ان مسار كل الإمبراطوريات والحضارات في العالم يمر بعدد من المراحل وهي مرحلة النشوء والنهوض ثم الارتقاء والتألق ومرحلة المراوحة ثم الانحدار والانحلال ففي دراسة للمؤرخ البريطاني "ارنولد جوزيف توينبي"Arnold Joseph Toynbee في موسوعته الكبيرة حول تاريخ العالم أحصى أحدى وعشرين حضارة سادت ثم بادت ومرت كلها بالمراحل التي تحدثنا عنها بلا استثناء من هذه القاعدة .
ان الفترات الزمنية التي تقطعها تلك الإمبراطوريات والحضارات هي متفاوتة فبينما نرى أن الإمبراطورية الرومانية مثلاَ استمرت ما يقارب ألف عام والإمبراطورية العثمانية ما يزيد على ستة قرون نجد أن الإمبراطورية البريطانية لم تدم إلا مئة وخمسين عاماً تقريباً، بينما استغرقت مرحلة التدهور فقط في الإمبراطورية العثمانية أكثر من مئة وخمسين عاماً، ونعتقد ان التسارع الشديد الذي هو سمة عصرنا الحالي لن يسمح بدوام الإمبراطورية الأمريكية قرناً واحداً مع بروز العديد من الإشارات وبدأ مرحلة التشكل لعديد من الإمبراطوريات المستقبلية في آسيا وفي امريكا الجنوبية وهذا يدعونا الى المراجعة الدقيقة للأحداث والطفرات في التشكيل لهذه الإمبراطوريات التي تعد سريعة جداَ،ففي مقال "جوزيف س. ناي Joseph S.Nye" وهو الأستاذ بجامعة هارفارد تحت عنوان "هل تتخطى الصين أميركا؟" يقول : إن القرن الحادي والعشرين يشهد عودة آسيا إلى ما قد نعتبره النسب التاريخية المستحقة من سكان العالم واقتصاده. ففي عام 1800 م كانت آسيا تمثل أكثر من نصف سكان العالم وناتجه. وبحلول عام 1900م، كانت تمثل 20% فقط من الناتج العالمي ـ ليس لوقع حدث جلل في آسيا، بل لأن الثورة الصناعية نجحت في تحويل أوروبا وأميركا الشمالية إلى ورشة عمل العالم. ولقد بدأ تعافي آسيا باليابان، ثم انتقل إلى كوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، بداية بسنغافورة وماليزيا. والآن يتركز التعالي في الصين، وعلى نحو متزايد الهند، حيث يتم انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر في خضم هذه العملية.
ولكن هذا التغيير يخلق أيضاً نوعاً من القلق والانزعاج إزاء تحول علاقات القوة بين دول العالم. ففي عام 2010 م تجاوزت الصين اليابان لتصبح صاحبة ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم. بل ويتوقع "بنك جولدمان ساشس للاستثمار"Goldman Sachs Investment Bank أن يتجاوز إجمالي حجم الاقتصاد الصيني نظيره الأميركي بحلول عام 2027م. و ذكر البروفيسور" جيفري د. ساش "Prof.Jeffrey D. Sachs وهو"الأستاذ في جامعة هارفاردً" "أن الإمبراطورية الأمريكية في طريقها إلى الأفول والزوال، وأضاف قائلاً: " لقد كان باستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية استخدام قوتها في صالح البشرية. لقد أظهرت الدراسة التي أجرتها منظمة الصحة الدولية أن جزءاً من المبالغ الضخمة التي تنفقها الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة تورطها في الحرب في العراق يكفي للسيطرة على العديد من الأمراض القاتلة في العالم كالحمى والسل ".
في كتابه "نهاية العصر الأميركي The end of the American Era " كتب البروفيسور "تشارلز أ. كوبتشان"Charles A.Kupchan ، وهو أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون وعضو سابق في مجلس الشورى الخارجية، كما انه كان مستشاراً لمجلس الأمن القومي في عهد بيل كلينتون وبالتحديد في فترة رئاسته الأولى وهو الآن يعيش في واشنطن: ان الساحة العالمية ليست خالية لأميركا على عكس ما نتوهم. فعاجلا أم آجلا سوف نرى ظهور قوى عظمى منافسة لأميركا على المستوى الدولي هذه القوى العظمى الجديدة سوف تنافس على حسم القرار العالمي. وعندئذ سوف ندخل في عصر جديد: هوعصر ما بعد أميركا. و سوف ندخل في عالم متعدد الأقطاب والمراكز ولا يهيمن عليه مركز واحد كما هو عليه الحال الآن.
يرى الفيلسوف الألماني" اوزولد شبجنلر " Oswald Chbangelr في كتابه "أفول الغرب Der Untergang Des Abendlandes " أن الأزمة التي تعيشها الحضارة الغربية ستقودها إلى الفناء والزوال.
أننا نؤرخ لبداية انهيار القطب الواحد المتفرد بالقرار العالمي منذ ان تمكن تيار المحافظين الجدد في امريكا من ربط سياسة الحكم بأفكارهم وتطلعاتكم التي قادت امريكا الى بداية السقوط رغم ان امريكا هي تعيش حالة تألق وألان وقد بدأت تنتهي حركة المحافظين الجدد حيث نشرت التايمز اللندنية موضوعاَ تحت عنوان "بنهاية حقبة أيدلوجية في واشنطن" معلنة بذلك نهاية تلك الحركة ،بينما كتبت مجلة"تورنتوغلوب اند ميلToronto Globe and Mail " ان حركة المحافظين الجدد قد انتهت نهاية حاسمة وقد اعتبر المؤرخ الأمريكي" دوغلاس برنكليDouglas Brinkley " ان الانتصارات التي حققها الحزب الديمقراطي في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2006 م تحمل في طياتها الموت لحركة المحافظين الجدد وفي مجلة" ناشيونال ريفيو اون لاين" كتب جون ديربيشايز ان كل الضجيج الاعلامي الآن يدور حول النهاية المحققة للمحافظين الجدد،كما ان بعض المحافظين الجدد قد أعلنوا بأنفسهم نهاية أيدلوجيتهم فقد نعى "كينيث ادلمانKenneth Adelman" وهو كاتب يحمل مسؤوليات رسمية في وزارة الدفاع لدى الجمهوريين هذه الحركة بقوله"ان أكثرية مما عملنا من اجله قد تلاشى ألان "وكذلك فرانسيس فوكوياما كتب في كتيب صغير له نشرته مجلة نيويورك تايمز حاول فيه التملص من ارتباطه بالمحافظين الجدد فأعلن ان هذه الحركة قد تحولت الى شيء لااستطيع القبول به وكذلك فقد ابدى "جوناه غولدبرغ Jonah Goldberg" وهو كاتب عمود في "ناشيونال ريفيو" يأسه من اسم حركة المحافظين الجدد واصفاَ إياها بأنها أصبحت اسماَ"بلامعنى ومنسية" أن هذه الحركة قد أدخلت الولايات المتحدة على المستوى المحلي او الخارجي في انفاق يصعب عليها الخروج منها وقد أنهكها إعياء حلم التوسع الإمبراطوري والدخول بحروب وعمليات عسكرية مما قد جعل اقتصادها يترنح مسجلاَ ازمات مالية ليست بالصغيرة ان مانريد ان نومي اليه الى ان الأيدلوجية السياسية للحركة التي طالما سيطرت على الإدارة الجمهورية الامريكية والتي كانت تطالب بتوسع امريكا عسكريا وانتهاج سياسة خارجية رعناء لم تكن ترمي الى أدارة العلاقات بين الدول بل كانت تسعى الى تغيير طبيعة الدول قد انتهت وفشلت كل المشاريع والمخططات التي يذهبون اليها في حروبهم التوسعية وقد شكلت نهاية حركتهم بداية لمرحلة جديدة وهي بداية مرحلة السقوط للولايات المتحدة الامريكية.
الدكتور «أناتولي ايفانوفيتش اوتكينAnatoly Ivanovich Aotekin » العالم الروسي والمؤرخ البارز في مجال الدراسات الأمريكية من بين المنشغلين بمصير العالم في ظل الاستراتيجيات الأمريكية الساعية لجعل القرن الحادي والعشرين أمريكيا بامتياز، كما تذهب إلى ذلك وثيقة القرن والتي تبلورت في العام 1997 م عن جماعة المحافظين الجدد، "وإذا كانت الولايات المتحدة تسعى للسيطرة على مقدرات العالم من خلال ما يعرف بمنظومة مادلين أولبرايتMedelein Albright System والتي تتمثل في أدوات وآليات تتراوح ما بين المنطق البسيط والحوافز الاقتصادية والمساعدة الفنية إضافة إلى المعاهدات الجديدة وتبادل المعلومات واستخدام القوة والتهديدات باستخدام العنف والمقاطعة والتهديد بالمقاطعة، فان هذه جميعا عند المؤرخ الروسي وان كفلت لواشنطن عاصمة القرن هيمنة لعشر سنين أو عشرين سنة قادمة فإنها لا تجذر لمصير هذه الهيمنة انطلاقا من أن الإحصاءات لا يمكنها الثبات طويلا في عالم سريع النمو ولا يمكن لأمريكا اعتمادا على قدرتها الخاصة فقط أن تضمن استمرار هيمنتها."
ان من المؤشرات الواضحة على تقهقر امريكا هي ان العجز في الميزانية الامريكية في تصاعد مستمر وكذلك زيادة الديون و الفجوة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية بينها وبين العديد من الدول بدأت تقل وان الخاصية الديموغرافية ستؤدي في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقليل قوتها وهيمنتها العسكرية في المستقبل القريب كل هذه المدلولات والمؤشرات تشكل الباب الواسع لخروج امريكا من المسرح العالمي لتكون احد اللاعبين وليس اللاعب الأوحد.
ان عالم اللاقطبية قادم لامحالة لعدد من الأسباب منها فشل الحماقات السياسية الامريكية وبروز دول وتنظيمات اخرى والاهم من هذا كله ان العولمة التي تطالب امريكا بفرضها على العالم هي نفسها التي ستكون السبب الأعظم في نهاية الإمبراطورية الامريكية او الحقبة الامريكية وهنا يكمن المربط فالعولمة زادت من حجم وسرعة حركة التدفقات عبر الحدود لكل شيء من المخدرات والبضائع المصنعة والناس وانتهاءاَ بإشارات الاستقبال للتلفزيون والفضائيات والفيروسات بكل أنواعها الافتراضية والواقعية وطبعا السلاح والكيمياويات،لذلك فاننا نرى ان العولمة تعزز اللااحادية القطبية وستنهي الهيمنة والتفرد وذلك من خلال طريقتين أساسيتين هما ان العديد من التدفقات عبر الحدود التي نوهنا عنها تحدث خارج نطاق السيطرة الحكومية وحتى من دون علمها ومعرفتها ومن هنا فان العولمة تخفف من نفوذ القوى الكبرى وقدرتها على التحكم في مصائر الشعوب والدول والأمر الأخر هو ان هذه التدفقات غالباَ ماتعزز وتقوي قدرات فاعلين غير حكوميين مثل مصدري الطاقة والإرهابيين الذين يستخدمون الانترنيت للتجنيد والتدريب وكذلك الالتفاف على النظام المصرفي الدولي لتحريك ونقل الموارد المالية ونظام النقل العالمي لتحريك الناس و500 شركة يانصيب التي تحرك بسرعة مذهلة فرق عملها واستثماراتها ومن الظاهر بشكل متزايد بأن الدول الأقوى لم تعد يعنيها امتلاك احتكار القوة إذ بات من الأسهل والأوفر ، أكثر من أي وقت مضى، بالنسبة للأفراد والمجموعات، أن يراكموا وينشروا قوة حقيقية موازية.
نشرت مجلة الشؤون الخارجية" فورين آفيرز Foreign Affairs " أيار/ حزيران 2008 م مقالاً بقلم ريتشارد هآس Haass Richard تحت عنوان" من العالم الأحادي القطبية إلى عالم اللاقطبية : ماذا بعد الهيمنة الأمريكية The Age of Nonpolarity : What Will Follow U.S. Dominance " جاء فيها : بين زيارة جورج دبليو بوش الأولى لأوروبا قبل سبع سنوات وزيارته الوداعية الأخيرة التي قام بها قبل أيام تغير وجه الكوكب كثيراً وكان العالم قد خرج للتو من الثنائية القطبية وصراع الإمبراطوريات. والمعروف أن لكل إمبراطورية ذروة وهبوط هكذا علمنا التاريخ وهذا ما كرسته نظرية بول كندي في صعود وانحدار الأمم والإمبراطوريات. فما الذي سيعقب الهيمنة الأمريكية باعتبارها آخر الإمبراطوريات البشرية الباقية في القرن الواحد والعشرين .
إن السمة الرئيسية الغالبة على طبيعة العلاقات السائدة حتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين ترنو كما يبدو نحو اللاقطبية ، أي نحو عالم لاتهيمن عليه قوة واحدة منفردة بالسلة ولا دولة غالبة أو دولتان عظميان متنافستان ولا حتى بضعة دول عظمى قليلة متقاربة في القوة والحجم ، وإنما عشرات الفاعلين على المسرح الدولي ممن يمتلكون أنواعاً مختلفة من القوة ، وهذا بحد ذاته يشكل تحولاً بنيوياً عن مرحلة الماضي الذي وسم القرنين التاسع عشر والعشرين المنصرمين."
كما جاء في مقال" ريتشارد هآسRichard Hass" ان" شارل كروثامير Charles Krauthammer "محقاً أكثر مما يدرك عندما كتب قبل عقدين من الزمن في هذه المجلة ذاتها عما أسماه آنذاك بـ " لحظة القطب الواحد" كانت الهيمنة القعلية في ذلك الوقت حقيقية، لكنها دامت خمسة عشر أو عشرين عاماً فقط أما بالمصطلحات التاريخية، فقد كانت تلك بالفعل لحظة تاريخية، فنظرية الواقعي التقليدية كانت لتتكهن بنهاية الأحادية القطبية وبزوغ عالم متعدد الأقطاب. وعندما كانت القوى العظمى تتصرف بصفتها تلك كان ذلك أمراً معتاداً ومرجحاً، فإنها تحفز على المنافسة من قبل آخرين يخافونها أو يستاءون منها. وقد أبدى كروثامير موافقته التامة على تلك النظرية وقال:" إن تعددية الأقطاب ستأتي في وقتها حتماً ولاشك في ذلك عندما يحين أوانها. ففي جيل آخر أو ما يقرب منه ربما، ستبرز في الوقت الملائم قوى عظمى مساوية للولايات المتحدة الأمريكية وندية لها، كما أن العالم سيشبه ، من حيث بنيته وتركيبته، حقبة ما قبل الحرب العالمية الأولى".
ان السؤال المهم الذي كان غالبا ما يبحث فيه الباحثون ومراكز الدراسات هل ان امريكا تريد قيادة العالم أم السيطرة والهيمنة عليه فمن الواضح أنهم يسعون الى إمبراطورية منفلته والحقيقة ان امريكا تجد نفسها اليوم منعزلة في عالم يناصبها العداء قد شكلته أفعالها وخلقته سياساتها وهنا نعطي مثلا بسيطا حول موضوع الطوق الصاروخي الذي جعل الرئيس الروسي يصف سياسات امريكا بأنها "همجية غير مسبوقة " فقد انفلتت حالة السعي الأمريكي خلف أوهام السيطرة والهيمنة الكونية الى جانب الأمن الأحادي المنفرد.
ان القرن العشرين قد بدأ بتعدد الأقطاب بشكل متميز وبعد نصف قرن وحربين عالميتين وأعداد لاتحصى من الصراعات والحروب الإقليمية والأصغر حجماَ المحلية وهي بطبيعة الحال لاتقل خطورة عن الحروب الكبرى تشكلت وبرزت الثنائية القطبية استمر الحال من خلال الحرب الباردة مالبث ان انهار احد القطبين وهو الاتحاد السوفيتي حتى فارقت الثنائية القطبية عرشها وأعطت المجال مفتوحاَ أمام القطب الواحد كقوة إمبراطورية مهيمنة ومتعالية ولكن بعد اقل من عقدين تبعثرت هذه القوة الرهيبة وتشتت إمكاناتها وقدراتها وكثرت بوجهها التحديات حتى نشأ مايمكن تسميته عصر اللاقطبية على النقيض من التعددية القطبية التي تمثل أقطابا متعددة وعدد من مراكز القوى الدولية فان نظام اللاقطبية الدولي سوف يوصف بمراكز متعددة متعادلة وستكون قوتها ذات معنى وتأثير حيث ان النظام المتعدد الأقطاب لامكان فيه لقوة واحدة يمكن ان تهيمن وحدها فاذا كان الامر بهذا الشكل فانه يعتبر نظام أحادي القطبية يالاضافة الى ان مراكز القوى لاتدور حول موقعين عندها سيكون نظام ثنائي القطبية ولايمكن ان يكون نظام دولي واحد ذو عدة أقطاب بل ان أنظمة متعددة الأقطاب يمكن ان تتعاون فيما بينها وتستطيع التنسيق من اجل ان يتم تحديد صيغة انسجام القوى المتعددة والمعروفة "كونسورتيومConsortium " وتعني الشراكة وهي كلمة لاتينية حيث تستطيع ان تلعب من خلاله دوراَ قيادياَ على اعتبار أنها قوى رئيسية والتنافس ايضاَ يكون مشروعاَ لأنه تنافس يدور حول توازن القوى .
ان مفهوم التنظيم الإقليمي "الإقليمية" او "التعددية الإقليمية Multi-Regional" ليس بمفهوم جديد حيث ظهر في القرن التاسع عشر عندما اعتبر الوفاق الأوربيThe Concert of Europe اللبنة الأساسية لقيام الإقليمية وقد شكلت "معاهدة وستفاليا "The Treaty of Westphaliaوتسمى ايضاَ "صلح ويستفاليا Peace of Westphalia"وهي في الحقيقة معاهدتين وليست معاهدة واحدة قد جمعت تحت اسم واحد فقد وقعت الأولى في مدينة "اسنابروكOsnabruck "The Treaty of Osnabruck "Instrumentum Pacis Osnabrugensis-IPO" بتاريخ 15 أيار/مايو 1648م والثانية في مدينة "مونسترMunster "في وستفاليا The Treaty of Muster "Instrumentum Pacis Monasteriensis -IPM" بتاريخ 24 تشرين الأول/أكتوبر 1648م وقد وقعت باللغة الفرنسية بعد سلسلة من المنازعات والحروب الطاحنة حيث أنهت هذه المعاهدتين" حرب الأعوام الثلاثين Thirty Years War" في "الإمبراطورية الرومانية المقدسة Holy Roman Empir"والتي تعتبر معظم أراضيها في ألمانيا اليوم وكذلك أنهت "حرب الأعوام الثمانيين Eighty Years War"بين اسبانيا و"جمهورية الأراضي المنخفضة السبع المتحدةDutch Republic " وقد وقعها مندوبون عن إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة "فرديناند الثالث Ferdinand III"ممالك فرنسا واسبانيا والسويد والجمهورية الهولندية والإمارات البروتستانتية التابعة للإمبراطورية الرومانية المقدسة . لقد أرست هذه المعاهدة نظاماَ جديداَ في أوربا الوسطى مبني على مبدأ "سيادة الدول Sovereign State" وتعتبر ايضاَ نقطة تحول في تاريخ العلاقات الدولية وأسست ايضاَ لمنظومة قائمة على قواعد دولية في أوربا من خلال أقرار فكرة التوازن الدولي.
كما ان هذه المعاهدة قلصت سلطة الكنيسة والبابا وأقرت نظام السفارات في العالم ويذهب فقهاء القانون والفقه الدولي الى ان هذه المعاهدة قد شكلت لأول مرة مايسمى "دبلوماسية المؤتمرات The First Modern Diplomatic Congress".
في عالم اليوم هناك عدد من القوى الإقليمية الفاعلة على المسرح الدولي التي ستتشكل وتبرز اكثر، كالبرازيل والأرجنتين والتشيلي والمكسيك وفنزويلا وكوبا في أمريكا اللاتينية، وكذلك نيجيريا وجنوب أفريقيا في أفريقيا، بالإضافة بالطبع إلى مصر وإيران وتركيا والعربية السعودية في الشرق الأوسط، إلى جانب الباكستان في جنوب آسيا وأستراليا وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية في شرق آسيا. كما أن هناك منظمات راسخة يمكن إدراجها على قائمة مراكز القوى الدولية منها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والأمم المتحدة ، وبجانبها مراكز قوى إقليمية كالاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ورابطة دول جنوب شرق آسيا ومنظمة الدول الأمريكية والاتحاد الأوروبي والرابطة الآسيوية الجنوبية للتعاون الإقليمي ، ومنها تلك المنظمات ذات السلطة المعنوية كالوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة الدول المصدرة للنفط أوبك ومنظمة تعاون شنغهاي ومنظمة الصحة العالمية . وهناك ولايات تتصرف كدول داخل الدولة الأم كولايتي كاليفورنيا ونيويورك في أمريكا وولاية يوتار براديش في الهند وسان باولو في البرازيل وشنغهاي في الصين كل هذه الكيانات سوف تبرز بشكل واضح عندما تبدأ القطبية المتعددة الإقليمية بالتشكل وأصبح النظام العالمي ذو القطبية الواحدة من الأنظمة البائدة فالموضوع أصبح موضوع وقت فالنظام المتعدد الأقطاب الإقليمية مراجله تغلي على نار ساخنة وانه يتشكل بشكل ملفت للنظر خصوصاَ اذا ماعرفنا مثلاَ ان الاقتصاد الصيني سيكون من اكبر اقتصادات العام اذا مااستمر على هذا النحو من النمو المتسارع وسيفوق الاقتصاد الأمريكي بكثير بكل تأكيد فالقوة في عالم اليوم هي القوة الاقتصادية وليست العضلات وحسب.
التعليقات (0)