مع توقيع الشيطانَين الأكبر والأخطر أميركا وإيران اتفاقهما النووي في 14/7/2015 بدا واضحًا أن لهذا الاتفاق أبعادًا جيو-سياسية غير معلنة تلبّي أطماع إيران التوسعية في الهيمنة على المنطقة؛ ويبدو أن المملكة السعودية أولى المنصاعين للشق اللبناني من هذا الاتفاق بتسليم لبنان لإيران بالكامل.
ندعم أي إجراء خليجي يطال عملاء الحزب الإرهابي من اللبنانين العاملين في الخليج، ونؤيّد تصنيف الحزب إرهابيًا وإن جاء اعتماده متأخرًا جدًا من مجلس وزراء الداخلية العرب، غير أن اتخاذ السعودية ومجلس التعاون الخليجي مجموعة قرارات دبلوماسية واقتصادية وأمنية تصب في خانة العقاب الجماعي لجميع اللبنانيين هو في قراءتنا انصياع من المملكة للاتفاق النووي بشقّه اللبناني تحديدًا. فخلافًا لما ذهب إليه معظم المحللين من أن السعودية قررت مواجهة المد الإيراني في لبنان، نرى أن السعودية وعلى العكس تمامًا إنما تُخلي الساحة اللبنانية لصالح إيران التي بتعافيها الاقتصادي بعد رفع العقوبات ومع مئات مليارات الدولارات التي بدأت تستعيدها أصبحت قادرة على ملء الفراغ السعودي في شتى الصعد كما أنها مستعدة لتسليح الجيش اللبناني لرفع نسبة الهيمنة على قراره من جزئية الى كليّة.
لا ننكر أن سياسة الملك سلمان منذ توليه الحكم في السعودية حازمة ومتشدّدة حيال إيران لكن إذا كان ذلك الحزم ينطبق على اليمن مثلا فهو بالتأكيد لا ينسحب على لبنان. ففي حين نرى سلمان ماضيًا في تصحيح أخطاء سلفه الراحل عبدالله في اليمن، نجده سائرًا على خطى عبدالله في سياسته الانبطاحية التي اعتمدها في لبنان. وبعد أن قدّم عبدالله كل التسهيلات لتحويل لبنان ولاية إيرانية وصولاً الى منح الحزب حكومة تشرع سلاحه وترعى وتحمي إرهابه وفساده في الداخل والخارج وتدافع عنه باسم جميع اللبنانيين، جاء قرار سلمان بتسليم رئاسة الجمهورية لإيران عبر دعم السعودية ترشيح سليمان فرنجية كما بسلسلة إجراءات ظاهرها العقاب الجماعي وباطنها إخلاء الساحة اللبنانية أمام الاحتلال الإيراني. من هنا لا يستقيم منطق واضعي قرارات السعودية الأخيرة في خانة تصميمها على إضعاف النفوذ إيران في لبنان، فكيف لمن يريد فرنجية رئيسًا أن يكون في مواجهة مع إيران؟!
وفي هذا السياق، واهم جدًا من يظن أن "تيار المستقبل" يملك قراره في الشؤون المصيرية أو أنه يستطيع أن يحيد قيد أنملة عن إملاءات الديوان الملكي عندما يتدخل في سياسة لبنان الداخلية والخارجية، فالحريري حامل للجنسية السعودية ومبايع للملك ومصالحه التجارية في السعودية كما مستقبله السياسي في لبنان متوقفان على رضا العائلة المالكة. أما خروج وزير الداخلية نهاد المشنوق عن قرار وزراء الداخلية العرب برفضه تصنيف الحزب إرهابيًا والذي نال عليه تهنئة خاصة من أمين عام الحزب، فلا يتعارض مع التبعية الحريرية المطلقة للسعودية إنما يؤكدها وينسجم معها بإصراره على سياستها الانبطاحية في لبنان والمتشدّدة في سواه.
لقد فاقت الكوريدا اللبنانية الكوريدا الإسبانية بشاعة، وإذا كان المدافعون عن الكوريدا الإسبانية هم "الفرسان" فالمدافعين عن الكوريدا اللبنانية هم "الثيران"! ففي حين يتم قتل الثيران بأسلوب بشع للغاية بعد مصارعتها وإنهاكها بغرس عدة أسياخ حديدية في ظهرها قبل أن يطعنها "البطل" المصارع الطعنة القاتلة بالسيف وسط هتافات وتصفيق الجماهير، يبرر الإسبان عدم إيقاف هذه الجريمة الوحشية والنزعة السادية على أنها جزء من الفن والثقافة والقيم والتقاليد الإسبانية... أما في لبنان فثمة آلة قتل متخصصة بتصفية الأحرار المعارضين للمشروع الفارسي في الداخل والخارج، غير أن توصيف المرتكب إرهابيًا ممنوع لأنه "جزء من النسيج الوطني ومكوّن رئيسي في المجتمع اللبناني وممثل في مجلس النواب ومنتخب وعضو في الحكومة الائتلافية" كما قال المشنوق وجوقة شانقي الحقيقة من جنبلاط الى سجعان قزي وسواهم من مشجعي الكوريدا اللبنانية الذين تناسوا بانبطاحيتهم أنهم "ثيرانها" أيضًا! وفي ظل تشريع الكوريدا اللبنانية من الطبيعي بقاء الإرهابيين المجاهرين بجرائمهم وعمالتهم طلقاء مكرّمين في حين تعج سجون الدولة بمظلومين ومجرمين غير محصّنين، وتكتظ قبورها باستقلاليين تجرأوا على معارضة "البطل" المصارع.
سألت شبكة الـ CNNفي 3/3/2016 الرئيس الحريري عن رأيه في مقولة إن الهبة السعودية للجيش كانت ستنتهي في أيدي الحزب الإرهابي، فأشاد الحريري بالجيش غير أنه أردف قائلاً: "أعتقد أن هناك قرارا سياسيًا بأن يأخذ حزب الله لبنان على الصعيد الإقليمي"! عودته الى لبنان وتطمينه جمهوره أنه باق فيه، وتجواله في المناطق رغم ما سبق وسوّقه من أنه معرّض للخطر، ثم ترشيحه فرنجية وتمسّكه به، كل ذلك مؤشر أنه رضي بتنفيذ القرار الإقليمي بتسليم لبنان الى إيران، ونال الأمان من الإرهابيين بعد تلقيه أمر الانبطاح والتسليم من السعوديين.
التعليقات (0)