلمٍ لمْ يَسْتيْقظْ بَعدْ، كاْنَتْ خَدِرَةً، ما يَزالُ صوتُهُ موسيقىً حزينةً في أُذنيِها، شَبِقَاً كَقَوْسٍ مِنْ أَلْوانٍ غَامِقةٍ رأتْـهُ، كَاْنَ إِنَاْءً مِنْ زُجَاْجٍ رَقِيْقٍ وشَفَّافْ، يَلْبِسُ عُريَهُ وندىً مَرْشوْشاً بِدِقْةٍ على جَسدِهِ، ويفيضُ.

  

رأتْ نَاْراً تَتَرَاْقَصُ وكِتَاْباً يَقرأُ سرَّهُ، الوحدةُ تَتسلَّقُ سلالمَ زمنٍ ينْدَلِقُ كعصيرٍ على سريرٍ مصنوعٍ مِنْ نِعْناعْ. كانَ يَعْصُرُ صَمتَهُ بكلامٍ من دَمهِ، حاولَ الاسترخاءَ على صدرِها، بدا لها أنَّ تاريخاً من جَمالٍ قَدْ اختفى، باغتتْها روحٌ ارتقتْ بياضاً على وجهِ مراياها، تدَّلى متكوِّراً ودَنَا، قطفتْهُ بُرتقالةً، خبَّأَتـْهُ بينَ صمتين، بكتْ كُحلاً، رسمتْ مركباً وبحرْ.

 

ليلاً غامضاً كانَ، الصباحُ خلا من بُنٍّ يبني بيوتاً وتَوابيتْ. صَرَعَتْها فِكرةُ أنْ يأتي الضُّحى بدونِ تفسيرٍ لِمَا رأتْ.

 

قالتْ:

إنَّ ما رأتْهُ ليسَ حُلُماً، ولا حقيقةً، بدا لها أنَّهُ الاثنان معاً، وسرحتْ.

 

حِصَاناً أَحْمرَ جاءَ لها، يَعْزفُ ناياً ويرقصْ، تشابهَ عليها الأمرُ، رقصتْ. دغْدغَ قلبَها لحنٌ تحفظُهُ، رَدَّدتْـهُ معْ وجعٍ مَلْحوظٍ وتجلَّتْ. بردٌ مُنْضبطٌ تسلَّلَ إلى أصابعَها، نفضتْهُ بشقاوةِ قطٍّ يُداعبُ بمخالبِهِ الوقتَ. جرحتْ رِسْغَها، كتبتْ بدمِها على لهفتِها جُملةً تقولُ:[لاْ، لمْ يُحرِّكْ صمتَ ساكنٍ هنا]. تناستْ حاجتَها لتفسيرٍ لِمَا رَأَتْ، ارْتأتْ أنْ تَنامَ مرَّةً أُخرى.

 

مُعطَّراً بالارتجافِ كانَ السريرُ، رأتْـهُ مسلوقاً بزيتٍ يسيلُ من جبلٍ مَصْلوبٍ، كانت أسنانُهُ تَصْطكُ كأسئلةٍ مَصفوفةٍ على بابِ الإجابةْ. حَبَتْ إليهِ، مَسَّتْ جنونَهُ الذي جناهْ، جَنتْ دِفئاً مُغايراً، تكهربَ فيها صمتاً مَكْتوباً بِحبرٍ مَكْتومْ. تعالى صراخٌ أَطْبقَ كشهقةٍ على قَهْقَهةٍ مُتْعبةْ. تَلوَّتْ ثمَّ انْفرجَ انْقباضُها على اتِّساعٍ أخْضرَ، أَحسَّتْهُ يُمَسِّدُ عنقَها، يلتقي بأوردتِها فيما شفتاهُ مُنْقارانِ حادانْ.

 

قلْبُهُ كانَ أوسع من بحرٍ رسمتهُ، ركبتْ مَرْكِبَاً، هامتْ في متاهاتٍ تَسكنُ عُمقَها، تعلقتْ بيقظةٍ أصابَها بِها عصفورٌ يُزقزقْ.

حدَّقتْ في الشّباكِ بحدَّةِ تحدِّيٍ، كسرَها بللٌ خَجِلٌ من ذاتِهِ. ارتقتْ الشمسُ، دخلتْ إليها، نَشفتْ.

 

دُقَّ بابُ البيتِ فبكتْ وانْكبَّتْ على بانيو مفروشٍ بفُلٍّ وياسمينْ، مُحاطٍ بشموعٍ حُمرٍ وخُضرْ، كانَ الماءُ فاتراً فغطستْ به وغَطسَ بها. شعرتْ أنَّ جِلدَها يتبدَّلُ بِجَلَدْ. احْتكَّتْ بصوتِ تراتيلَ كنائسيَّة، كانتْ تحْضرُها برهبةٍ خائنةْ. أغْمضتْ عينيها، جاءها بجناحينِ أبيضينِ يرفرفُ، فرَّت مِنْ نصاعةِ صدرِهِ الذي من حنْطةٍ وسحرْ، صَفَّرتْ تُرتِّبُ شَعْرَها المنْكوشْ على مرآةٍ من زيتْ.

 

زيَّنتْ وجهَها بحَدسٍ، خمَّنتْ أنَّ في قلبِها درباً مُغلقاً فانْفتحتْ تحتَ سطوةِ فضولٍ لا يُضِلُّ. اسْترختْ على تَختٍ تخاذلتْ عليه أحلامٌ مُلوَّنة. ركَّزتْ في بُقعةِ ضوءٍ خَافِتٍ، خَافَتْ مِنْ ذاكرتِها التي مِنْ سينما وأنهارٍ تركضُ. ركضتْ على ساحلهِ الطريْ، طارتْ نحوَ جلالٍ انْجلى، تجَمَّدتْ كتِمْثالْ. سالَ مِنْها سؤالانِ وتعبْ: أرادتْ أنْ تَعْرف لونَ عينيهِ وما تحْملان من خَرْقٍ رَخوْ.

 

كانَ نهاراً لا يَهْجرُ مراياهْ، يدخلُ متاهاتِ الصراخِ الذي يُرادفُ صمتهُ، كانَ جسدُهُ نارَ الشِّعرْ، كُلَّما مرَّتْ ريحٌ عليهِ تحمَّلتْ بعطورٍ أنواعها شتّى، لكنَّ صمتَ المدى سكنَ روحَهُ، بينَ بياضٍ يُغْريه وسوادٍ ينْفعِلُ، كانتْ المسافةُ التي تكمُنُ فيها حريَّتهُ. تحرَّتْ عن قوَّةٍ يتباهى بِها، حينَ يرقِّصُ صمتهُ على صراخٍ في البياضْ.

 

رأتْ أنَّ اللغةَ اتجاههُ، تجاهلتْ معرفةَ أنَّ يومهُ ممرٌّ يمدِّدُ نارهُ في حديقةٍ لا تَعْشقُ إلا ذاتها، رأتْ أنَّ يدها الغجريَّة تُصافحُ ضوءَ يديه الخشبيتين وتنقبضُ خارجةً من الماءِ على انفراجٍ غريبْ. تركتْ قدميها تخرجُ مُشبَّعةً بالملحِ الجامحِ نحوَ أمواجِ كمنجاتٍ حزينةٍ كما تعرفْ، عَرِفَتْ أنَّ الماءَ يحِنُّ إلى سكونٍ فيما كائناتٌ أسطورية تزِنُّ في سماءه، انسابتْ لصُدفةٍ لا تُجيدُ البوحَ للأشياء بعشقٍ مفتوحٍ على كلِّ الاحتمالاتْ.

 

بدأتْ تفقدُ هدوءَ حزنِها، ورَّطتْها السجائرُ في فراغاتٍ أكثرَ من تحمل أضلعها لنيكوتين غيابٍ وبُعدٍ أزليّْ. للحظةٍ كانت قرونْ؛ رأتْ أنَّ السكينة تتنازلُ وتمنحُها ورداً أكثرْ. رأتْهُ صلباً على صليبِ الرُّوحْ، يبعثُ نوراً من نبضِ قلبٍ دمعُهُ مجروحْ، لم يتَّسِعْ عرشاً لخطيئةٍ ليلُهُ بأنفاسِها يبوحْ، مكثتْ في عزلِتها تغزلُ خلاصاً قُربَ حياةٍ بلا مَعني.

 

جالتْ في مجراتِ دوامةٍ فيها أخذتها نحوَ أعماقٍ تُتوِّهُ آهةً حافيةً غارقةً في غروبٍ فيه مساءينِ مرتبكينِ لغيابٍ تسيلُ مياهُهُ غسقْ، صفَّقَتْ عندَ بابِ اللحنِ ناسجةً ما يرسمهُ بكاءْ، رأتهُ يتعالى بعينيهِ عن شارعٍ فقدَ شُعورهُ، كانَ يتألمْ ويُلمْلمُ شظايا حُلمِهِ فيما قصورُ روحهِ تنهارُ في نهارِ جسده.

 

جَسَّدَتْ ما اختارتْهُ من انْهزامْ، أَغلقتْ النوافذَ، أَسْدلتْ الستائرَ، تنازلتْ للموتِ عن آخرِ وردةٍ تفتَّحَتْ في صباحِها، رأتْ في سَكْرَتِها أنَّ لغتَهُ انْشَلَّتْ، تلاشتْ صورهُ، ترقَّى بصمتِهِ،

[كلُّ

 شيءٍ ينتهي]

..هذا آخرُ ما قد قيلْ!!

 

شاعر فلسطيني يُقيم في غزة

النص من مجموعة شعرية موسومة بـ (لعلّكِ)- الطبعة الأولى 2007 عن جمعية الثقافة والفكر الحر




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !