عجزت هذا الصباح من الذهاب إلى شواطئ مدينة سوسة التونسية، أو تناول كسكسي بالعلوش والكمونية التي تفوح منها رائحة الثوم المجروش مع الحالمة الفوتوغرافية.. وهي تقول لك يداك ناعمتان كرمل بحر سوسة.. ولوقت قد يطول لعمرها ،ستظل كلما نَزلتَ إلى البحر تراها أمامك تركض على حافة الشاطئ وهي تصرخ...... أسرع يا جبان... لا تخف بحر سوسة لا يقتل الغرباء، وستحتاج لفترة مرير كي تنسى تلك الأنثى المكسورة بالجراح والألم، وهي تجتاز طرقات سيدي عبدالحميد نحو راجل مسن يبيع فضيات من حلقان وخواتم وتعليقات على رقبة النسوة والرجال معاً ،لتعمل صورة جمالية كي تضيفها مع مجموعاتها الفوتوغرافية ،كل همها ومشاويرها في ولايات سوسة ، من بوفيشة وسيدي بو علي وسيدي الهاني ،وكندار..البحث عن زوايا غريبة وعتبات صخرية وتحف قديمة لتسرق منها صور فوتوغرافية ، وتسترزق وتطعم أخوتها الستة الأيتام وأمها المقعدة.. وهي لم تكمل السابع عشرة من عمرها، وحلمها ان تشتري منزلا ،يرحمهم من صاحب الدار النكد ،لإيقاف شتائمه اليومية ..والأجرة التي يجبرهم عليها قبل نهاية الشهر الميلادي بثمانية أيام ، وأن تُرسل أخيها الكبير ليكمل دراسته في اسبانية ،لكنه مات بأورام خبيثة في الدماغ.
ستذكرها بوعي أو لا وعي وهي تقول لك بعقلية تسبق عمرها المبتدئ في الحياة...الأنثى الحرة هنا في سوسة لا تقبل حفل عرسها قبل الخامسة والثلاثون، ستظل تبحث عن الرجل الذي تريده ويريدها حقاً، أن تكون في حالة انتظار للرجل بوحشية أنثى كاملة ،أو بأنياب أسد جائع أو لكمة نمر على فريسته ، وأن ترمي خلفها مئات الرجال المحتالين في مصيدة الحب العابر، وان عثرت عليه أمسكته بشباكها الأنثوية الذابح، تلتف حول رقبته كحبل المشنقة، أو أن تسقطه في أول سلة نفايات إن لم تستطع امتلاكه.... لتتحرر منه.
كنت أقول لنفسي وأنا أسكب لها سفن دايت مع نكهة الرمان و شرائح قطع الليمون الذي تحبه دائرياً ، من أنا لأكون هنا؟، من أنا لأقترب من عالم هذه الأنثى صاحبة الشعر الغجري المجعد.. التي أحبت أزقة وطرقات سوسة المقروصة بإضاءتها الباهتة.. وكأنها تشبه في صوت عفاف راضي وهي تتناغم بسوسة كف عروسة على اهداب صاخبة..وركضها الطفولي خلف حنطور الحاج بن عويضة وسكراته الخمرية ، وحبها الجميل بولاية النفيضة ربما كانت مع النسوة اللاتي يزحفن إلى أقدام رجال الليل..إلا ترى أنها كسرت عفتها مع رجل قمحي البشرة على عتبات سيدي الهاني المتناثرة في شمالها وشرقها.. لأنها أحبت الوشم الذي على كتفه، أو انها أغرمت بمتشرد بلحيته الشقراء القصيرة في ولاية كندار ، وبداعكاته الملتوية التي تركت تعصباً على عقلها الضائع حتى هذه اللحظة، كان يكفيها أن تحتمي بأية الكرسي من خزعبلاته النابتة على لحيته، لا ان يحولها إلى متسولة ..تعشق أزقة سيدي عبدالحميد للنهش والسلب ..أو يطعمها من جيوبه المنتفخة بأشياء لا تُعَد ولا تُحصى، وأن يرميها خلف براميل القمامة ويهرب، بين ممرات الباصات المتنقلة في حمام سوسة وأكودة المجنونة بصباياها المراهقات، وفي معتمدية سيدي بوعلي قفزت على راهب بوذي وظلت تطارده بين مجسماتها التراثية والمنازل المتهالكة القديمة، وفي معتمدية مساكن في إحدى الشوارع الرطبة، حاولت بكل ما لديها ولم تستطع أن تغويه، واكتفت بتمريغ وجهها بعانته الكثيفة قبل أن تتركه لسلامه ولتلك الأرواح التي كان يخاطبها دائماً وتجعله مسيطراً على الشهوات الدنيوية...كل ذلك كان من حالمة سوسة الفوتوغرافية..عبارة عن إسقاطات على فكري الخيالي ، عندما كانت تقول ..وهي ..تصرخ ..لا تخف بحر سوسة لا يقتل الغرباء.
التعليقات (0)