إشتهرت كثيرٌ من النساء عبر التاريخ بسببٍ من كونهن أعضاء في أنظمة دكتاتورية، لكنهن فشلن في إعطاء الإنطباع برقة تلك الأنظمة و إنسانيتها، لأن الموقع الذي كُن يحتلنه كان يلتهم أنوثتهن و من ثم إنسانيتهن، و بذلك كُن واجهات جهنمية لتلك الأنظمة و خير معبر عن وحشيتها، و مع مرور الوقت كُن يصبحن مجرد هياكل فارغة و عبأ يُلقى به عند أول فرصة كأية قطعة تالفة.
شخصياً لا أجد فارقاً كبيراً بين بثينة شعبان و هدى بن عامر المرأة الليبية التي فازت بلقب (شانقة الرجال و مصاصة دماء الليبيين)، و التي كانت من أقرب المقربين من العقيد الفار معمر القذافي الذي سيصبح مثلها بعد قليلٍ طي النسيان، أو غيرهما ممن لعبن دوراً ما في الأنظمة الدكتاتورية.
فكلما سمعت بإسم (بن شعبان) تذكرت قصة (بن عامر) التي دشنت بها لقبها الدموي، فبعد أن حرضت على قتل الطالب الليبي الصادق الشويهدي، بدت عملية القتل التي نفذت في أحد الملاعب و كإنها إستجابةٌ لرغبتها الشخصية، فقد ركلت الكرسي من تحت قدمي الشويهدي المعلق بحبلٍ ملتفٍ حول رقبته، و عندما فشلت عملية الأعدام و بقي يقاوم الموت إنقضت عليه و تعلقت بقدميه و شدته للأسفل لتجهز عليه، و بعد كل ذلك و عندما لم يتم لها ما أرادت، تم دس جورب مثقوب ملئ بالرمال (ربما جوربها) في فم الضحية بحيث كلما تنفس تسربت الرمال إلى فمه إلى أن قضى بهذه الصورة الشنيعة، و هكذا توالت أفعالها لدرجة أن مجرد ذكرها أصبح يثير الرعب، حيث أصبحت كالفزاعة يخيف الناس بعضهم البعض بها، بإعتبارها مصدراً للشرور الذي يمكن أن يحيق بهم عند إرتكاب أي هفوة.
تُرى كم حبلاً لفت (بن شعبان) حول رقاب السوريين، و ما هو عدد الأجساد التي تسلقت عليها، و كم دزينة من جواربها دستها في الأفواه، و كم روحاً أزهقت حتى أكملت أوراق إعتمادها لتصبح عضواً فاعلاً في الحلقة النارية التي يحيط بشار الأسد ـ و من قبله والده ـ نفسه بها، و كم فكرةً جهنمية إقترحت للقضاء على الثورة، و ماهي تفاصيل رواياتها التي تسوقها للإبقاء على الدعم لنظامها.
لولا الثورة الليبية لما كانت بن عامر بالنسبة لأمثالنا سوى تلك المناضلة التي كانت تجد لها مكاناً في الصالونات الثورية المملوكة لأنظمة الممانعة و المقاومة حيث كانت تستقبل بحفاوة من مثل ذلك الذي لقيته من قبل بشار الأسد في العام الفائت، و لولا الثورة السورية لما كانت بن شعبان سوى إمرأة مكافحة وصلت لمنصب مستشارة إعلامية في رئاسة الجمهورية، إمرأة مثقفة تكتب في الصحف لتذكرنا بسايكس بيكو و القومية العربية و القضية الفلسطينية و القدس و لتلفت إنتباهنا إلى معاناة الشعب الفلسطيني تحت الإحتلال.
بعيداً عن هذه القضايا التي كان يبدو أن شعبان و نظامها قد كرسا نفسيهما لها، و في المرات النادرة التي كانت تتحدث فيها عن المواطن السوري كان الحديث عن ذاك الذي يعيش في ظل الإحتلال، و عندما كانت تتحدث عن الأرض السورية كان للحديث كذلك صلة بالإحتلال. و خارج هذا الإطار لم يكن لسوريا الأرض و الشعب أي وجود، لم يكن الحديث بالطبع من باب الوفاء للواقعين تحت الإحتلال أو رغبةً جدية في تحرير الأرض المحتلة، بل لأنها التجارة التي مارسها النظام على مدى عقود، التي تقوم على إلغاء كل سوريا ليس من أجل جزء من سوريا، بل للإبقاء على إحتلاله لكل سوريا مقابل جزئها المحتل.
لقد أزاحت الثورة السورية أوراق الصحف الصفراء التي كانت بثينة بن شعبان تخفي خلفها وجهها الحقيقي و تغطي بها جسدَ نظامٍ ميتٍ سريرياً يعيش على تغذيته بدماء السوريين، و كشفت لنا بذلك عن إمرأة ليست سوى الوجه الآخر لبن عامر، عن إمرأةٍ ليست سوى تاجر شنطة، لا تكتفي فقط بالمشاركة في قرار قتل السوريين و إخفاء جرائم القتل، بل تضع ما يفيض عن حاجتها من دمائهم في حقائب، تأخذها لتبيعها بالجملة و المفرق و بثمنٍ بخس لمن يرغب في أصقاع العالم من روسيا إلى الصين، و لتقايض هذه الدماء ببقاء بشار الأسد محتفظاً بكرسي الحكم.
منذ بداية الثورة تنتقل بثينة شعبان و النظام الذي تعمل فيه من فشلٍ إلى آخر، و رغم أنها زادت في الفترة الأخيرة من كمية المساحيق على وجهها، إلا أنها فشلت في إخفاء مظاهر إنهيارها و تهالك نظامها و علامات الموت الذي تظهر على كل مفاصله.
لم تفهم شعبانُ بعد أن المرأة ليست عبارة عن مجموعة من المساحيق و لم يفهم نظامها كذلك أن السياسة ليست مجموعة من الأكاذيب، و بالتالي فمساحيق العالم كله و أكاذيبه تعجز عن إخفاء شمس الثورة في سوريا.
كان الثوار الليبيون يرددون: إذا فشلت الثورة فستشنقنا جميعاً هدى بن عامر.
لن تفشل الثورة، و لن تنجح بثينة شعبان و نظامها في شنق السوريين جميعاً.
التعليقات (0)